مقومات الثورة ماضيا وراهنا

قال الكاتب سيمون مونتيفيور إن الثورة تشبه موت نجم خافت، فتعطي انفجارا زاهيا لا ينتج مجرّة جديدة ولكن غمامة أو سديما مليئا بالطاقة.
وأضاف مونتيفيور في مقال نشره بصحيفة نيويورك تايمز أنه بالرغم من أن لكل ثورة بصمتها، وهذا بسبب الطابع المحلي الذي تتميز به كل ثورة، ووسط هذه الأجواء من الثورات الملتبسة في العالم العربي والتدخلات الغربية، فإن تاريخ الثورات في العالم يمكن أن يهدينا بعض الإرشادات لما يمكن أن يكون عليه مستقبل المنطقة.
واستشهد بما قاله عالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر الذي حدد ثلاثة أسباب لطاعة الناس حكامهم، وهي سلطة مجد الماضي أو المجد التاريخي، وسلطة الإنجاز الفردي للحاكم، وسلطة الحكم الشرعي.
وركز مونتيفيور على سلطة مجد الماضي في أحداث الثورات العربية "لأنه حتى الجمهوريات في العالم العربي تميل إلى أن تكون ذات طابع ملكي".
ويبرر مونتيفيور حكمه بمحاولات الرئيس المصري السابق حسني مبارك قبل تنحيه لوضع ابنه في رئاسة مصر، والرئيس السوري الراحل حافظ الأسد الذي ترك السلطة بعد وفاته عام 2000 لابنه بشار، كما أن العقيد الليبي معمر القذافي دعم حكمه الطويل بمنح سلطات عليا لأبنائه، والشيء ذاته مارسه الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي وضع ابنه أحمد على رأس القوات الخاصة.
ويضيف مونتيفيور قائلا "ولأن أعمار الدول تشبه أعمار الأفراد كما يقول المؤرخ وعالم الاجتماع المسلم ابن خلدون، فإن السلطات المبنية على الأمجاد التاريخية تنتهي إلى الزوال".
التاريخ يمكن أن يعطينا بعض الأفكار لحل ألغاز الثورات |
ويشرح الكاتب حركة الثورات فيقول إنها مجموع حركات مثيرة، فتزوير الانتخابات عام 2009 بإيران وانتحار شخص واحد في تونس حرقا كفيل بتحريك الشارع، لكن هذا لا يتم إلا بعد ركود اقتصادي واجتماعي طويلين، إضافة إلى عامل المقارنة بعد انتشار الإنترنت، حيث تمكن الشباب العربي من مقارنة أوضاعه بنظرائه في الغرب، كما أن فرق الأجيال بين الشباب وبين الحكام الذين يمسكون بالسلطة منذ عشرات السنين عمق الفارق وخلق شرخا في المجتمع.
وقال مونتيفيور إن الحاكم الذي ينزوي بعيدا لمدة طويلة ينظر إلى الأشياء بطريقة مختلفة، فالمستشار النمساوي ميترنيخ بلغ من كبر السن درجة جعلته لا يسمع أصوات المتظاهرين خارج القصر عام 1848، كما أن لويس السادس عشر ملك فرنسا سأل سكرتيره لاروشفوكو ليانكور "ما هذا؟ مظاهرة؟ هل هي مظاهرة؟"، فأجابه ليانكور "بل هي ثورة يا مولاي".
وأوضح الكاتب صعوبة قمع الثورات التي تندلع بدون قيادة، مثلما أكد قائد الثورة البلشفية فلاديمير لينين أن ثورة فبراير شباط 1917 لم تكن لتحدث لولا أن جموع الجائعين انتفضوا وكانت النتيجة سقوط القيصر نيكولا الثاني، في حين كانت المعارضة الثورية منفية في الخارج أو مخترقة من الأمن السري.
وأشار الكاتب إلى أهمية الفيسبوك في ربط وتسريع الاتصال بين الناس، لكنه يدعو لعدم المبالغة في تقدير أهمية العامل التكنولوجي لأن ثورة 1848 انطلقت من صقلية إلى باريس ثم برلين وفيينا وبودابست في بضعة أسابيع بدون أن تكون هناك خطوط هاتف، بل اعتمدت على زخمها وانعزال الحكام المستبدين في قصورهم.
ويضيف "بمجرد نزول الناس إلى الشارع بأعداد كبيرة، تصبح مواجهتهم تعتمد على نية الحاكم في القمع من عدمه"، ويستشهد بالخروج الهادئ نسبيا لشاه إيران عام 1979 وحسني مبارك هذا العام، كما يشير إلى العنف الشديد مثلما كان الأمر مع الرئيس السوري حافظ الأسد وابنه بشار والعقيد معمر القذافي والرئيس اليمني علي عبد الله صالح، والحكومة الإيرانية الحالية التي قمعت معارضتها بشدة.
التكنولوجيا تساعد على نشر الأفكار لكنها لا تكفي لتحريك الشارع |
ويتحدث الكاتب عن النهايات الغريبة لبعض الثورات مثل ثورة الأرز بلبنان التي أنهت الوجود السوري الذي يدعمه حزب الله، لكنها انتهت بحكومة يسيطر عليها حزب الله وتدعمها سوريا، وقال إن النجاح الأولي للثورة يخلق وهجا بالحرية والديمقراطية كما نراه في القاهرة وبنغازي وكما رأيناه من قبل في أوروبا عام 1848 وروسيا عام 1917.
ويشرح مونتيفيور فكرته بأن الفوضى تدفع الناس للرغبة في سلطة مستقرة وإلا فسيكون التطرف هو البديل، ولذا يرحب المتشددون بهذا الوضع عادة كما كان الأمر مع لينين الذي قال "كلما كان الوضع أسوأ، كلما كان أفضل، فعند هذه النقطة يصبح تطبيق الحلول المتطرفة أمرا ممكنا".
وفي هذه المرحلة تصبح القيادة ضرورة. فلينين قاد الانقلاب البلشفي في أكتوبر/تشرين الأول 1917، ونجح الخميني في قلب نظام الشاه عام 1979، بينما نجح نيلسون مانديلا في تحقيق انتقال سلمي في جنوب أفريقيا، لكن المشكلة في ثورات العرب هي غياب زعماء للمعارضة مثلما هو الحال في ليبيا واليمن وسوريا، لأن قمع أجهزة الأمن أجهض ظهورهم منذ زمن طويل.
ويتحدث مونتيفيور عن الصورة القادمة في العالم العربي، فيقول إن الأمر في مصر لا يتوقف عند إسقاط حسني مبارك، فبعد ثورات 1848 في أوروبا ظهرت حالات مختلطة وغريبة في المشهد السياسي الأوروبي، حيث ظهر نوع جديد من التسلط تمثل بظهور نابليون بونابرت الأمير-الرئيس الذي أصبح إمبراطور فرنسا. ثم في ستينيات القرن التاسع عشر عندما تولى أوتو فون بيسمارك حكم بروسيا.
ويعتقد الكاتب أن العالم العربي سيشهد مرحلة مشابهة تتمثل في ديمقراطية جديدة مع دور خاص للجيش على الطريقة التركية، أما ليبيا فيقول إنها قد تغرق في صراع قبلي.