دو فيلبان يتردد بين العصا والجزرة

تابعت الصحف الفرنسية الصادرة اليوم الثلاثاء اهتمامها بأحداث الشغب التي تدور في فرنسا، فعلقت إحداها على العلاج الذي يقترحه رئيس الوزراء قائلة إنه متردد بين العصا والجزرة، وسمت أخرى ما يدور بالتمزق المدني، واهتمت ثالثة برأي الآخرين، ورابعة بتغطيات التلفزيونات الفرنسية.
" رد رئيس الوزراء الفرنسي دومينيك دو فيلبان على الأحداث جاء أمس في خطابه على محطة التلفزيون الفرنسي الأول مترددا بين العصا والجزرة " ليبيراسيون |
بين العصا والجزرة
قالت صحيفة ليبيراسيون إن رد رئيس الوزراء الفرنسي دومينيك دو فيلبان على الأحداث جاء أمس في خطابه على محطة التلفزيون الفرنسي الأول مترددا بين العصا والجزرة، حيث أعلن عن ثلاث خطوات رئيسية لعلاج الأوضاع.
الأولى كانت إحياء قانون 1955 الذي قام في الأصل لفرض حالة الطوارئ في الجزائر التي عانت فرنسا فيها آنذاك من حرب الاستقلال، وتم إحياؤه عام 1985 في كالدونيا الجديدة، وهو اليوم يعود إلى الحياة ليعطي لكل حاكم حق العمل به إن رأى الأمر يستدعي ذلك.
وأضافت الصحيفة أن هذا القانون ستتم ترجمته في الواقع بفرض حظر التجول في المناطق التي ترى الإدارة أنها خطرة، غير أن وزير الداخلية لا ينوي تطبيق كل إجراءات هذا القانون، خاصة ما يتعلق منها بحظر الصحف، وإنشاء محاكم عسكرية حسب الصحيفة.
أما الخطوة الثانية فهي إنهاء ما كان يعرف بالمستوى الإعدادي الموحد الذي كان يلزم الشباب قبل 16 سنة بالدراسة في الإعدادية التي تقدم نفس البرنامج ونفس التكوين، مما يسمح بتسرب الشباب وذهابهم إلى التكوين الذي يرغبون فيه منذ سن 14 سنة.
وهذه الخطوة تعني حسب الصحيفة أن قانون إلزامية التعليم قد انتهى، وبالتالي فإن 15 ألف شاب سيبقون سنويا بدون مدرسة وأن 150 ألفا سيغادرون المدارس سنويا دون شهادة أو أي خبرة.
والثالثة كما تقول الصحيفة هي السياسة التي أعلن فيها دومينيك دو فيلبان بالتراجع عن سياسات الحكومة السابقة والعودة إلى تقديم الدعم للمنظمات في الأحياء الفقيرة والدعم للسكن والمدرسة.
وعلقت صحيفة لكسبرس بأن قرار دو فيلبان بفرض حظر التجول حيث تدعو الضرورة، بعد 12 ليلة من العنف المدني، دليل على تبنيه الصرامة التامة.
وأشارت إلى أن دو فيلبان علل هذا القرار بأنه يثبت مقدار شعورالحكومة بالمسؤولية عن حماية الجميع وإن كان يفهم منه أن الوضع خطير.
" اليمين واليسار كلاهما شريكان في تعميق التمزق الاجتماعي وإن كانت مسؤولية اليمين أكبر لأنه في السلطة ولم يحرك ساكنا لعلاج هذه القضية سوى تكرار أن التمزق الاجتماعي يوشك أن يتحول إلى تمزق مدني وعرقي بل وربما ديني " لوموند |
التمزق المدني
قالت صحيفة لوموند إن كلمة الرئيس الفرنسي جاك شيراك التي جاءت متأخرة وأعلن فيها أن الكلمة الأولى ستكون للقانون وأن عودة النظام العام شرط مسبق لأي تحرك نحو "تكافؤ الفرص" كانت تتحدث بألفاظ عائمة، معلقة بأن ما كان لخطاب الرئيس من سحر في الماضي يبدو أن زمانه قد ولى.
وقالت الصحيفة إن تفجر الأوضاع في الضواحي يبدو إعلانا صريحا لفشل وعد المرشح شيراك عام 1995، حين وعد بجبر الكسر الاجتماعي والقضاء التام على عدم الأمن سنة 2002.
وذكرت الصحيفة بشعار "فرنسا للجميع" الذي رفعه شيراك عام 1995، وكان محاكمة لبلد سمح بتفشي الفقر والإقصاء والبطالة وتدهور الضواحي، منبهة إلى أن شيراك المرشح آنذاك قال إن تلك الصورة لا تكفي للتعبير عن التمزق الاجتماعي الذي يهدد "الوحدة الوطنية لفرنسا".
وعادت الصحيفة لتؤكد أن اليمين واليسار كلاهما شريكان في تعميق هذا التمزق الاجتماعي وإن كانت مسؤولية اليمين أكبر لأنه في السلطة منذ ثلاث سنوات، ولم يحرك ساكنا لعلاج هذه القضية سوى أقوال شيراك التي تكرر ما كان قاله من قبل من أن هذا الوضع خطير على الوحدة الوطنية، وأن التمزق الاجتماعي يوشك أن يتحول إلى تمزق مدني وعرقي بل وربما ديني.
وخلصت إلى أن شيراك كان الأجدر به وهو رئيس الدولة أن يتحرك لتخفيف الأزمة ولجلب العلاج المناسب بدل أن يكتفي بالقول إن الأولوية لعودة النظام.
رؤية خارجية
أما لونوفيل أوبسرفاتور فذهبت أبعد من الولايات وراحت تتابع التعليقات الأجنبية حيث أصدرت كل من بريطانيا وألمانيا واليابان تحذيرا إلى رعاياها في فرنسا وطالبتهم بمتابعة وسائل الإعلام جيدا، كما فعلت من قبلها الولايات المتحدة وروسيا وأستراليا.
" على باريس أن تضع سياسة دمج تحترم هوية الآخرين وترفض الإقصاء في نفس الوقت " فلتروني/لونوفيل أوبسرفاتور |
واهتمت الصحيفة بما يراه الآخرون في هذه الأحداث حيث أوردت قول كاتب الدولة البرتغالي للشؤون الأوروبية، إن فرنسا لديها مشاكل دمج، في حين قال عمدة روما والتر فلتروني إن باريس لديها مشاكل مختلفة عن روما كمشكلة دمج واستقبال المهاجرين.
وأضاف عمدة روما حسب الصحيفة أن على باريس أن تضع سياسة دمج تحترم هوية الآخرين وترفض الإقصاء في نفس الوقت.
الخطاب موجه إلى ساركوزي
تابعت صحيفة لوموند تغطيات التلفزيونات الفرنسية للأحداث التي تدور في فرنسا والحوارات التي تجريها المحطات مع المتضررين الذين احترقت سياراتهم تارة، ومع الشباب الغاضب الذي أحرقها تارة أخرى، فقالت إن المحطات قامت بدورها حيث أسمعت صوت الجميع.
ولكن ما لفت انتباه الصحيفة هو أن الجميع يوجه كلامه إلى شخص واحد هو وزير الداخلية الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي يطالبه المتضررون بمزيد من الصرامة، في حين يرفع الشباب الغاضب كل الشعارات ضده ويكتبها على السيارات التي يتم إحراقها.
وأشارت لوفيغارو إلى التفشي السريع لعدوى الأحداث التي بدأت في الضواحي الباريسية إلى بقية المدن الفرنسية، وقالت إن ذلك أمر يدعو إلى القلق، خاصة أن عدد السيارات المحروقة في تصاعد مذهل وكذلك عدد الأشخاص الموقوفين مما ينذر بأزمة شاملة.