الخطة "باء" في أفغانستان

f/A US Army soldier from 1-506 Infantry Division is covered in dust after gunning from the hatch of a humvee on November 29, 2008 in Paktika province,




قال الكاتب الأميركي روبرت دي بلاكويل –
الذي عمل سفيرا للولايات المتحدة في الهند ونائب مستشار الأمن القومي الأميركي للتخطيط الإستراتيجي- في مقال نشره له موقع "رو ستوري" الأميركي تعليقا على تطورات الحرب على أفغانستان جاء فيه:


تشتمل السياسة الأميركية الحالية بشأن الحرب على أفغانستان على إنفاق المليارات من الدولارات وعلى تكبد عدة مئات من القتلى في أوساط قوات التحالف سنويا للحيلولة دون سيطرة حركة طالبان على أفغانستان التي بها الموطن الأصلي للبشتون دون أن تلوح نهاية لذلك في الأفق.

وبالنسبة لمن يطالبون بالمزيد من الوقت من أجل نجاح الإستراتيجية الحالية فهم يخفقون في توضيح ما هي مخاطر ما يفكرون به، وأما بشأن القول إنها ستعطي أكلها في السنوات القليلة القادمة، فما هي أعداد الإصابات والموارد المالية التي يعتقدون أن المحاولة جديرة بها ولماذا؟ وتلك الحسابات تقول إنه حان الوقت للانتقال إلى الخطة "باء".


وقال الكاتب إن الولايات المتحدة وحلفاءها ليسوا في سبيلهم لهزيمة طالبان عسكريا, وهناك نحو 150 ألفا من القوات الأميركية والقوات الدولية للمساعدة في حفظ الأمن في أفغانستان, وهو عدد يزيد بثلاثين ألفا عن القوات التي نشرها الاتحاد السوفياتي في أفغانستان في الثمانينيات, ولكنه دون نصف العدد المطلوب الممكن أن تكون له فرصة لتحقيق الهدوء في البلاد وفقا لمعايير عقيدة محاربة التمرد.

كما أنه لا يمكن للتحالف أن ينتصر على الأعداد الكبيرة من البشتون كما تتطلبه عقيدة مكافحة التمرد في ظل وجود جيش احتلال يجهل بشكل واسع التاريخ المحلي, والبنية القبلية واللغات والعادات والقيم للأعداد الكبيرة من البشتون.

"
إن الولايات المتحدة وحلفاءها ليسوا في سبيلهم لهزيمة طالبان عسكريا, وهناك نحو 150 ألفا من القوات الأميركية والقوات الدولية للمساعدة في حفظ الأمن في أفغانستان, وهو عدد يزيد بثلاثين  ألفا عن القوات التي نشرها الاتحاد السوفياتي في أفغانستان في الثمانينيات

"

طرقات البلاد
ووفقا لمقولة سبستيان جونغر, فإن الولايات المتحدة لا يمكنها السيطرة على سكان جنوبي وشرقي أفغانستان, وكان الرئيس الأفغاني حامد كرزاي أخبر واشنطن بوست في نوفمبر/تشرين الثاني أنه يريد ألا تتواجد القوات الأميركية على طرقات البلاد وأن تكون بعيدة عن منازل الأفغانيين وأن الحديث عن بقاء عدد كبير من القوات الأجنبية في أفغانستان على المدى البعيد, من شأنه أن يزيد من سوء الحرب ليس إلا، وقال كرزاي إنه "حان الوقت لخفض العمليات العسكرية وحان الوقت لتقليل التطفل والتدخل في حياة الأفغانيين اليومية, وهذه التوجهات شائعة وتتعارض بشكل كبير مع إستراتيجية محاربة "التمرد" التي تعتمد على نشر جنود في أوساط السكان المحليين.

إن نوعية الحكم البائس المنبثقة عن حكومة كرزاي التي يستشري فيها الفساد, لن تتحسن بشكل كبير, كما انه من المستحيل تحقيق الولايات المتحدة للنجاح أو الانتصار بدون إصلاح شامل للحكومة الأفغانية، وكما شدد على ذلك ديفد كيلكولين الخبير في مجال محاربة التمرد الذي يقول "إنك جيد بمقدار جودة الحكومة التي تؤيدها", وفي هذا السياق قال ديكستر فيلكينز في نيو يورك تايمز "تعتبر أفغانستان اليوم بشكل كبير واحدة من دول العالم التي تحكمها عصابات قطاع الطرق وكان ترتيبها في مجال الفساد 179 من بين 180 دولة في مجال تصنيف الشفافية الدولية متفوقة على الصومال فقط".

لن يكون الجيش الوطني الأفغاني قادرا على مواجهة طالبان أو القيام بمهمات قتالية رئيسية بدلا من قوات إيساف في جنوبي وشرقي أفغانستان خلال أي إطار زمني واقعي, ووفقا لما تقوله الإيكونومست, فإن أقل من 3% من المجندين يأتون من بشتون الجنوب المشاكسين الذين يوفرون لطالبان معظم الدعم, وهناك قلة ممن يلتحقون بالقوات الحكومية خشية تعرضهم للتخويف العنيف الموجه ضد المتعاملين مع الحكومة وعائلاتهم, ونتيجة لذلك فإن الضباط الشماليين الذين يتحدثون اللغة الدارية سيضطرون للاستعانة بمترجمين في المناطق الجنوبية التي يتحدث سكانها البشتونية, كما أن قوات المشاة من الشمال لا يرغبون في التوجه إلى هناك على الإطلاق, وكان الجنرال جيمس كونوي من مشاة البحرية الأميركية قال أمام مؤتمر صحفي في أغسطس/ب الماضي إن الجيش الوطني الأفغاني لن يكون مستعدا لتسلم المهام الأمنية من القوات الأميركية في كل من ولايات هلمند وقندهار لسنوات عديدة بسبب الظروف على الأرض.

لن يضع الجيش الباكستاني حدا لدعمه لطالبان أفغانستان كصنيعة له وتوفير الملاذ الآمن لها منذ أمد بعيد من منطلق نظرته إلى الهند كالعدو الأول ومن مفهومه لمتطلبات العمق الإستراتيجي كما أنه لن يقبل بأفغانستان مستقلة بشكل حقيقي.

كما أن الرأي العام في الولايات المتحدة وغيرها من دول التحالف من غير المرجح أن يسمح في نهاية المطاف بإطالة أمد التدخل للمدة التي تتطلبها عقيدة محاربة "التمرد" من أجل تحقيق النصر.

وبسبب تلك العناصر كلها وعلى ضوء المشاكل الخطيرة التي تواجهها السياسة الأميركية الحالية في أفغانستان, فإن التفاؤل بخصوص قدرة الإستراتيجية الحالية على تحقيق أهدافها, يذكرنا بتعليق وايت كوين في مقولته (من خلال نظارة النظر) إنه "لماذا اعتقدت أحيانا بوجود ستة مستحيلات قبل الإفطار"، وعليه فقد حان الوقت للتحول لأقل البدائل سوءا وهو القبول بتقسيم البلاد كأمر واقع.

"
الولايات المتحدة ستبدأ في وضع حد لدورها القتالي في أفغانستان قريبا وهو ما أضعف القوة الدبلوماسية في المنطقة، وعلى الإدارة التوقف عن الحديث عن إستراتيجيات الخروج، وبدلا من ذلك عليها الالتزام بدور أميركي قتالي على المدى البعيد

"

دور قتالي
وكرر الرئيس الأميركي باراك أوباما تصريحاته بأن الولايات المتحدة ستبدأ في وضع حد لدورها القتالي في أفغانستان قريبا وهو ما أضعف القوة الدبلوماسية في المنطقة، وعلى الإدارة التوقف عن الحديث عن إستراتيجيات الخروج، وبدلا من ذلك عليها الالتزام بدور أميركي قتالي على المدى البعيد في أفغانستان ونشر قوات هناك يراوح عددها بين 35 وخمسين ألفا، وفي نفس الوقت يجب على الولايات المتحدة القبول بسيطرة حركة طالبان التي لا مناص منها على معظم البشتون في الجنوب والشرق، وإلا فإن ثمن ذلك سيكون باهظا بالنسبة للولايات المتحدة, ومن المؤكد أن الولايات المتحدة لن تقدم الدعوة لطالبان للسيطرة على الموطن الأصلي للبشتون الأفغانيين ولا التفكير في تقسيم أفغانستان, وبدلا من ذلك يجب على الولايات المتحدة وشركائها التوقف عن الموت في الجنوب والشرق وترك القوات المحلية المتحالفة هناك تمارس دورها, وفي الوقت الذي يتم فيه نشر القوة الجوية والقوات الخاصة لدعم الجيش الأفغاني والحكومة في كابل لمواجهة ما قد يحدث في المستقبل، فيجب التأكد من أن الشمال والغرب لن يخضع لطالبان كذلك.

باختصار, فإن على الرئيس أوباما أن يعلن أن الولايات المتحدة وشركاءها من الأفغانيين والدول الأجنبية سيسعون إلى الاستمرار في إستراتيجية شاملة لمحاربة التمرد في المناطق البشتونية الأفغانية وانتهاج إستراتيجية بناء الدولة في بقية البلاد والالتزام بالسياستين كلتيهما خلال السنوات السبع القادمة على الأقل, علما بأن القبول على مضض بالأمر الواقع بتقسيم أفغانستان سيكون حصيلة مخيبة للآمال بشكل كبير بالنسبة للولايات المتحدة فيما يتعلق باستثمارها في أفغانستان خلال عشر سنوات, ولكن وللأسف, فإن هذا أفضل ما يمكن للولايات المتحدة أن تحققه بشكل واقعي ومسؤول.


وبعد سنوات عديدة من السياسة الخاطئة الأميركية تجاه أفغانستان، لا توجد هناك طرق سهلة وسريعة ومجانية للهروب من الكابوس الحالي, وحتى مع كل مشاكله, يبقى التقسيم وفقا للأمر الواقع في أفغانستان يشكل أفضل بديل للهزيمة الإستراتيجية في أفغانستان مع التأكيد على أن الولايات المتحدة ستظل تلعب دورا قتاليا في أفغانستان لسنوات قادمة في المستقبل وأنها لن تقبل بالسيطرة الدائمة لطالبان على الجنوب, ويمكن للولايات المتحدة وشركائها سحب قواتها القتالية البرية خلال عدة شهور من معظم المناطق البشتونية الأفغانية بما فيها قندهار, وستتوقف إيساف عن القتال في الجبال والأودية والمناطق الحضرية أو العمرانية في جنوبي وشرقي أفغانستان (بالرغم من أنها ستستمر في تقديم السلاح والمساعدات والمعلومات الاستخبارية لقادة القبائل المحليين الذين يرغبون في المقاومة والقتال)، كما أن واشنطن يمكنها تكثيف مساعيها في هذه الأثناء لمنع خضوع الشمال والغرب للبشتون وبضمن ذلك كابل.

"
طالبان أفغانستان يمكن أن تعرض عليها تسوية مؤقتة يوافق بموجبها كل طرف على عدم السعي لتوسيع المنطقة التي يسيطر عليها طالما توقفت طالبان عن دعم "الإرهاب" وهو اقتراح ربما يرفضونه

"

تسوية مؤقتة
يمكن أن تعرض على طالبان أفغانستان تسوية مؤقتة يوافق بموجبها كل طرف على عدم السعي لتوسيع المنطقة التي يسيطر عليها طالما توقفت طالبان عن دعم "الإرهاب" وهو اقتراح ربما يرفضونه وعلى الولايات المتحدة أن توضح أنها ستهاجم أي أهداف للقاعدة أينما وجدت وعند كل تعديات لطالبان تتجاوز خط التقسيم وفق الأمر الواقع وكذلك أية معاقل وملاذات آمنة بمحاذاة الحدود الباكستانية حيث لا تسلم أي ملاذات آمنة إرهابية من هجمات أميركية مكثفة على كلا طرفي خط دورلاند.

يمكن لواشنطن أن تضم الطاجيك والأوزبك والهزارة والمؤيدين البشتون الأفغانيين لهذا المسار علاوة على الحلفاء من حلف شمال الأطلسي (ناتو) وكذلك مختلف جيران أفغانستان وربما مجلس الأمن الدولي, ويمكن للحلفاء أن يسرعوا من تدريب الجيش الأفغاني كما يمكنهم تحويل جهودهم الخاصة ببناء الدولة إلى مجموعات في شمالي وغربي أفغانستان ممن يرغبون في قبول المساعدة وممن لا يخضعون بشكل منهجي لطالبان وربما يحين الوقت في نهاية المطاف لأن يقوم الجيش الوطني الأفغاني مع المساعدة بإعادة السيطرة على الجنوب والشرق.

وكما بين المحلل السياسي جون شيبمان الذي يقول إنه "يمكن أن تكون مقاربة الاحتواء والردع إستراتيجية وهي التي كانت مخصصة للتعامل مع التهديدات التي حددتها في الأصل قوات التحالف التي تدخلت في أفغانستان وربما تحل محل الانطباع بأن انسحاب القوات المقاتلة من أفغانستان يمكن أن يشكل نصرا للعدو مع حقيقة إمكانية الاستمرار في إستراتيجية لمدة أطول في الوقت الذي يتم فيه تحقيق الهدف الأمني الرئيسي"، وفي هذا السياق تبين التقارير الصحفية الأخيرة أن بعض القوات الأميركية ستبقى في أفغانستان حتى نهاية 2014 مما يعتبر تطورا مرحبا به.

إن تغيرا كهذا في الإستراتيجية الأميركية يمكن أن يوضح للجميع أن الولايات المتحدة ومن خلال تواجدها العسكري المطول في أفغانستان بأنه يهدف إلى الحفاظ على القوة والنفوذ في جنوبي ووسط آسيا خلال سنوات عديدة قادمة، ويمكن أن يخفف بشكل كبير من الإصابات في صفوف القوات المسلحة الأميركية وتقليل الضغوط الداخلية السياسية الأميركية لانسحاب سريع ويمكنه أن يخفف بشكل جوهري من الإنفاق الأميركي في أفغانستان (الذي يبلغ حاليا سبعة مليارات دولار شهريا).

كما ويمكنه زيادة احتمال استمرار الحلفاء من الناتو في المشاركة في المهمات في أفغانستان على المدى البعيد ويمكنها أن تسمح للجيش وقوات المارينز بالتقاط الأنفاس من سنوات القتال في حربين بريتين ويمكنه تشجيع جيران أفغانستان لدعم استقرار مقبول للبلاد ويمكن أن تقلل من قدرة إسلام آباد على استغلال الدور الأميركي البري في جنوبي أفغانستان لانتزاع تساهل وغض نظر واشنطن فيما يخص الإرهاب المنبثق من باكستان.

ويسمح لإدارة أوباما بالتركيز على غيرها من القضايا المهمة الأخرى.

"
أحد الخيارات البديلة هو الاستمرار في محاربة التمرد مهما طال الزمن وحتى ربما توسيع الالتزام الحالي, وهو توجه غير مقبول لأن المصالح الأميركية في أفغانستان ليست بمستوى عال يبرر مثل هذا الاستثمار

"

خيارات جيدة
إن قبول تقسيم أفغانستان كأمر واقع يعتبر خيارا متدنيا أو سيئا يمكن أن يكون اللجوء إليه في حال كانت الخيارات الأخرى أسوأ منه وهي كذلك, فعلى سبيل المثال فإن أحد الخيارات البديلة هو الاستمرار في محاربة التمرد مهما طال الزمن وحتى ربما توسيع الالتزام الحالي, وهو توجه غير مقبول لأن المصالح الأميركية في أفغانستان ليست بمستوى عال يبرر مثل هذا الاستثمار, فالولايات المتحدة تنشر حاليا نحو مائة ألف من قواتها في أفغانستان, رغم أن هناك نحو خمسين إلى مائة من مقاتلي تنظيم القاعدة فقط موجودون وفقا لما تقوله وكالة المخابرات المركزية الأميركية (سي آي أي)، بما يعني أنه يخصص لكل إرهابي ما بين ألف وألفي جندي وربما مليار دولار سنويا وهو ما يزيد كثيرا عن الإنفاق الأميركي المقبول من الموارد بناء على الأموال المخصصة لهذا الغرض, كان الهدف الأصلي والرئيسي للقوات المسلحة الأميركية هو تدمير تنظيم القاعدة وهو هدف تم إنجازه على نطاق واسع وليس لمحاربة طالبان أفغانستان.

هناك بديل آخر بخصوص سحب الولايات المتحدة قواتها العسكرية من أفغانستان خلال السنة أو السنتين القادمتين، ولكنه قد يؤدي إلى استئناف سريع لحرب أهلية شاملة في أفغانستان ومن ثم احتلال البلاد بأكملها من قبل طالبان, ويمكن أن تجر جيران أفغانستان إلى القتال وزعزعة استقرار المنطقة وزيادة في توتر العلاقات بين نيودلهي وإسلام آباد ويمكنه زيادة مخاطر التطرف الإسلامي الباكستاني والذي يمكن بدوره أن يوجه أسئلة بخصوص سلامة وأمن الترسانة النووية الباكستانية ويمكن أن يضعف إن لم يدمر الشراكة الإستراتيجية الأميركية الهندية الغضة وتدمير مستقبل الناتو وإطلاق موجة عالمية من الدعم للعقيدة الجهادية وزيادة الإرهاب ضد المجتمعات الليبرالية بشكل أكبر ويمكن أن ينظر إليه من قبل الأصدقاء والأعداء سوية في مختلف أنحاء العالم على أنه فشل لزعامة أميركا العالمية وتصميمها الإستراتيجي وإظهارها بمظهر الأضعف مما سيولد هزات ارتدادية مدمرة لسنوات عديدة قادمة.

هناك بديل ثالث وهو محاولة تحقيق الاستقرار في أفغانستان عن طريق التفاوض مع طالبان ويمكن للناتو أن يحاول إغراء طالبان أفغانستان بوقف القتال والانضمام إلى حكومة ائتلافية في كابل وكما قال ليون بانيتا مدير وكالة المخابرات المركزية بأن طالبان ستبقى متصلبة طالما شعرت بأنها تحقق النصر، مضيفا أنه "لا نرى أي دليل على أنهم معنيون حقا بالمصالحة وإلقاء سلاحهم وشجب القاعدة ومحاولة أن يكونوا جزءا من ذلك المجتمع, لم نر أي دليل على ذلك ويمكن التعبير بصراحة شديدة بأن طالبان وبخصوص المصالحة, أن من الصعب جدا أن تدخل في عملية تفاوضية ذات مغزى ما لم تقتنع أن الولايات المتحدة في سبيلها لتحقيق النصر وأنها في سبيلها لتجرع كأس الهزيمة" وبالرغم من تكثيف هجمات الطائرات بدون طيار, فإن الولايات المتحدة لا يمكنها إجبار طالبان على الدخول في تسوية سياسية ذات مغزى وكما قال مسؤول رفيع في وزارة الدفاع للواشنطن بوست في أكتوبر الماضي إنه "يبدو أن التمرد ما زال يحتفظ بمرونته وقدرته على التكيف"، مضيفا القول إن كان هناك دليل على تحول الزخم أو الاندفاع, فإنه لم يشاهد ذلك.

لكن ماذا بخصوص المشاكل الكبيرة الناجمة عن التقسيم بحكم الأمر الواقع؟ فإن سمح لطالبان بالسيطرة على الجنوب والشرق, فهل سيحجمون عن دعوة مقاتلي القاعدة للعودة إلى البلاد واستعادة الوضع الذي كان سائدا قبل 11 سبتمبر؟ ليس بالضرورة فقد قال مستشار الأمن القومي جيمس جونز في أكتوبر الماضي إن أقصى تقدير للحكومة الأميركية لعدد أفراد القاعدة في أفغانستان هو أقل من مائة ولا توجد قواعد لهم واستطرد يقول "لا توجد لهم أية قدرة على شن هجمات لا على الولايات المتحدة ولا على حلفائها, فقد استخلصت طالبان أفغانستان العبرة بخصوص ما سيحدث عندما تطلق يد القاعدة".


"
الولايات المتحدة ستستمر في مهاجمة أهداف للقاعدة على جانبي الحدود الأفغانية الباكستانية وستمارس ضغوطا قاتلة بوسائل لم تعهدها قبل 11 سبتمبر

"

أهداف القاعدة
إنهم لم يستخلصوا العبرة, فإن الولايات المتحدة ستستمر في مهاجمة أهداف للقاعدة على جانبي الحدود الأفغانية الباكستانية وستمارس ضغوطا قاتلة بوسائل لم تعهدها قبل 11 سبتمبر, فسوف تمتلئ السماء فوق مناطق بشتون أفغانستان بطائرات بدون طيار لا تستهدف النشاطات الإرهابية فحسب, ولكن إن دعت الضرورة ستهاجم حكومة أفغان طالبان الجديدة بكل أبعادها حيث سيستيقظ المسؤولون المدنيون التابعون لطالبان (الحكام, رؤساء البلديات, رؤساء الشرطة, القضاة, جباة الضرائب وما شابه) صبيحة كل يوم دون أن يعرفوا إن كانوا سينجون وهم داخل مكاتبهم, أو خلال عملهم الروتيني في خارجها أو في منازلهم في الليل, ولن تكون هناك كهوف في الجبال يمكنهم الاختباء فيها ويقومون بمهماتهم في نفس الوقت وهذا سيولد درجة معينة من الردع, وحتى لو أن العديد من مقاتلي القاعدة في باكستان الذين يقدر عددهم بنحو ثلاثمائة, تحركوا لعدة كيلومترات نحو الشمال عبر الحدود فإن ذلك لن يشكل الكثير من الاختلاف عمليا بالتأكيد ليس كافيا لتبرير حرب برية رئيسية إلى أجل غير مسمى لمنع القيام بذلك.

يتساءل الكاتب: ماذا لو لم تتقيد طالبان بحدود الأمر الواقع غير المحددة تماما وحاولوا إعادة احتلال البلاد بأكملها؟ ربما سيحاولون القيام بذلك, ولكن سيحال بينهم وبين تحقيق هدفهم عن طريق القوة العسكرية المستمرة لإيساف والقدرات المتنامية للجيش الأفغاني الوطني, فالقبول بتقسيم البلاد بناء على الأمر الواقع لن يجر إلى حرب أهلية, فقد تم خوض غمار مثل هذا الصراع, وما سيفعله التقسيم هو المساعدة في استقرار الوضع عن طريق معرفة كل طرف بوضوح للأراضي التي تحت سيطرته.


ماذا بخصوص الجزر أو الجيوب التي يسكنها أشخاص غير بشتون في الجنوب والشرق, وكذلك أية قوات قبلية بشتونية ترغب في مقاومة طالبان؟ هل سيتم التخلي عنهم جراء هذا المسار؟ يرد الكاتب بالقول من سوء الحظ أن الجواب سيكون بنعم بشكل كبير, ولكن هذا سيكون من التداعيات المأساوية للحقائق المحلية التي لا يمكن للغرباء تغييرها ضمن أي إطار زمني معقول ومع كميات من التضحيات بالدم والمال يمكن تبريرها, فالولايات المتحدة وحلفاؤها لم يشنوا الحرب في أفغانستان من أجل حماية كافة مكونات السكان المحليين هناك من وحشية القرون الوسطى وعليهم الآن نفض أيديهم من تلك المهمة التي تستغرق عقودا.

هل سيؤدي هذا المسار إلى بروز حركة بشتونية تنادي بتوحيد المناطق المتصلة عرقيا وتاريخيا ولغويا وتقويض استقرار باكستان؟ سيكون السيطرة على رد فعل إسلام آباد على التقسيم بحكم الأمر الواقع تحديا رهيبا لأن مثل هذا المسار ربما يشعل في الواقع نزعات بشتونية انفصالية على جانبي خط دوراند, ولكن الجيش الباكستاني يساهم في خلق تلك المشاكل عن طريق دعمه لطالبان أفغانستان عبر الحدود, وفي الحقيقة فإنه لا يوجد لإسلام آباد سوى القليل من مبررات الشكوى, وإن برزت نزعة انقسامية في أفغانستان, فإن ذلك من شأنه توفير نوع من الصدمة التي من الواضح أن الجيش الباكستاني كان بحاجة لها من أجل إدراك وتقدير أخطار اللعبة التي كان يلعبها منذ عقود.

هل من الممكن أن يؤدي هذا المسار إلى وقوع حرب بالوكالة في أفغانستان بين كل من الهند وباكستان أو يزعزع استقرار المنطقة بشكل أكبر؟ هنا وفي هذه الحالة فإن المنافسة الشديدة والمكثفة بين كل من نيودلهي وإسلام آباد محتملة أو واردة أيا كانت السياسة التي تنتهجها الولايات المتحدة, ولكن طالما كانت الولايات المتحدة ملتزمة عسكريا التزاما بعيد المدى هناك, فإن الهند لن تنشر قوات على الأرض وعليه فإن احتمالات اندلاع نزاع رئيسي أو مباشر بين الهند وباكستان ستقل.

في هذه الأثناء يبقى لكل من الصين وإيران وروسيا وجيران أفغانستان من دول آسيا الوسطى مصالحها ومنظورها الخاص بكل منها, وما من أحد منهم يؤيد التقسيم بناء على الأمر الواقع, ولكن لا يرغب أي منهم كذلك في إعادة بروز حكم طالبان لأفغانستان مرة أخرى, وعليه وطالما أن السياسة الأميركية الحالية أثبتت أنها لا يمكن الاستمرار فيها, فإن عليهم أن يكونوا منفتحين لوسائل أخرى للخروج من السيناريو الأسوأ, وعليه فإن مصالحهم الخاصة يمكن أن تؤدي بهم إلى النظر بجدية لانتهاج خطة كتلك المبينة هنا(بالرغم من أن جلبهم إلى الساحة سيتطلب دبلوماسية أميركية إقليمية مثابرة وبارعة).


ارتكاب الخطأ
هناك العديد من المسؤولين والنقاد بغض النظر عن آرائهم بشأن أفغانستان ممن يحاولون باستمرار الترويج لأفكارهم والبحث عن أشخاص يعززون من مواقفهم السياسية المسبقة, ومع ذلك فإن الخلافات في الحقيقة بين الوضع الحالي وغيره من الحالات كبيرة جدا بحيث تصبح معظم المقارنات غير مفيدة أو مساعدة, وعلى سبيل المثال فإن المقارنة الأكثر شيوعا التي تذكر من أجل تبرير الإستراتيجية الحالية في أفغانستان هي زيادة عدد القوات في العراق عام 2007 التي نالت المصداقية بسبب إيجادها قدرا كافيا من الاستقرار سمح للولايات المتحدة بالبدء في سحب قواتها وتجنب الهزيمة, ومع ذلك فقد قال المبعوث الأميركي الخاص السابق إلى أفغانستان جيمس دوبنز بأنه من الصعب تكرار تغير الولاء الشامل بين المتمردين في أفغانستان كما حصل في العراق, ففي العام 2007 تلقت الأقلية السنية العربية في العراق هزيمة ساحقة على يد الغالبية الشيعية مما دفع بالسنة العرب للتوجه نحو القوات الأميركية لحمايتهم, أما تمرد طالبان فهو على النقيض من ذلك راسخ ومتأصل في أكبر طائفة إثنية في أفغانستان وليس في أصغرها.

علاوة على ذلك فإن المتمردين البشتون حققوا النصر في الحرب الأهلية خلال السنوات الكثيرة الأخيرة ولم يخسروها, أما في العراق فقد باتت القاعدة غير مرحب بها في أوساط حلفائها السنة العرب عام 2007 بسبب العنف بدون تمييز الذي مارسته وسلوكها التعسفي المسيء, أما في أفغانستان فإن وجود القاعدة لا يكاد يرى ولا تشكل خطرا مقارنا على الزعامة البشتونية أو نمط حياة البشتون, فضلا عن أن أعيان البشتون أقل تأثيرا في الحوار بالنسبة للولايات المتحدة من شيوخ العراق الذين أثبتوا أنهم قادرون على أن يجلبوا معهم كافة أنصارهم وأتباعهم عندما قرروا تغيير موقفهم، وباختصار فإن زيادة عدد القوات في العراق لا تنطبق بشكل كبير على الوضع في أفغانستان.

من الصعب تغيير السياسة بشكل كبير بعد جهود ومساع استمرت عقودا وستكون التحديات الرئيسية التي تواجه الرئيس أوباما تكمن في شرح لماذا لم تنجح إستراتيجية مكافحة التمرد ضمن أي إطار زمني مقبول والاعتراف بأن العديد من الرجال والنساء الشجعان لقوا حتفهم في مناطق ستسلم الآن إلى العدو؟ وهذه ما زالت مؤلمة بقوة كما أن الزعماء الغربيين سيبدون ضعافا من الناحيتين الإستراتيجية والأخلاقية إن هم استمروا في انتهاج إستراتيجية ثبت فشلها في الماضي ولن تنجح في المستقبل.


ستنتاب المؤرخين الحيرة بعد عقود من الآن بشأن قيام الرئيس أوباما بالرغم من قلقه وعنائه العميق كما ورد في كتاب بوب وودوارد الأخير عن الحرب, بنشر مائة ألف من القوات في أفغانستان بعد ما يقارب عشر سنوات من هجمات 11 سبتمبر وكذلك عن حديث صناع السياسة وكأن مصير العالم المتحضر يعتمد على الهدوء في قندهار ومرجة وكان هنري كيسنجر قد خلص إلى أن "المثالية ماض مبارك مرحوم ولى إلى غير رجعة" وبالنسبة للأميركيين فإن ذلك لا يلوح في الأفق والقبول بالتقسيم بناء على الأمر الواقع في أفغانستان من الصعب اعتباره نتيجة مثالية ولكنه أفضل من كافة البدائل.

المصدر : الصحافة الأميركية