ظاهرة المحلل السياسي في العراق.. مهنة تستقطب كثيرين لشحن الرأي العام

من الشروط الواجب توفرها في المحلل السياسي أن يكون من ذوي المعرفة، ومطلعا على القضايا السياسية والأزمات الداخلية والإقليمية والدولية، وأن يكون من حملة تخصص علوم سياسية، وأن يكون مستقلا في رأيه.

شعارات بعض القنوات التلفزيونية العراقية (الجزيرة)

بغداد – يُنظر إلى التحليل السياسي على أنه استقراء بواطن الأحداث وتنبؤ بما يحتمل وقوعه، وقراءة ما بين السطور، وفي العراق يحمل كثيرون هذه الصفة إلى درجة التخمة، فهل يتمتعون بالكفاءة اللازمة والحيادية وسداد الرأي؟ أم أنها مهنة العاطلين والمتحزبين؟

عميد كلية العلوم السياسية في الجامعة المستنصرية في بغداد، الدكتور خالد عبد الإله، يرى أن من شروط المحلل السياسي أن يكون من ذوي المعرفة، وواسع الثقافة ومطلعا على القضايا السياسية والأزمات الداخلية والإقليمية والدولية، ويفضل أن يكون من حملة تخصص علوم سياسية، وأن يكون حياديا ومستقلا، ومن ثمّ يتحصن بما يمتلكه من معلومات، ويحللها وفق أدوات التحليل السياسي المبنية على أسس علمية صحيحة.

الخبير الاستراتيجي خالد عبد الإله (الجزيرة نت)
عبد الإله: شروط المحلل السياسي أن يكون مستقلا وصاحب معرفة خاصة بالقضايا السياسية والأزمات (الجزيرة نت)

ويوضح عبد الإله للجزيرة نت أن الأزمات المحلية لا تعطي نسقا ثابتا، لذلك على من يمتلك صفة المحلل السياسي أن يكون ملمّا بالأوضاع السياسية بشكل عام، لأن أغلب الأزمات المحلية مرتبطة بأزمات إقليمية ودولية، فضلا عن ذلك فلا بد أن يكون المحلل السياسي موضوعيا وعقلانيا، ودقيقا في ما يطرحه من أفكار، بمعنى أن يستشرف مدى وانعكاسات الأزمات حاضرا ومستقبلا.

ويظهر في المحطات الفضائية عبر البرامج السياسية العديد من الذين يحملون صفة المحلل السياسي، ويبدو من أحاديثهم أنهم يميلون إلى جهات حزبية، بعيدا عن التجرد والحيادية، خاصة في أوقات الأزمات التي تعصف بالبلاد.

من جهته، يرى أستاذ قسم الصحافة في كلية الإسراء الجامعة، الدكتور نزار السامرائي، أن ظاهرة المحلل السياسي ترتبط بالاستقطابات الحزبية، لذلك هي تضلل الجمهور أكثر مما تسلط الضوء على طبيعة ما يجري، وهي في الحقيقة بيان وجهات نظر وشرح للأحداث أكثر مما ترتبط بالتحليل الذي يتطلب كثيرا من الموضوعية والتعامل مع البنى المكونة للأحداث، وفق الخطابات المعلنة للوصول إلى ما تتضمنه من حقائق غير معلومة واستشراف للمستقبل.

ويقول السامرائي -وهو متخصص في تحليل الخطاب الإعلامي- للجزيرة نت إن من الشروط الأساسية للمحلل السياسي الابتعاد عن الذاتية والانتماءات الأيديولوجية والتعامل مع الحقائق من دون حرفها باتجاه معين أو الانطلاق من استنتاجات مسبقة بناء على رؤية حزبية أو فئوية.

حمادي: بعض المحللين يستخدمون التصعيد بناء على إيعاز من القوى النافذة ضد الخصوم (الجزيرة نت)

المحللون والخطاب التصعيدي

وفي السياق ذاته، يرى كريم حمادي -وهو من أشهر وأقدم مقدمي البرامج في محطة العراقية الفضائية الرسمية- أن بعض المحللين السياسيين يستخدمون الخطاب التصعيدي، وهم ينقسمون إلى قسمين: أولهما يشمل الذين لديهم ارتباط تنظيمي أو وظيفي مع القوى السياسية، خصوصا المتنفذة منها، وهؤلاء يستخدمون التصعيد بناء على إيعاز من القوى النافذة في مواجهة الخصوم، لأجل إضعافهم أو إقناع شريحة محددة من الناس بأنهم أقوياء ولا يتنازلون، أما القسم الثاني فهم المحللون الجدد الذين يستخدمون التصعيد من أجل لفت أنظار القوى السياسية إليهم.

ويشير حمادي -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن هذه الأنواع انتشرت على نطاق واسع خلال الفترة الأخيرة، بسبب تصاعد حدة الانقسام السياسي بين الإطار التنسيقي وحلفائه، وبين التيار الصدري والقوى المتحالفة معه، وهم جزء أساسي من المساهمين في زيادة حدة الاحتقان في الشارع العراقي.

ويكثر استعمال مصطلح المحلل السياسي في الأوساط الرسمية وغير الرسمية من دون أن تكون لكثير ممن يستعملونه معرفة كاملة بالمعاني التي ينطوي عليها، وهو ببساطة تجزئة الشيء إلى مكوناته، ودراسة كل مكون منها على انفراد، ومن ثمّ التعرف على العلاقات التي تربط بين كل منها وتأثير ذلك على الآخر.

أما رئيس مركز التفكير السياسي الدكتور إحسان الشمري، فيختصر الظاهرة بقوله "شيء مخجل أن يكون العنوان (اللقب) محللا سياسيا مع كم من العاطلين عن العمل الذين اتخذوا من التحليل مهنة".

فلاح المشعل، مواقع التواصل
المشعل: أعداد المحللين السياسيين وألقابهم في تكاثر على شاشات المحطات الفضائية (مواقع التواصل)

أعداد متزايدة مع كل أزمة

ويقول الكاتب والصحفي فلاح المشعل، الذي يرى أن أعداد المحللين السياسيين وألقابهم في تكاثر على شاشات المحطات الفضائية، إن أكثرهم لا يملك ذهنية تحليلية، وإنما إعادة ما تحمله الأخبار، وبعضهم كمن يقرأ في جريدة أمس، وإن قليلا جدا منهم من يملك رؤى تحليلية وشجاعة في قول ذلك، خاصة أن المناخ السياسي يؤثر أو يمنع إمكانية الكتابة أو التحليل بوعي صريح، كما أن عددا ليس بالقليل منهم ينتمي لأحزاب سياسية أو تدفع له الأحزاب مقابل تمجيدها عبر الفضاء، أما الألقاب من رؤساء مراكز دراسات وبحوث أو خبير إستراتيجي أو باحث، فحدث ولا حرج.

المصدر : الجزيرة