5 أسئلة تستشرف مستقبل العلاقات المصرية الليبية بعد اشتباكات طرابلس

يؤكد محللون مصريون أن دعم المسار السياسي وغلق باب التدخلات الخارجية من ثوابت السياسة الخارجية المصرية، ويعتقد آخرون أن القاهرة وعواصم أخرى تفكر في حكومة بديلة (لحكومتي الدبيبة وباشاغا) تقود الانتخابات، لكن هذا الطرح مرهون بكيفية التوصل إلى صيغة مناسبة يتوافق عليها الجميع.

القاهرة تبدي حرصا على الوقوف على مسافة واحدة من طرفي الأزمة الليبية باشاغا (يمين) والدبيبة (وكالات)

القاهرة – مع تأزم الوضع السياسي في ليبيا وتحوله إلى اشتباكات مسلحة في قلب العاصمة (طرابلس)، يتجدد السؤال عن الموقف المصري من تلك التطورات، في ضوء ما أشارت إليه بيانات سابقة من دعم لحكومة فتحي باشاغا، وفي الوقت نفسه تحافظ القاهرة على علاقات مع حكومة عبد الحميد الدبيبة، بخاصة بعد عودة السفير المصري إلى طرابلس وبداية تطبيع العلاقات مع العاصمة الليبية.

فقبل أيام، اندلعت اشتباكات عنيفة في طرابلس بين قوات حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، وقوات باشاغا رئيس الحكومة المكلف من مجلس النواب، راح ضحيتها 32 قتيلا و159 جريحا، حسب إحصاءات رسمية.

وفي أول رد فعل على اشتباكات العاصمة، دعت الخارجية المصرية جميع الأطراف الليبية إلى وقف التصعيد واستئناف الحوار، وضرورة حماية المدنيين.

وفي بيان مقتضب، أكدت الخارجية حرص مصر على توصل الأشقاء الليبيين إلى حل ليبي ليبي توافقي، على نحو يلبّي تطلعاتهم ورؤيتهم للانطلاق نحو المستقبل، ويحقق الاستقرار المنشود.

وبينما تنذر الاشتباكات الأخيرة بأن الأوضاع في ليبيا بدأت الانتقال من الاستقطاب السياسي إلى العودة إلى العنف المسلح، يتفق مراقبون على التأثيرات المباشرة للملف الليبي على الأمن القومي لمصر، وعلى ملايين المصريين الذين تعدّ ليبيا مصدر رزقهم الوحيد سواء بالعمل أو التجارة، كما أن للقضية أبعادًا إقليمية ودولية متشابكة مع المصالح المصرية.

وفي ضوء ما سبق، تسعى الجزيرة نت إلى الإجابة عن أهم الأسئلة المتعلقة بالموقف المصري في ليبيا، واستشراف مستقبل العلاقات بين البلدين، وهل يمكن أن تتخذ القاهرة موقفا واضحا وتعلن دعمها الكامل لطرف من الأطراف، أم تكون الوسيط الأهم في التهدئة والمصالحة بين المتنازعين على الحكم؟

كيف تقرأ مصر تطورات الأحداث في ليبيا؟

منطلقا من تأكيد اهتمام بلاده بتطورات الأحداث الراهنة في ليبيا، يقول الخبير في العلاقات الدولية والأمن القومي المصري اللواء محمد عبد الواحد إن دعم المسار السياسي، وغلق باب التدخلات الخارجية من ثوابت السياسة الخارجية المصرية منذ بداية الأزمة عام 2011.

وفي حديث للجزيرة نت، أضاف عبد الواحد أن بلاده حريصة على وجود الجيش الوطني والبرلمان والحكومة وكل المؤسسات التي تعطيها شكلا يمنحها السيادة على أراضيها، إضافة إلى دعم الجهود الدولية والإقليمية لخريطة الطريق والتسوية السلمية الشاملة والمستدامة.

بدوره، يرى الأكاديمي والمحلل السياسي المصري خيري عمر أن الأزمة الليبية ليس مردّها خلاف الشرعية بين الدبيبة وباشاغا، بل هي أعمق من الطرفين، وتتمثل في مخاطر تفتت الدولة وعدم وحدتها، حسب حديثه للجزيرة نت.

وحول قراءة مصر لتطورات الأحداث الراهنة، قال عمر إن القاهرة إذ تميل إلى اختيارات مجلس النواب (في إشارة إلى باشاغا)، فإن استمرار الانقسام يبقى أزمة تهدد مصالحها، كما أنها ليست الطرف الوحيد المعني بالتعاطي مع الملف الليبي.

وأوضح أن مشكلة ليبيا تبقى في تنافر الحكومات والمسلحين وغياب الحكومة المركزية القادرة على الحسم حتى ولو عسكريا كخطوة تمهد لإجراء الانتخابات، مشددا على أن هذه العوامل تجعل كثيرا من الدول -بما فيها مصر- في حيرة من أمرها، وكيف تبدأ سياستها وكيف تنهيها.

ويعتقد عمر أن هناك تفكيرا في مصر ودول أخرى في حكومة بديلة (لحكومتي الدبيبة وباشاغا) تقود الانتخابات، لكنه استدرك بالقول إن هذا الطرح مرهون بكيفية الوصول إلى صيغة مناسبة يتوافق عليها الجميع.

بين الدبيبة وباشاغا.. هل تؤيد القاهرة طرفا على حساب الآخر؟

يشدد عبد الواحد على أن بلاده لا تقف إلا مع الشعب الليبي، ويستبعد أن تؤيد مصر طرفا على حساب الآخر، وكذلك رفض وجود مختلف المليشيات والمرتزقة والمسلحين الأجانب داخل ليبيا، بما يعزز ويدفع نحو مسار سياسي في عملية توافقية.

بدوره، قال عمر إن تجارب السنوات السابقة أثبتت لمصر أنه لا يمكن الاعتماد على أحد الأطراف في تحقيق مصالحها، ومن ثم فهي تريد الاستثمار في توافق الليبيين على المرحلة القادمة.

وعزز رأيه بالقول إن مصر ساندت حفتر حتى أقلعت عنه، ولاحقا عدّت مجلس النواب الجهة الرسمية الوحيدة التي يمكن التعويل عليها، لكن المجلس لم يحسم الموقف أيضا، مضيفا أنه في السنة الأخيرة كانت هناك اجتماعات مشتركة لمجلسي النواب والدولة (الليبيين) في القاهرة، لكنها لم تضع حلًّا للأزمة.

هل القاهرة الوسيط الأهم في التهدئة والمصالحة بين الطرفين؟ وما فرص النجاح؟

حسب اللواء عبد الواحد، فإن مصر أكثر دولة -على المستويين الإقليمي والدولي- تتفهم الملف الليبي عن قرب شديد، ولديها قبول كبير من معظم الأطراف؛ باعتبارها بلا مطامع.

ويرى أن بلاده تسعى دائما لحالة استقرار ليس سياسيا فحسب بل هو اقتصادي أيضا، موضحا أنه في بداية الأزمة كان نحو مليوني مصري يعملون في ليبيا في ظل حركة تبادل تجاري ولجان ثنائية مشتركة تعمل على تعزيز الاستثمارات بين البلدين، ومن ثم فعودة الاستقرار في مصلحة مصر.

ويشدد على أن القاهرة تستطيع أن تكون وسيطا فاعلا ونزيها لفرض الأمن والاستقرار، وهي الأقدر على القيام بواجب الوسيط، لكنه استدرك بالقول إن المبادرة المصرية لا تكفي وحدها، ويعزز نجاحها أن تكون مدعومة من المجتمع الدولي بخاصة الأمم المتحدة.

وممسكا بالخيط ذاته، يرى عمر أن القاهرة واحدة من مجموعة وسطاء وفاعلين في الملف الليبي الذي تتصارع فيه أطراف محلية تتغير من وقت إلى آخر، بما في ذلك المسلحون، معتبرا ذلك معضلة تواجهها القاهرة.

ويتفق عمر مع الخبير الأمني في أنه لكي تكون هناك وساطة جادة وفاعلة لا بد من توافق مجموعة دول، قائلا إنه لا يمكن لدولة واحدة إجراء وساطة بين الفرقاء الليبيين، في ضوء تضارب المصالح الإقليمية والدولية.

واستشهد بأن هناك تقديرا شائعا -على سبيل المثال- بأن مصر والإمارات متوافقتان بالكامل في الملف الليبي، لكنّ الأمور ليست كذلك وتختلف تقديرات كل دولة حسب مصالحها.

كما يبدد فرص المبادرات المصرية أو غيرها -حسب عمر- مخاوف تمدّد الصراع الغربي الروسي في الحرب الأوكرانية وانتقاله إلى ليبيا، موضحا أنه أمر محتمل حدوثه، ونتيجته تتمثل في استحالة حلحلة الأزمة الليبية.

ما مدى تأثير انتقال الأزمة من الاستقطاب السياسي إلى العنف المسلح على أمن مصر القومي؟

ثمة مخاوف عدة من هذا السيناريو المحتمل، عزاها الخبير الأمني إلى التصعيد العسكري غير المبرر، وتغذيته من قبل أطراف إقليمية أو بإيعاز من قوى داخل ليبيا تنظر إلى مصالحها على حساب المصلحة الوطنية.

ومن منطلق التراكمات التاريخية والجغرافيا السياسية والبعد الحضاري والاجتماعي، فإن الأمن القومي المصري والإقليمي مرهون باستقرار الأوضاع في ليبيا، حسب اللواء عبد الواحد.

كما أن عدم الاستقرار في ليبيا، وفق الخبير الأمني، يفتح الباب على مصراعيه لعناصر الجريمة المنظمة والإرهابية والهجرة غير الشرعية إلى الداخل المصري، في ظروف تصعب فيها المساندة بخاصة أن مصر تتعافى من تداعيات ثورة 2011.

ومتفقا مع الطرح السابق، يؤكد عمر أنه كلما زاد عدم الاستقرار في ليبيا، كان ذلك عبئًا على المصالح المصرية، مشيرًا إلى أن مصر تسلك مسار المفاوضات ورعايتها بين فرقاء الأزمة، وطرح حلول بديلة.

ما تأثيرات التطورات الليبية الراهنة على مصر إقليميا ودوليا؟

في هذا الصدد، يحذر اللواء عبد الواحد من تداعيات استمرار الفوضى في ليبيا، بما يجعلها بلدا خصبا ومسرحا كبيرا لعمليات إرهابية، قد تتمدد وتنتقل إلى المنطقة العربية والساحل الأفريقي.

وعلى الضفة الأخرى، وفي ضوء تشابك أبعاد الملف الليبي إقليميا ودوليا مع أطراف كتركيا وروسيا والغرب، يرى خيري عمر أن القاهرة تخطط أن تكون محايدة بين روسيا وأميركا. وعلى المستوى الإقليمي، تحاول فتح قنوات اتصال مع الدول الفاعلة بالملف الليبي، بخاصة أن الأزمات الإقليمية حاليًّا تعمل على تقريب وامتصاص أثر العوامل الخارجية في الشؤون الداخلية لدول المنطقة.

أما عن التداعيات المباشرة، فقال إنها قد تعزز التقارب المصري التركي، بحيث يصبح الملف الليبي نقطة تقارب على خلاف يمثل المعضلة الرئيسة بين البلدين سابقًا.

المصدر : الجزيرة