تهديد من شركاء السلطة وتنازع على "الشرعية".. كيف يبدو حزب المؤتمر اليمني في الذكرى 40 لتأسيسه

محمد عبد الملك - بعد خمس سنوات عقد حزب المؤتمر بصنعاء أول دروة عادية للجنة الدائمة - الجزيرة - كيف تتسابق الرياض وأبو ظبي على إعادة نظام صالح في اليمن؟
من اجتماع للجنة الدائمة لحزب المؤتمر الشعبي العام بالعاصمة صنعاء (الجزيرة)

مثّل تهديد قيادي في جماعة الحوثي بقتل وسحل رئيس حزب المؤتمر الشعبي اليمني العام في صنعاء صادق أمين أبو راس مؤشرًا على مآل الحزب الذي تسيّد اليمن أكثر من 30 عامًا، كان فيها إبان حكم زعيمه الرئيس الراحل على عبد الله صالح متربعًا على الحياة السياسية وبوابة للصعود للسلطة والمنصب والوظيفة العامة.

فعلى الهواء مباشرة، لم يتورع القيادي في جماعة الحوثيين عبد السلام جحاف أن يهدد بقتل وسحل أبو راس، إذ قال في برنامج تلفزيوني بثته قناة موالية للحوثيين "سأقفز إلى بطنه وأخطط لقتله".

وجاء تهديد جحاف (عضو في مجلس الشورى التابع للحوثيين) لأبو راس عقب مطالبات للحوثيين بفصل أحمد نجل علي صالح المقيم في الإمارات من منصب نائب رئيس الحزب.

وفي الذكرى الـ40 لتأسيسه التي توافق غدا الأربعاء، بدا حزب المؤتمر اليمني متشظيًّا بين عدة أجنحة، كل منها يزعم أنه الوريث الشرعي، وسط مساع متعثرة لإعادة إحيائه.

من الحكم للمعارضة

كانت انتفاضة الربيع العربي في اليمن عام 2011 الضربة الأولى التي تلقاها حزب المؤتمر؛ إذ فرضت على رئيسه علي عبد الله صالح التنازل عن رئاسة البلاد، وفق المبادرة الخليجية، التي ضمنت للحزب أيضًا نصف الحكومة والدولة.

لكن صالح المشحون بالغضب على الثورة تحول لمعارضة الحكومة وعلى رأسها خليفته الأمين العام للحزب عبد ربه منصور هادي، ليتصاعد التوتر بينهما؛ إذ ادعى كل طرف أنه رئيس الحزب، لكن "كاريزما" صالح انتصرت له.

ومع اندلاع الحرب في البلاد نهاية 2014 انحاز عدد من قادة الحزب إلى صف هادي بعد تحالف صالح مع الحوثيين، حينها انقسم الحزب إلى جناحين يضمران العداوة لبعضهما البعض؛ أحدهما في الرياض يقوده هادي وآخر في صنعاء برئاسة صالح.

مؤتمر بملامح حوثية

وعقب مقتل صالح على يد حلفائه الحوثيين نهاية 2017، دفع الأخيرون صادق أمين أبو راس لقيادة الحزب خلفًا لصالح الذي ترأسه منذ تأسيسه عام 1982، في إشارة إلى أنهم يؤمنون بالشراكة مع بقية القوى المناوئة للتحالف الذي تقوده السعودية.

لكن مصدرًا في الحزب يقول للجزيرة نت (طالبا عدم الكشف عن هويته لاعتبارات أمنية) إن الحوثيين شنوا حملة اجتثاث واسعة لكوادر الحزب من مواقع صنع القرار في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرتهم، ولم يبقَ للمؤتمر -الشريك المفترض للحوثيين في السلطة- سوى مناصب هامشية.

وبحسب المصدر، فإن الحوثيين باتوا المتحكمين في الحزب، وقيادته في صنعاء لا تجرؤ على مطالبة الجماعة بالاستحقاقات المفترضة بوصفهم شركاء في السلطة، مشيرًا إلى أن رئاسة المجلس السياسي (أعلى سلطة في مناطق الحوثيين) بيد الجماعة منذ تأسيس المجلس عام 2016، ونهاية يوليو/تموز الماضي مُدد للقيادي الحوثي مهدي المشاط للمرة الثانية.

وكان اتفاق تشكيل المجلس نصّ على أن تكون رئاسة مداورة بين الحوثيين والمؤتمر.

وقال المصدر إن هناك حالة من الاحتقان في الحزب، غير أنه يستبعد أي تحرك منفرد له ضد الجماعة التي تستبقيه حليفًا لها لضمان مقعد إضافي لها في أي مفاوضات مستقبلية.

ورغم موقفه الصعب، يقدم مؤتمر صنعاء نفسه بوصفه الكيان السياسي الوحيد من كيانات الحزب المتباينة الذي يحظى بالشرعية، وفي كل مناسبة يشن هجومًا على الأجنحة الأخرى في اليمن أو خارجه.

ووفقًا للمصدر، فإن اللجنة العامة للمؤتمر أقرت عدم تنظيم أي فعالية في الذكرى الـ40 للتأسيس، عقب التهديدات التي طالت قياداته، وتذرعت بالأوضاع الإنسانية الصعبة جراء السيول، بينما يحيي الحوثيون -في اليوم نفسه- بشكل واسع ذكرى "استشهاد الإمام زيد" في صنعاء وبقية المحافظات.

عودة شكلية للسلطة

حين فرّ الرئيس السابق هادي إلى الرياض اصطحب معه عددا من قيادات الحزب، ومن بينهم رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي الذي خلفه في منصب رئيس البلاد، ورئيس مجلس النواب الحالي سلطان البركاني، ورئيس مجلس الشورى أحمد بن دغر.

وتشير التطورات الأخيرة إلى تفضيل الرياض وأبو ظبي قيادات المؤتمر في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، إذ عاد رجال الحزب في مناصب رئيسية وتنفيذية.

لكن القيادي في الحزب ريدان المقدم، وهو عضو لجنة دائمة محلية، يقول للجزيرة نت إن القيادات المؤتمرية الذين تولوا مناصب في الدولة يمثلون أنفسهم أو النسخة المزيفة التي حاول تفريخها حزب الإصلاح ليضفي شرعية على سلطته.

ويقول رئيس مركز نشوان للدراسات عادل الأحمدي إن حزب المؤتمر لا يحكم رغم أن رجاله هم من يتصدرون المشهد السياسي.

ويضيف للجزيرة نت "هذه الأسماء الموجودة من حزب المؤتمر لا يجمعها جامع؛ بن دغر لديه مشروع وحده، البركاني كذلك، والعليمي لم يصعد لكرسي الحكم عبر رافعة مؤتمرية، حزب المؤتمر لم يعد مؤتمرًا شعبيًا".

ويرجع ذلك إلى أن المؤتمر نشأ كحزب حاكم، وانضم له من دون ولاء كل من يريد أن يصبح قياديًّا في الدولة، ومن بينهم قادة في الأحزاب الأخرى، وحين انهار المؤتمر عادوا لمواقعهم الأولى.

صمت في القاهرة

تسببت حملة الاجتثاث التي شنها الحوثيون لقيادات وكوادر المؤتمر في نزوح العشرات من قادة الحزب، ومعظمهم استقر في العاصمة المصرية القاهرة، وهناك بدأت محاولات حثيثة للملمة الحزب من قِبل أطراف عدة.

ونشط الأمين العام المساعد للحزب، ورئيس البرلمان سلطان البركاني، وتحول منزله في القاهرة إلى مقر دائم، حيث ينظم اجتماعات غداء لممثلي وأتباع الحزب ورجال الأعمال ورجال القبائل، فضلًا عن مندوبي البعثات الدبلوماسية الأجنبية.

ووفق دراسة لمركز صنعاء (يمني غير حكومي) فإن تلك الاجتماعات أسهمت في إبقاء المؤتمر على قيد الحياة.

لكن كثيرا من قادة الحزب ينشطون بصمت هناك لضمان مستقبل لهم في ما بعد الحرب، إذ إن الخلافات العميقة بين أجنحة الحزب حالت دون اتخاذهم أي موقف، لذا ينتظرون لمن تكون الغلبة، حسب ما يقوله قيادي في الحزب للجزيرة نت.

الورثة المحتملون

مهّد انتخاب أحمد نجل علي صالح نائبًا لرئيس الحزب عقب مقتل والده خطوة في انتقال الحزب للورثة المحتملين، لكنه يفتقر للحضور، ووفق مقربين منه فإنه شخصية ضعيفة أمام الحضور الطاغي لابن عمه طارق صالح الذي عُيِّن عضوا في مجلس القيادة الرئاسي ويقود القوات المشتركة في الساحل الغربي.

ورغم أن الشخصين يحظيان بدعم إماراتي قوي، فإن الطموح الشخصي لكل منهما يقف حجر عثرة أمام عودة الحزب، خاصة مع تأسيس طارق صالح المكتب السياسي للمقاومة الوطنية، وهو فصيل سياسي انضم له عدد من قيادات المؤتمر.

وكان أحمد علي تحدث في آخر خطاب منسوب له عن "دسائس ومؤامرات" تستهدف حزب المؤتمر من داخل صفوفه، من دون أن يحدد أو يوضح تلك الأطراف، لكن أصابع الاتهام كانت موجهة للحوثيين المطالبين بفصله من مؤتمر صنعاء.

انقسامات عميقة

يقول الأحمدي إن حزب المؤتمر يواجه مأزقا معقدا على أكثر من مستوى، من بينها أن كل قيادي يعتقد أنه الزعيم، وأن الحزب يحتاج إلى معجزة ليعود متماسكًا، لكنه ما يزال حزبًا كبيرًا وظاهرًا، حتى مع انقسامه.

ويضيف أن "من بين نقاط الخلاف بين أجنحة مؤتمر الخارج هو كيفية التعامل مع مؤتمر صنعاء، الذي لا يعترف بمؤتمر عدن، ومؤتمر أحمد علي لا يعترف بالأجنحة الأخرى".

غير أن ريدان المقدم يقلل من تلك الانقسامات، ويقول إن الكثيرين حاولوا استثمار حادثة مقتل صالح للظفر بقيادة المؤتمر، لكن الأمر حُسم حين زُكي نجله نائبًا لرئيس الحزب.

ويضيف "لا أريد أن أقول إنه لا توجد جهود لاستعادة دور المؤتمر، وحتى لو كانت فلن تثمر في ظل الوضع الراهن، لأن المؤتمر حزب دولة ونظام وقانون ولا يستطيع أن يكون طرفًا في مواجهة مليشيات مؤدلجة ومسلحة".

ويقول إن العقوبات غير المبررة التي فرضها مجلس الأمن على أحمد علي كبلت الحزب، وربما رأت القيادة أن أفضل جهد يكمن في الحفاظ على كيانه ووجوده، حتى التحرر من القيود التي تعيق تحركه.

 

المصدر : الجزيرة