حرب القوقاز بين مكاسب روسيا وخسائر جورجيا

أيقونة الصحافة البريطانية

لا تزال أصداء الحرب في القوقاز -التي امتدت خمسة أيام وانتهت بإعلان لوقف إطلاق النار بين روسيا وجورجيا- تتردد في الصحف البريطانية الصادرة الأربعاء, فأسهبت في تناول تداعياتها على الوضع الجيوإستراتيجي في المنطقة والخسائر التي طالت الجانبين وموقف الغرب وحلف الناتو بشأن ما جرى.

الهزيمة المكلفة

"
علينا أن نتساءل ما الذي أقنع الرئيس الجورجي ساكاشفيلي بأن بلاده قادرة على استعادة أوسيتيا الجنوبية بالقوة, وما هي الضمانات التي ربما اعتقد أنه تلقاها من واشنطن؟
"
إندبندنت

ذكرت صحيفة إندبندنت أن هذه الحرب على قصرها وبشاعتها خلّفت وراءها من الغموض الكثير, مشيرة إلى أنه لم يتسن حتى الآن معرفة عدد الضحايا أو الأضرار التي لحقت بطرفي النزاع اللذين يبالغان في تقدير خسائرهما.

على أن اللغز الأكبر ربما يكمن في الدافع الذي حدا بجورجيا إلى اتخاذ قرار بالتصدي لروسيا في هذا الوقت. ولم يكن الوضع بطبيعة الحال مرضيا من وجهة نظر جورجيا, غير أن النزاع -برأي الصحيفة- كان يمكن تسويته بالطرق السلمية.

فإن كانت روسيا تقصد من التصعيد الأخير في الاشتباكات إلى نصب فخ للجورجيين لجرهم إلى الحرب, فإن تكتيكها يكون قد أدى مفعوله لدرجة الإتقان. أما إذا لم يكن الأمر كذلك فإن علينا أن نتساءل ما الذي أقنع الرئيس الجورجي ساكاشفيلي بأن بلاده قادرة على استعادة أوسيتيا الجنوبية بالقوة، وما هي الضمانات التي ربما اعتقد أنه تلقاها من واشنطن؟

وفي كل الأحوال, فإن المغامرة تدل على تهور غير عادي كما ترى الصحيفة. صحيح أن ساكاشفيلي قد يكون قاد بلاده إلى تطبيق الديمقراطية, لكن أن يتحدى بلدا مثل روسيا تزداد فيه النزعة القومية وعلى مقربة من حدوده الجنوبية المضطربة فذلك ضرب من المغامرة إلى أقصى حد.

وتشير إندبندنت إلى أن التكلفة الفورية للحرب هي في تبخر آمال تبليسي في دمج جيبي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا مع جورجيا الأصلية. ثم إن هناك كلفة على ساكاشفيلي أن يدفعها من سلطته إذا ما رأى شعبه أن تهوره هو الذي أدى إلى هزيمة بلده في الحرب.

أما التكلفة الأكبر والأطول مدى فستكون على حساب الطموح الجورجي في الانضمام لعضوية الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو على وجه الخصوص.

ميل في ميزان القوة
وتناولت صحيفة ديلي تلغراف الموضوع من زاوية أخرى. فقد أكد محررها الدبلوماسي ديفد بلير أن روسيا استطاعت تغيير ميزان القوة في أوروبا عندما أوقف الكرملين هجومه على جورجيا بعد أن استولت قواته على 18% من الأراضي الجورجية.

فقد طوت روسيا خمسة أيام من الحرب بإحكام سيطرتها على أقليمي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا المنشقين عن جورجيا بمساحة كلية تبلغ 4800 ميل مربع.

وتابعت الصحيفة القول إن شروط موسكو لعقد هدنة دائمة ستعزز من المكاسب التي جنتها من الحرب, كما أن الكرملين أظهر لامبالاة إزاء الرأي الغربي وميلا لاستخدام القوة للحيلولة دون انضمام إحدى جمهوريات الاتحاد السوفياتي لحلف الناتو.

علاوة على ذلك, فإن الكرملين يرغب في فرض منطقة عازلة حول أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا تمنع كل القوات الجورجية من دخولها. ويسعى في الوقت ذاته في الحصول على ضمانات بأن جورجيا لن تلجأ إلى القوة مرة أخرى لاستعادة الأراضي التي فقدتها.

الحلم الضائع

"
ليس أمام ساكاشفيلي من خيار سوى القبول بالشروط الروسية, فحلمه بجورجيا موحدة ثانية يبدو الآن ممزقا تماما مثل جيشه
"
تايمز

أما صحيفة تايمز فقد رأت في افتتاحيتها أن روسيا حققت هدفها القصير الأجل بأن وضعت حدا للنفوذ الجورجي في أوسيتيا الجنوبية, لكنها استدركت أن ذلك لا يعني أن باستطاعتها المضي قدما في إعادة بناء إمبراطوريتها القديمة في منطقة القوقاز.

وقالت إن روسيا بشنها أول غزو على دولة أجنبية منذ انهيار الاتحاد السوفياتي تكون قد ألحقت ضررا بدورها العقلاني في الساحة الدولية. غير أن الصحيفة ترى أن روسيا بقبولها أمس وقف إطلاق النار تكون قد أنقذت ذلك الدور.

وأشارت إلى أن إعلان الرئيس الروسي مدفيديف وقف إطلاق النار سيساعد في تفادي كارثة إنسانية على نطاق واسع في منطقة القوقاز, مضيفة أن تلك الخطوة ستجعل ساكاشفيلي مهزوما على المسرح الدولي حتى ولو بقي محبوبا داخل بلاده.

كما أن موسكو ستكون مطمئنة إلى أن هيمنتها على أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا لن تكون موضع اختبار مرة أخرى في المستقبل المنظور.

وليس أمام ساكاشفيلي من خيار سوى القبول بالشروط الروسية, فحلمه بجورجيا موحدة ثانية يبدو الآن ممزقا تماما مثل جيشه.

وتخلص تايمز إلى القول إن الرسالة التي تبعثها روسيا إلى توابعها من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق هي أن موسكو لا تزال تسعى لإخضاعها لهيمنتها.

المصدر : الصحافة البريطانية