محاولات عرقلة مسيرة أردوغان واجتماع مجمع الأمن القومي

اسطنبول – نَوْزات صواش

ركزت الصحافة التركية اليوم على موضوعين أساسيين، أولهما المراجعة التي قام بها المدعي العام لمحكمة التمييز العليا لدى محكمة الدستور ضد رجب طيب أردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية، والثاني اجتماع مجمع الأمن القومي الذي سيعقد اليوم في أنقرة وما يثار حوله من تساؤلات، وموضوعات أخرى متنوعة.

حصار مكثف
لايزال رجب طيب أردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية مركز اهتمام الصحافة التركية. واليوم كان للطلب الذي قدمه المدعي العام لمحكمة التمييز العليا صبيح قناد أوغلو إلى محكمة الدستور لمنع أردوغان من توليه منصب رئاسة الحزب انعكاس كبير في الصحف التركية. فقد تناولت صحيفة مليت الموضوع في افتتاحيتها بعنوان "لا يمكنه تولي منصب الرئاسة العامة" مضيفة "لقد فوجئ أعضاء حزب العدالة بهذه المراجعة، وقام أردوغان الذي علم بالخبر حينما كان في عطلة مع أسرته في آق جاي باستدعاء قادة الحزب ومحاميه من إسطنبول وأنقرة لمناقشة الأمر".

وقد أعرب المدعي العام في مذكرته أن على محكمة الدستور أن تصدر قرارا احتياطيا يمنع أردوغان من استعمال صلاحياته كرئيس للحزب بعد أن تبين أنه لا يمكنه أن يكون عضوا مؤسسا للحزب، كما يجب إرسال إنذار إلى الحزب لإخراج ستة أعضاء متحجبات من مؤسسي الحزب كذلك. وقال قناد أوغلو في مذكرته "إن من المؤسف جدا أن ينتخب الشخص المذكور رئيسا لحزب له أعضاء في البرلمان مع أنه لا يمتلك الكفاءة لانتخابه كنائب للبرلمان، كما لا يمكنه أن يسجل نفسه كعضو في أي حزب سياسي". ولدى سرده لأسباب الاتهام واصل المدعي العام "إن الدستور التركي يؤكد أن الجمهورية التركية دولة ديمقراطية علمانية تعتمد على سيادة القانون، وأن أي حزب سياسي لا يمكنه أن يعارض مبادئ دولة الحقوق والجمهورية العلمانية لا ببرامجه ولا بفعالياته، وأن على الأحزاب السياسية أن تسير حسب القواعد الدستورية".

أما ما يتعلق بأردوغان فقد بين المدعي العام أن الدستور لا يسمح لشخص "تم سجنه لقيامه ببعض الجرائم التي تلقي النزاع والشقاق والبغضاء بين الفئات المختلفة من الشعب بسبب التمييز الديني أو العرقي أو المذهبي". وقد أشار قناد أوغلو في بيانه إلى أن أردوغان قضى في السجن عشرة أشهر مما يعني أنه لا يمكن انتخابه كعضو للبرلمان، ومع ذلك طلب الحزب من الشخص المذكور أن ينضم كعضو مؤسس للحزب رغم علمه التام بموقفه القانوني، ولم يكتف بهذا فقط بل انتخبه رئيسا للحزب أيضا. ومن ثم فعلى محكمة الدستور أن ترسل قرار إنذار إلى الحزب لإخراجه منه.

الحجاب خطر على النظام
وفي نفس الموضوع نقلت صحيفة حريت ما كتبه المدعي العام في مذكرته من أن المحاكم رأت أن الحجاب خطر يهدد النظام فمنعته في الجامعات، لذا لا يمكن القول إن الخطر سيكون أقل إذا ما استعمله أعضاء حزب سيكون له دور كبير في تكوين إرادة الدولة إذا ما فاز في الانتخابات البرلمانية واستلم السلطة. وأضاف قناد أوغلو أن الحجاب كان السبب في إغلاق حزبين سياسيين وأن استخدامه من قبل مؤسسين لحزب العدالة يدل بلا شك على النوايا الخفية لهؤلاء في تغيير النظام الجمهوري العلماني إذا ما حكموا البلاد. وأبرز المدعي أن القانون يمنع النساء من الدخول إلى البرلمان متحجبات، وقد وضع حزب العدالة بين كوادره القيادية نساء متحجبات لا يمكنهم الدخول إلى البرلمان. فليس لهذا التصرف سوى تفسير واحد هو أن الحزب يفرض الحجاب على المجتمع بأسلوب مختلف ويستغل العقائد الدينية لكسب مصالح سياسية، ومن ثم على محكمة الدستور أن ترسل قرار إنذار للحزب لكي يخرج هؤلاء المتحجبات من قيادته أيضا.

وفي سياق متصل نقلت صحيفة مليت انتقاد محامي أردوغان لأسلوب المدعي العام قائلا "مراجعته مخالفة لقانون الأحزاب السياسية، إذ كان عليه أن يقدم عريضته إلى الحزب بدلا من محكمة الدستور، إذ لعل قيادة الحزب تجده على حق وتقوم بما يترتب عليها، على كل حال هذا رأي المدعي العام الشخصي، لقد تم تشكيل الحزب رسميا وأكملت جميع الإجراءات دون أي مانع، والآن يبرز أحدهم ليقول هذا غير صحيح، لماذا؟ سنرى المبررات، وسنقوم بالتصرف اللازم".

العلمانية والإسلام
ونقلت صحيفة حريت الخبر من الصفحة الأولى بعنوان "ضربة مزدوجة إلى أردوغان" مشيرة إلى الدعوى التي رفعها المدعي العام لمحكمة التمييز العليا ودعوى أخرى سيقوم برفعها إلى وزارة العدالة بعد إتمام تحقيق المدعي العام لمنطقة شيشلي في إسطنبول يتهم أردوغان بإهانة واحتقار الجمهورية والبرلمان والشخصية المعنوية للحكومة والقوات الأمنية والعسكرية وجهاز العدالة بشكل علني في خطاب ألقاه سنة 1994 خلال افتتاح إحدى البلديات التابعة لحزب الرفاه الإسلامي في إسطنبول. وقامت الجريدة بنقل بعض عبارات أردوغان في ذلك الخطاب الذي قال فيه "يقولون العلمانية تضيع من بين أيدينا، إذا أراد الشعب ستضيع طبعا، ولا يستطيع أحد أن يحول دون ذلك" 99% من هذا الشعب مسلم، لا يمكن أن تكون مسلما وعلمانيا، فإما مسلم أو علماني، ومن المستحيل أن تجتمع هاتان الصفتان" "هؤلاء يبحثون عن الإرهاب في جبل الجودي وفي شمالي العراق، غير أنه في المجلس وبين أعضاء الحكومة" "سنقوم، لقد ظهرت بوادر ذلك القيام بإذن الله، فالعالم الإسلامي ينتظر قيامنا المجيد".

وأضافت صحيفة حريت أن مصادر من محكمة أمن الدولة لم تر أي داع لرفع دعوى في هذا الخصوص نظرا لتقادم الدعوى، وقيام المدعي العام لمحكمة أمن الدولة الأسبق سنة 1998 بالتحقيق في هذا الشأن وبراءة أردوغان من جميع الاتهامات.

لقد تغيرنا
وفي الصفحة السياسية ذكرت صحيفة الزمان قول النائب الأول لحزب العدالة والتنمية عبد الله كول "نقول بكل إخلاص، لقد تغيرنا" مضيفا "بمرور الزمن عاش الجميع تجارب مختلفة وتعلم الكثير وحدثت بعض التغيرات في وجهات النظر، والوتيرة التي نعيشها ليس فيها سوى الإخلاص، علينا أن لا نحاكم الناس بما قالوه في الماضي، بل العبرة بما يقولونه اليوم".

وفي حوار أجرته صحيفة يني شفق مع إحدى أعضاء حزب العدالة والتنمية رمزية أوزتوب التي كانت سابقا عضوا في حزب يساري نقلت كلماتها "الذين ينتقدون أردوغان اليوم سوف يقدرونه غدا، والزمن كفيل بذلك، نحن حزب يؤمن بالديمقراطية وحرية الرأي، لدينا 16 عضوا من النساء في قيادة الحزب، ست منهن متحجبات، ولكن من المؤسف أنه ينعكس إلى الرأي العام الحديث عن حجابهن فقط، الحقيقة هن زميلات لهن مؤهلات عالية جدا، فليت الناس اهتموا باستعداداتهن بدلا من حجابهن".

انتقاد ذاتي
وعلى صعيد آخر ذكرت جريدة مليت خبرا عن اجتماع أعضاء حزب السعادة الإسلامي في منتجع أبانط لتقويم قرار محكمة حقوق الإنسان الأوروبية الذي أيد إغلاق حزب الرفاه الإسلامي التركي، فنقلت أن الأعضاء قالوا "لقد تم فهم مفهوم الجهاد الذي استعملناه بشكل خاطئ، علينا أن نفهم أوروبا ماذا نعني من الجهاد، إنهم يظنون أننا نعني الحرب، يعتقدون أننا مثل حركة طالبان، لدينا نقص في تعريف أنفسنا. فعلى سبيل المثال إن تعريفنا للعلمانية يتفق مع تعريف محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، علينا أن نفسر لهم جيدا أهداف حزب السعادة".

قضية شائكة
وانتقالا إلى موضوع آخر شهدت تركيا منذ فترة نقاشا ساخنا بين مسعود يلماظ نائب رئيس الوزراء ورئيس حزب الوطن الأم الشريك في الحكومة الائتلافية من جهة والجهات العسكرية والتيارات القومية من جهة أخرى حول مفهوم "الأمن الوطني" الذي يعتبر مفهوما مطاطا قابلا لحمل معان مختلفة. وقد أعلن مسعود يلماظ على الملأ أن بعض الأوساط تختبئ خلف هذا المهفوم بهدف الحفاظ على مناصبها ومصالحها واقفة في وجه التغيرات الضرورية التي ستقود تركيا إلى ممارسة الحريات الأساسية وانضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. ومن ثم نال الاجتماع الذي سيعقده مجمع الأمن القومي تحت إشراف رئيس الجمهورية مع القيادات العسكرية العليا ورئيس الوزراء ووزراء آخرين اهتمام الصحف التركية اليوم كذلك. فقد تناولت صحيفة الزمان الاجتماع في الصفحة الأولى بعبارة "العيون على مجمع الأمن القومي" مشيرة إلى أن أهمية الاجتماع ترجع إلى أنه سيجمع القادة العسكريين ومسعود يلماظ حول طاولة واحدة لأول مرة بعد اندلاع نقاش مفهوم الأمن الوطني.

من هو صانع القرار
ونقلت الزمان أن لجنة ضمت أعضاء من كل الأحزاب السياسية في البرلمان قامت بصياغة 37 مادة للتعديل في الدستور، كانت تركيا قد وعدت الاتحاد الأوروبي بها كخطوات إيجابية للانضام إلى الاتحاد، وهي تهدف إلى إقامة نظام يدعم حرية الفكر والتعبير والمساهمة الشعبية الواسعة في الإدارة واحترام سيادة القانون ومراعاة حقوق الإنسان وتقوية المجتمع المدني وتأسيس المساوات بين أقاليم الوطن كله. وعلقت صحيفة راديكال في افتتاحيتها قائلة "مكان نقاش التعديلات ليس هو مجمع الأمن القومي بل البرلمان". وقد انتقد الكاتب عصمت برقان في عموده تقديم المجمع على البرلمان مع أن الأصل في النظام الديمقراطي أن تناقش الأمور وتعقد القرارات في المجلس الذي انتخبه الشعب، بينما يمتلك المجمع حاليا سيادة القرار النهائي في القضايا ذات الأهمية الخاصة، فأين الديمقراطية في اجتماع يتألف نصف أعضائه من العسكريين والنصف الآخر من المدنيين، مع أن المفروض أن يكون مجلس الشعب مكان صنع القرارات.

التقدم والحساسيات
وفي هذا الإطار نقلت جريدة يني شفق آراء مسعود يلماظ التي قال فيها "إن مفهوم الأمن الوطني يستخدم بشكل يحول دون كل خطوة تحمل تركيا إلى الأمام، إذا أردنا التقدم حقا علينا أن نخرج من هذه الدائرة المفرغة، ونرسم حدود هذا المفهوم من جديد"، إن ما يذكره يلماظ هي بعض الحريات التي ترفضها بعنف بعض الأوساط المتشددة مثل إعطاء الحرية لكل قومية للتحدث بلغتها المحلية وحرية الفكر والتعبير ومراعاة حقوق الإنسان وتمدين مجمع الأمن القومي ورفع عقوبة الإعدام وتعسير إغلاق الأحزاب السياسية إلى آخره مما طلبته أوروبا من تركيا كشروط أساسية لقبولها في الاتحاد الأوروبي. وذكرت يني شفق آراء دولت باهجلي نائب رئيس الوزراء وزعيم حزب الحركة القومية التي يقول فيها "لدينا بعض الحساسيات التي لا يمكننا تجاوزها" والتي يركز فيها على الهوية القومية والدفاع عن مصالح الأمة التركية. كذلك ذكرت انتقادات قيادة الأركان الحربية لأسلوب يلماظ في طرحه لهذا الموضوع بشكل استفزازي.

المصدر : الصحافة التركية