تونس.. رئيس الهيئة الاستشارية لصياغة الدستور يتهم قيس سعيد بتغيير النسخة المقترحة والقضاة يعلقون الإضراب

انطلقت اليوم الأحد في تونس الحملة الانتخابية للاستفتاء على مشروع الدستور الجديد، وسط مقاطعة سياسية واسعة من أغلب الأحزاب الممثلة في البرلمان المجمدة أعماله ومن خارجه، في وقت قال فيه رئيس الهيئة الاستشارية لصياغة الدستور إن النص النهائي لا يمت بصلة للمشروع الأول المقترح. وترك اتحاد الشغل الحرية لمنتسبيه في التصويت، في حين أعلن القضاة تعليق إضرابهم المستمر منذ أسابيع.

ومنذ اليوم الثالث من يوليو/تموز حتى يوم 21 من الشهر ذاته، تمتد الحملة الانتخابية للاستفتاء على الدستور الجديد، المنتظر تنظيمه يوم 25 يوليو/تموز الجاري، الذي يعدّ من أهم النقاط في خارطة الطريق التي أعلنها رئيس الجمهورية يوم 13 ديسمبر/كانون الأول 2021 ضمن جملة من القرارات في إطار التدابير الاستثنائية.

وتنطلق الحملة وسط تباينات شديدة تشقّ المشهد السياسي في تونس، سواء في ما يتعلق بطبيعة الاستفتاء نفسه، أو مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء.

وفي حين تتباين المواقف بين مؤيد ومتحفّظ ومقاطع، يستمر الجدل بشأن استقلالية هيئة الانتخابات بعد تغيير تركيبتها وتعيين سعيّد أعضاءها على إثر حلّ الهيئة السابقة.

تنديد وتبرؤ

وتأتي هذه التطورات بينما نقلت صحيفة الصباح المحلية عن رئيس الهيئة الاستشارية لصياغة الدستور، الصادق بلعيد، قوله إن الرئيس سعيد غيّر المشروع المقترح الذي قدمه له، وإن النص النهائي لا يمت بصلة للمشروع الأول المقترح.

كما قال بلعيد إن من مسؤوليته التنديد بما ينطوي عليه نص مشروع الدستور الصادر عن الرئاسة مما سماها مخاطر ومطبات جسيمة، وأكد أن الهيئة بريئة تماما من المشروع الذي طرحه الرئيس للاستفتاء.

وفي رسالته التي نشرتها جريدة الصباح وجاءت بعنوان "مهمة حق أريد بها باطل"، ألقى العميد بلعيد الضوء على عدد من النقاط الخلافية في الدستور الجديد، مشيرا إلى أنه يتأسف على إدخال رئاسة الجمهورية "تحويرات جذرية في الأصل وفي روح النص" الذي قدمته اللجنة المكلفة.

وقال بلعيد إن أحد فصول "دستور سعيد" يتضمن الخطر الداهم الذي يسمح للرئيس بتمديد ولايته وتمهيد الطريق لدكتاتورية مشينة.

وأشار رئيس الهيئة الاستشارية لصياغة الدستور إلى أن نص الدستور الصادر عن الرئاسة تنعدم فيه المسؤولية السياسية للرئيس.

كما أضاف أن مشروع "دستور الرئيس" تضمن نظاما محليا وإقليميا مبهما وغامضا ينذر بمفاجآت غير متوقعة.

وقال بلعيد أيضا إن "دستور الرئيس" يتضمن تنظيما منقوصا وجائرا للمحكمة الدستورية وصلاحياتها ونظام تعيين يحد من استقلاليتها، متهما الرئيس بتشويه الهوية التونسية من خلال نسخة الدستور هذه.

من جهته، عبّر عضو الهيئة الاستشارية لصياغة الدستور التونسي أمين محفوظ عن صدمته من مسودة الدستور التي نشرت بالجريدة الرسمية، مؤكدا أن مضامين المسودة تعود بتونس إلى النظام التسلطي وتضرب النظام الديمقراطي بشكل كلي.

وقال محفوظ -في تصريحات إذاعية- إن مسودة الدستور المنشورة تضمنت أخطاء غير مقبولة على مستوى الشكل ولا تليق بهيبة الدولة.

في السياق، أقر المجلس الوطني لحزب آفاق تونس التصويت ضد مشروع الدستور، مؤكدا -في بيان له- أن التصويت ضد مشروع الدستور هو الخيار الوحيد المتوفر لإنقاذ البلاد مما وصفه بالدكتاتورية والتطرف والفشل الاقتصادي والاجتماعي.

وجدد الحزب موقفه الرافض لما رآه أداء كارثيا ومسارا أحاديا وتسلّطيا للرئيس قيس سعيد، محذرا مما وصفه بالمضامين الظلامية لمسودة الدستور.

مقترح وأحكام

ولم يعلق الرئيس على الدستور، منذ نشره الخميس الماضي في الجريدة الرسمية، وسيمنح هذا الدستور للرئيس سلطات أكبر بكثير.

ونشرت الجريدة الرسمية نص الدستور الجديد المقترح الذي يمنح سعيد سلطات مطلقة، وسيجري الاستفتاء عليه يوم 25 يوليو/تموز الجاري.

وأزال سعيد في الدستور المقترح جميع الضوابط تقريبا على حكمه وأضعف دور البرلمان والقضاء، مما أدى إلى اتهامات واسعة من معارضيه بأنه يفكك المكاسب الديمقراطية التي حققها التونسيون في ثورة 2011.

كما استأثر على معظم السلطات العام الماضي، متجاهلا الدستور الديمقراطي الحالي لعام 2014 وحل البرلمان المنتخب، ليقول إنه سيحكم بمرسوم بينما يعيد تشكيل النظام السياسي.

وفي تصريحات سابقة للجزيرة، اتهم العضو المؤسس بحركة "الجمهورية الجديدة"، نجيب الحاجي، رئيس الهيئة الاستشارية لصياغة الدستور بلعيد بأنه معروف بانقلابه على من يستعينون به.

وألقى الحاجي باللوم على أطراف خارجية تكون ضغطت على رئيس الهيئة، وفق قوله.

من جانبه، قال الكاتب الصحفي سالم بولبابة إن التونسيين لم ينتخبوا سعيّد ليصوغ لهم دستورا. وانتقد -في مقابلة سابقة مع الجزيرة- ما سماه استثناء رئيس الدولة من المساءلة والمحاسبة في مشروع الدستور الجديد.

موقف الاتحاد

وأمس السبت، أعلن الاتحاد العام للشغل (أكبر منظمة نقابية في تونس) قراره ترك حرية الاختيار للآلاف من قواعده العمالية بشأن الاقتراع في الاستفتاء الشعبي على الدستور الجديد.

وأيد اتحاد الشغل في البداية قرارات 25 يوليو/تموز، لكنه اعترض لاحقا على طريقة إدارة الرئيس سعيد للمرحلة التالية ونزعته الفردية في اتخاذ القرارات. كما رفض الاتحاد المشاركة في حوار وطني دعا إليه سعيد لافتقاره إلى "تشاركية حقيقية".

Tunisian judges carry banners during a protest in Tunis
قضاة تونسيون يحتجون على إعفاء 57 من زملائهم (رويترز)

تعليق إضراب القضاة

على صعيد آخر، قررت "تنسيقية الهياكل القضائية" في تونس اليوم الأحد تعليق الإضراب مؤقتا بجميع المحاكم والمؤسسات القضائية في البلاد.

ودعت التنسيقية السلطة التنفيذية -في بيان- إلى فتح باب التفاوض لإيجاد حل للأزمة، وذلك إعلاءً لمصلحة المتقاضين وللمصلحة العليا للدولة، وفق تعبيرها.

كما طالبت التنسيقية السلطة التنفيذية بإحالة ملفات القضاة المعفيين إلى المجلس الأعلى المؤقت للقضاء فورا للنظر فيها، طبقا لاختصاصه.

وهددت تنسيقية الهياكل القضائية باستئناف الإضراب في حال عدم التراجع عن المرسوم القاضي بإعفاء 57 قاضيا، وفي حال مواصلة انتهاك السلطة القضائية، وفق نص البيان.

المصدر : الجزيرة + وكالات