القرصنة بالصومال.. كيف تطورت وما عوائق التصدي لها؟

Pirates leave the merchant vessel MV Faina (not shown) for the Somali shore, while under observation by a U.S. Navy ship, in this picture taken on October 8, 2008 and released

تلغراف: الفرصة التي تتيحها الفوضى في الصومال مثالية لنمو القرصنة (رويترز)

تجربة السنوات الأخيرة في خليج عدن علمت القراصنة الصوماليين أن القرصنة تجارة مربحة, بل ربما تكون التجارة الأكبر والأهم في الصومال حاليا, فكيف تطورت وكيف وسع القراصنة الصوماليون أفق أنشطتهم وما هي عوائق التصدي لهم؟ جملة من الأسئلة حاولت الصحف البريطانية الصادرة اليوم الأربعاء الإجابة عنها.


خلفية المشكلة
تحت عنوان "تحليل بلد فاشل" كتب محرر الشؤون الدبلوماسية بصحيفة ديلي تلغراف ديفد بلير قائلا إن انهيار الصومال في الفوضى قبل عقدين من الزمن نجم عنه خليط متفجر فريد من نوعه تحول بسببه هذا البلد الذي تمتد شواطئه على طول ألفي ميل (3213 كلم) تمر عبرها إحدى أهم الطرق التجارية بالعالم, إلى بلد فاشل.

ورأى المحرر أنه لا يمكن تصور فرصة أفضل لنمو القرصنة من الفرصة الحالية, مشيرا إلى أن الدول الفاشلة الأخرى كالكونغو لا توجد لها منافذ تذكر على البحر, أما الشواطئ الصومالية فهي من أهم المناطق الإستراتيجية على المستوى العالمي.

ولتسليط الضوء على ميلاد هذه الظاهرة, استطرد الكاتب تاريخ الصومال منذ سقوط حكومتها المركزية عام 1991 على يد تحالف من أمراء الحرب وما تلا ذلك من تدخل دولي تزعمته الولايات المتحدة عام 1993 ولم يدم إلا 18 شهرا عقبها تقاسم أمراء الحرب إقطاعات المدينة فيما بينهم.

ولا تكمن أسباب الصراع بالصومال في تعدد قبائل هذا البلد, إذ إن كل سكانه البالغ عددهم 9.5 ملايين نسمة تقريبا صوماليون أي من نفس الأصل وكلهم مسلمون, لكنهم منقسمون حسب العشائر كعشيرتي الحوية ودرود, وكلا العشيرتين مظلة لعدد من المجموعات المتشتتة بدورها على أعداد كبيرة من الفرق الصغيرة المنقسمة هي الأخرى على أعداد كبيرة من المجموعات الصغيرة كذلك.

وتتشكل هذه المجموعات من تحالفات معقدة, تتحد وتتفكك بسرعة مذهلة, إلا أن التدخل الأجنبي جعل الوضع أكثر تفجرا, خاصة بعد أن احتل الإثيوبيون بمباركة أميركية العاصمة الصومالية مقديشو.

وفي ظل هذه الأوضاع تنامت ظاهرة القرصنة الجديدة القديمة على شواطئ الصومال بعد أن كانت مقتصرة حسب صحيفة ذي إندبندنت على شواطئ ماليزيا دون غيرها تقريبا.

وأضافت أن تفاقم هذه الظاهرة في هذه المنطقة بالذات يعد تطورا دراماتيكيا, مشيرة إلى أن وجود القراصنة بالصومال كان يعد أثرا جانبيا لقيام صيادين صوماليين باستخدام الأسلحة للدفاع عن شواطئهم الغنية بالتونا ولجوئهم أحيانا إلى أخذ إتاوات ورسوم على الأساطيل التجارية الكبيرة التي تأتي من جميع أنحاء العالم لاستغلال ثروات المنطقة التي لا يدافع عنها بلد معين.

إلا أن الصيادين سرعان ما اكتشفوا أن بإمكانهم تحقيق مكاسب مادية أفضل لو احتفظوا بمخزونهم من الأسماك, لكن هجماتهم على السفن لم تتعد العشر في العام 2004 غير أنها تضاعفت في العام 2007 لتصل 25 هجوما لتحلق هذا العام فتصل 95 هجوما حتى الآن.

وأهم سبب لتفاقم هذه الظاهرة حسب الصحيفة هو انهيار القانون والنظام في الصومال خاصة بعد انهيار السلطة الصارمة للمحاكم الإسلامية التي ظل الناس خلال حكمها القصير خائفين من الالتحاق بعصابات القرصنة.

وبما أن 16 ألف سفينة تمر سنويا عبر خليج عدن وبما أن القراصنة يشددون الخناق على القناة الضيقة التي تمثل المدخل الشمالي لهذا الخليج, يرشح أن تسوء الأمور بشكل كبير للغاية, على حد قول ذي إندبندنت, فكيف تتم القرصنة حسب النسخة الصومالية وكيف تقدم الفدية للقراصنة؟


"
الحل الوحيد الدائم لمشكلة القرصنة هو تشكيل حكومة جيدة ومستقرة في الصومال
"
هانلي/غارديان

النسخة الصومالية
صحيفة غارديان اهتمت بما سماه كاتبها جون هانلي "النسخة الصومالية", مشيرة إلى أنها مختلفة كليا عن ما هو معروف عرض البحر جنوب شرق آسيا.

هانلي نقل عن عدد من ربابنة السفن العاملة في تلك المنطقة قولهم إن غالبية أعمال القرصنة التي تقع في شرق آسيا دوافعها هي سلب بعض الأموال من السفن المبحرة في عرض البحر.

أما في الصومال فالأمر مختلف, إذ إن الذين يهاجمون السفن هم عصابات مسلحة بالأسلحة الأوتوماتيكية وقاذفات الصواريخ وغالبا ما كانوا ينفذون عملياتهم انطلاقا من "سفينة أم" مستخدمين زوارق عالية السرعة ولا يهتمون بالسلب والسطو بقدر ما يهتمون بالاختطاف والفدية عبر الخوف الذي يبثون في نفوس فريستهم.

ومن بين تسعين هجوما التي نفذوها حتى الآن هذا العام 36 كانت عملية اختطاف اعتقل من خلالها خمسمائة عضو في طواقم تلك السفن وتم دفع حوالي ثلاثين مليون دولار فدية عن السفن المختطفة وما على متنها من طواقم وسلع.

وشدد هانلي على أنه من شبه المستحيل لأي سفينة أن تتجنب هجوما يشنه مسلحون مصممون على إنجاح عمليتهم وهم مسلحون ومدربون بشكل جيد.

ونقل الكاتب عن بيتر نيوتن وهو قبطان سفينة كان قد تعرض للقرصنة في أوائل تسعينيات القرن الماضي قوله إن إحدى المشاكل الأساسية تكمن في كون ملاك السفن أنفسهم غير آبهين بالقرصنة لأنهم "مؤمنون تأمينا شاملا, حتى لو قتل أحد أفراد الطاقم, فإن شركة التأمين تدفع خمسة آلاف دولار مقابل ذلك".

وأضاف نيوتن أن هناك إجراءات يمكن لأصحاب السفن اتخاذها كوضع كاميرات رادار خاصة تراقب ما يقترب من أجسام صغيرة من مؤخرة السفينة لأن الرادارات العادية موجهة فقط إلى الأمام, كما يمكن إرسال مرافقة بحرية مع السفن وإن كان ذلك مكلفا ومعقدا للغاية".

وحسب الكاتب فإن الخبراء يعتقدون أن شركات التأمين ستدفع الشركات التي تؤمن لديها إلى إجراء تعديلات على نظم الأمان والمراقبة لديها.

ويضيف أن المطروح حاليا هو قتل القراصنة أو اعتقالهم واجتثاث بنيتهم التحتية, لكنه ينسب لأحد الخبراء تأكيده على أن الحل الوحيد الدائم هو تشكيل حكومة جيدة ومستقرة في الصومال.


فايننشال تايمز: الجهود الدولية لمكافحة القرصنة تواجهها عوائق كبيرة (الفرنسية-أرشيف)
فايننشال تايمز: الجهود الدولية لمكافحة القرصنة تواجهها عوائق كبيرة (الفرنسية-أرشيف)

تقديم الفدية
وإن وافقت الحكومات أو الشركات على تقديم الفدية, فإن آليات ذلك محفوفة بالمخاطر, إذ كيف يمكننا تقديم هذه المبالغ الضخمة من المال بصورة سرية لحفنة من القراصنة في أعالي البحار, تتساءل غارديان؟

وفي معرض ردها على هذا التساؤل تؤكد الصحيفة أن غالبية من يشاركون في مثل هذه التجارة مترددون في التحدث عن هذا الموضوع, لكنها تكشف عن بعض الطرق المحتملة.

أولا يقدم القراصنة طلباتهم الأولية إلى ملاك السفينة إما عبر راديو من على السفينة أو عبر وسطاء على الأرض ربما يكونون في أي مكان في الشرق الأوسط أو ربما حتى في لندن.

وقد تأخذ المباحثات أسابيع كما هي حال السفينة الأوكرانية "أم في فاينا" التي تحمل الأسلحة الروسية الموجهة إلى كينيا.

وتنقل الصحيفة عن خبير الأمن البحري جيسون آلدرويك "هناك في كل الحالات منسق على الأرض يتولى التعامل مع المستجدات, وينقل المال إلى موقع متفق عليه سلفا ربما يكون بالصومال أو اليمن وينقل المال في حقائب عبر عدد من الوسطاء.

وغالبا ما يكون الوسطاء مواطنين صوماليين مقيمين في أوروبا أو الشرق الأوسط أو أفريقيا وتختفي الأموال بعد ذلك عبر نظام يعرف بـ"الحوالة" يعتمد على الثقة والعلاقات الشخصية وتصعب مراقبته.


"
لا يمكن فعل شيء يذكر لمواجهة القراصنة ما دامت الحكومة الصومالية تسمح لهذه الظاهرة بالازدهار
"
فايننشال تايمز

عوائق التصدي للقرصنة الصومالية
ذي إندبندنت ذكرت أن شركة بلاك ووتر الأمنية عرضت نفسها على ملاك السفن لتوفير الحماية ضد القرصنة عبر إنشاء أسطول صغير من السفن البحرية للإيجار, مشيرة إلى أنها بدأت بالفعل في تأمين الحماية لسفينة تدعى ماك آرثر مستخدمين أربعين رجلا مسلحا, بعد أن أعدوا بها مهبطا للمروحيات المهاجمة.

إلا أن صحيفة فايننشال تايمز أكدت في تحليل لها أن سحق القراصنة يواجه العديد من العوائق.

وقالت إن ثلاث وحدات عسكرية (اثنتان منها تحت راية حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي) ستنتشر في خليج عدن بحلول نهاية هذا العام, لكنها نقلت عن خبراء غربيين قولهم إن سحق القراصنة الصوماليين يواجه صعوبات جمة.

وأضافت أن أهم تلك العوائق هي أنه لا يمكن فعل شيء يذكر لمواجهة القراصنة ما دامت الحكومة الصومالية تسمح لهذه الظاهرة بالازدهار.

ومن العوائق كذلك أنه حتى وإن تمكن أسطول القوات الغربية من تعطيل عمليات القرصنة, فإن القانون الدولي يجعل من الصعب اعتقال ومحاكمة القراصنة حسب القوانين الأجنبية, وهذا هو ما دفع الحكومة البريطانية إلى التفكير في إمكانية توقيع مذكرات تفاهم مع دول محاذية للصومال ككينيا مثلا للسماح بمحاكمة القراصنة حسب قوانينها.

كما يخشى الخبراء من أن تؤدي ظاهرة القرصنة إلى تداعيات دولية جمة خاصة إذا تحولت الأموال التي تدرها إلى "شبكات الإرهاب الدولية", حسب تعبير الصحيفة.

المصدر : الصحافة البريطانية