الإعدام بانتظار صدام

انصب اهتمام الصحف العربية في غالبيتها على محاكمة الرئيس العراقي السابق وظهوره في قاعة المحكمة لأول مرة كمتهم وليس صاحب الأمر والنهي, وفيما تناولت بعض الصحف الحادثة بشكل خبري تناولتها صحفا أخري بشكل تحليلات وآراء محذرة من أن تتحول المحاكمة إلى مجرد ثأر.

رئيس جمهورية العراق


حاول صدام أن يظهر استعلاءه علينا, وأن يتفادى الظهور بمظهر المهزوم, لكننا شعرنا أنه حزين

مساعد الجلبي/الحياة

فقد ذكرت صحيفة الحياة أن الرئيس العراقي السابق صدام حسين بدا متوتراً لكنه غير نادم, وحين اقتيد أمس إلى قاعة المحكمة بادر الحضور قائلاً: "صباح الخير".

أما علي حسن المجيد الملقب بعلي الكيماوي فكان مرتعداً, وقال: "أنا تعبان",
وارتدى صدام عباءة رصاصية اللون, وعليه ملامح ضعف, من دون لحية كثة.

روى أحد مساعدي قاضي المحكمة سالم الجلبي أن الرئيس المخلوع عرّف عن نفسه قائلاً: "صدام حسين المجيد رئيس جمهورية العراق", ثم سأل الحاضرين: "هل ستستجوبوننا اليوم أم لا"؟

وبدا صدام غير نادم على ما فعل, ومكابراً لدى دخوله القاعة حيث جلس مباشرة على كرسي, في حين كان جميع الحضور واقفين". وتابع مساعد الجلبي: "حاول أن يظهر استعلاءه علينا, وأن يتفادى الظهور بمظهر المهزوم, لكننا شعرنا أنه حزين".

ونسبت الصحيفة إلى وزير العدل العراقي مالك دوهان الحسن القول: إن عقوبة الإعدام ستفرض على صدام إذا أدين بالجرائم الخطيرة التي يُتهم بارتكابها.

وأضاف: "يمكن فرض عقوبة الإعدام للجرائم ضد البشرية والإبادة واستخدام الأسلحة الكيماوية". وأوضح أن الحكومة الانتقالية "وافقت على مرسوم يلغي القرار الذي أصدره بريمر", و"أعدنا العمل بعقوبة الإعدام. نحن دولة تتمتع بالسيادة واستعدنا حريتنا"."

الأمن قبل المحاكمة
أما صحيفة القُدس العربي فقد رأى رئيس تحريرها عبد الباري عطوان أن محاكمة الرئيس العراقي ومعاونيه أمر مطلوب، ولكنها لا يجب أن تكون على قمة أولويات الحكومة الحالية، وخاصة أنها لم تتول السلطة شكليا إلا قبل يومين فقط، وبطريقة مسرحية مهينة بكل المقاييس, حسب تعبيره.

من المفروض أن تعكف هذه الحكومة على تحقيق الأمن في ربوع البلاد، وإعادة بناء مؤسسات الدولة، العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية وكسب قلوب وعقول العراقيين من خلال خطوات مدروسة تنبئ بمستقل ديمقراطي أفضل.

فكيف يمكن التصدي لقضية قانونية شائكة مثل محاكمة الرئيس صدام والمؤسسات القضائية معدومة وقوات الأمن مخترقة ومهلهلة، والفوضى الدموية تعم معظم أنحاء البلاد، ثم على أساس أي قانون ستتم هذه المحاكمة، هل على أساس القانون العراقي السائد الذي يعطي الرئيس حصانة من الملاحقات القضائية، أم على أساس القانون الأميركي.

وكيف ستكون هذه المحكمة عادلة والقضاة هم الخصوم، ورئيس المحكمة بالكاد يعرف العراق، وعاش معظم حياته خارج البلاد إلي جانب عمه الدكتور احمد الجلبي؟!

لم نر مجرم الحرب الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش مكبلا بالسلاسل أمام محكمة لاهاي الدولية، بل رأيناه في قمة أناقته ونظافته، محاطا بفريق من أمهر المحامين الدوليين يترافعون أمام قضاة معروفين بنزاهتهم وخبرتهم القانونية، فلماذا لا يعامل الرئيس العراقي المعاملة نفسها، ولماذا هذه المعايير المزدوجة والعنصرية في تطبيق العدالة والقوانين الدولية؟

إجراءات متسرعة
وفي السياق ذاته يرى الكاتب محمود الريماوي في صحيفة الرأي الأردنية أن المسارعة في وضع إجراءات لمقاضاة أركان النظام السابق، تبدو متسرعة بعض الشيء، وأن الأولوية في هذا الظرف هي للمصالحة الوطنية، وإحلال الأمن والتعجيل بإنهاء الاحتلال، عبر مفاوضات تقوم بها الحكومة المؤقتة.

ويضيف أنه مع اكتمال السيادة الفعلية، ومع الفصل التام للسلطات بما في ذلك استقلال القضاء، فإن الوضع يصبح مواتيا لتفعيل القضاء والدخول في أية إجراءات للتقاضي، وبعيدا عن شُبهة أي تأثير مهما كان مصدره.

فالمطلوب في هذه المرحلة، ليس الركون إلى منطق الثأر والانتقام، ، بل إن الهدف الذي يستحق أن يكون رائد الجميع، هو الانتصار لمبدأ العدالة، وتقديم أنموذج جديد لعراق جديد، لا محل فيه للفردية والممارسة العمياء للتسلط.

والأحاديث عن تقديرات مسبقة بإصدار أحكام إعدام، هو مما لا يثير الاطمئنان، بل على العكس فإنه يثير قدرا من القلق، أولا لأن هناك جنوحا نحو استباق الأحكام وربما محاولة التأثير عليها.

وثانيا لأن الحديث عن أحكام بالموت، يعيد إلى الأذهان أكثر الصفحات سوداوية وأكثرها ابتعاثا للمرارة. فقد اقترنت العهود الانقلابية بأحكام الإعدام التي نالت من ألاف العراقيين والعراقيات، من عسكريين ومدنيين.

لقد آن الأوان للخروج من تلك الحقبة، ومغادرتها بصورة نهائية، إذا أريد للعراقيين أن يتمتعوا بحياة طبيعية آمنة يحكمها القانون .

صياغة العالم الإسلامي
وفي مقال بصحيفة السفير اللبنانية أشار المرجع الشيعي محمد حسين فضل الله إلى أن الخطة الاستكبارية التي تقودها الإدارة الأميركية تتطلع إلى صناعة العالم الإسلامي وصوغه في الخارج، وذلك من خلال الإعداد لبرامجه السياسية وحتى لمناهجه التربوية وصولا إلى حركته الفكرية والثقافية.


الخطة الاستكبارية التي تقودها الإدارة الأميركية تتطلع إلى صناعة العالم الإسلامي وصوغه في الخارج، سياسيا وتربويا وثقافيا

فضل الله/السفير

قد يأتي الوقت الذي يتحدث فيه الأميركيون عن إعادة صياغة الرواية العربية والإسلامية بالطريقة التي تتناسب مع الحاجات الضاغطة للمشروع الأميركي في المنطقة وبالشكل الذي تراعى فيه الخطط الإسرائيلية الساعية لتطويع العرب والمسلمين ذاتيا وبما يضاف إلى سياسة القمع والقهر والإكراه.

وعلينا أن لا تكون أفكارنا ردود فعل لأفكار الآخرين، وإذا كان الغرب ينطلق في محاسبته لنا من قيمه، فعلينا أن ننطلق من قيمنا العربية والإسلامية في عملية الحساب مع الآخرين وأن لا نكون الصدى لهم ولأفكارهم وطروحاتهم.

إننا قد نكون أمام سايكس بيكو جديد بطريقة أو بأخرى، والذي يأخذ عناوين الشرق الأوسط الجديد أو الإصلاح وما إلى ذلك، والدعاة إلى الانخراط في العصر الأميركي والمناخ الأميركي كثر, ولذلك فإن على القوة الحية في العالم العربي والإسلامي أن تستعدّ للتغيير بكل إمكاناتها الثقافية والفكرية والسياسية لتغيّر الواقع الحالي.

المصدر : الصحافة العربية