حراك سياسي أم مكايدة لليسار؟.. هل ينجح التيار الحر في جمع شتات القوى الليبرالية بمصر؟

البرلمان يمدد حالة الطوارئ بمصر وبرلماني مصري يطالب بإصلاحات دستورية
البرلمان يمدد حالة الطوارئ بمصر وبرلماني يطالب بإصلاحات دستورية (الجزيرة)

القاهرة- في خضم حراك سياسي، تتجه قوى ليبرالية نحو تدشين تيار جامع يضم أحزابا وشخصيات عامة من المحسوبين على الفكر الليبرالي. فما مدى قدرة هذا التيار على أن يسبح في مياه السياسة الراكدة، وهل مصر بصدد مخاض جبهة معارضة جديدة؟ وضد من؟

وفق حزبيين وناشطين ليبراليين، هناك خطوات جدية اتخذت بصدد تدشين "التيار الليبرالي الحر" يستهدف الوجود المؤثر في الحياة السياسية على غرار التيار اليساري، لكنّ التيار الحر -حسب المصادر نفسها- من المأمول أن يمتاز عن الأخير في التشديد على طرح مناخ الحريات والحقوق والمساواة.

ويأتي هذا الطرح متزامنا مع مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي الداعية لحوار سياسي "لا يستثني أحدا" ومن المرتقب أن تبدأ أولى جلساته خلال أيام، وسط انتقادات يواجهها في ضوء حديث معارضين تتعلق بالإدارة والتنظيم والنتائج المحتملة، مقابل قوى تعول عليه في تحسين الوضع السياسي والحقوقي في البلاد.

ووسط ترحيب شخصيات وقيادات حزبية ليبرالية بتشكيل التيار الحر، ذهب مراقبون إلى القول إن فرص نجاحه مرهونة بألا يكون مرتبطًا بظرف أو قضية طارئة، بل أن يلبي احتياجات واقعية، دون النظر إلى مكايدة اتجاهات فكرية أخرى على غرار التيار اليساري، خاصة في مسألة تمثيل المعارضة في الحوار السياسي.

التيار الحر

يتزامن الإعلان عن تأسيس التيار الليبرالي الحر مع استعداد أحزاب المعارضة للمشاركة في الحوار السياسي المزمع انطلاقه خلال أيام.

وكان حزب المحافظين، صاحب مبادرة تدشين التيار الحر، قد استضاف منذ إطلاق السيسي مبادرة الحوار عددا من الاجتماعات مع أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية المعارضة.

ومؤخرا، دعا رئيس الحزب أكمل قرطام رموزا من الشخصيات الليبرالية لمناقشة الإعلان النهائي عن "التيار الحر" ومن أبرز من وجهت إليهم الدعوة وزير الخارجية الأسبق والأمين العام الأسبق للجامعة العربية عمرو موسى، ورئيس النادي الأهلي السابق محمود طاهر، ورئيس حزب الوفد السابق سيد البدوي، إضافة إلى رئيس حزب الإصلاح والتنمية محمد أنور السادات، وغيرهم.

وحول آخر ما وصل إليه تدشين التيار الحر، أوضح القيادي بحزب المحافظين مجدي حمدان أن التيار في طور الإعداد، والحزب بصدد تحرير وثيقة معبرة عنه، ومن خلالها سينضم المؤمنون بما جاء فيها.

وفي تصريحات للجزيرة نت، قال حمدان إن فكرة التيار لاقت قبول كل من ينتمي لليبرالية، مشيرا إلى أن أسباب التأسيس كثيرة ومتعددة.

وتأتي على رأس هذه الأسباب، وفق حمدان، غياب التيار الليبرالي بشكل فعلي ومؤثر في الحياة السياسية ومنهجيتها، كالتيار اليساري الذي وضع أسسا للاشتراكية وساهم في أن يتم التعامل بشكل تشريعي مع أمور شتى بتوجهات يسارية، لكنه ابتعد عن طرح مناخ الحريات والحقوق والمساواة.

أما عن فرص نجاحه والعقبات التي قد تواجهه، أوضح القيادي الحزبي أن الأحزاب الليبرالية قادرة على الخروج سريعا والاتحاد تحت مظلة جامعة في ظل المناخ السياسي الراهن، إضافة إلى فشل اليسار في تقديم حلول تمهد الطريق للحياة السياسية.

كما توقع أن يكون هناك التحام شعبي وجماهيري مع التيار، بحكم أنه سيكون معنيا بأمور يفتقدها المواطن خاصة في أزمات التمييز والحريات والمساواة. وعلى الجانب الآخر استبعد وجود أي ضغوط من الدولة قد تقف حائلا أمام تدشينه.

وشدد حمدان على أن التيار الليبرالي حراك سياسي حقيقي وخطوة هامة وانتفاضة في الحياة السياسية، يسعى إلى أن يؤتي ثماره في أيام قليلة من التدشين، وأن يقود الليبرالية بمفهوم شامل وحقيقي.

واستبعد حدوث انشقاق للأحزاب الليبرالية المنضوية تحت تحالف الحركة المدنية بعد تدشين التيار الحر، مشيرا إلى أن الحركة تخاطب كل الأحزاب المدنية بكل توجهاتها، بينما التيار يخاطب الليبرالية بمفهومها وشخصياتها.

فرص وتساؤلات

في هذا السياق، قال البرلماني السابق ثروت نافع إن التيار فكرة صائبة يرجى نجاحها، مشيرا إلى أنه سبق أن بدأ قبل سنوات في تنفيذ فكرة إنشاء الحركة الليبرالية المصرية في الخارج، وكان هناك متحمسون لها في الداخل والخارج والبعض شارك فيها وآخرون كانوا قلقين من أن يبدوا موافقتهم عليها.

وفي حديثه للجزيرة نت، أيد نافع تشكيل التيار الليبرالي قائلا إنه مع تشكيل أية جبهة ديمقراطية حقيقية في البلاد، لأن الليبرالية هي الأكثر تعبيرا عن الهوية المصرية، لكن مشكلتها دائما ما تكون في التنظيم، وفق قوله.

وبسؤاله حول جدية المبادرة في ضوء تزامنها مع مبادرة الحوار السياسي، قال إن الحكم عليها مبكر، لأن فكرة الحوار نفسها تثار حولها تساؤلات هل هي جادة أم لا.

وشدد بالقول إن مصر بحاجة لمبادرة التيار الليبرالي، كونها محصورة بين مطرقة تيار يدعي المدنية والليبرالية وهو لا يمت لها بصلة، وتيار آخر يسعى إلى السلطوية، حسب حديثه.

من جهته، وبسؤاله عن فرص نجاح تشكيل تيار جامع للحركة الليبرالية، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، حسن نافعة، إن الأحزاب السياسية الطبيعية لا تنشأ بهذه الطريقة المصطنعة، معتبرا خوف البعض من تصدر التيارين الناصري واليساري منصة الحوار الوطني، هو الذي دفع البعض للمسارعة بتشكيل هذا التيار.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف نافعة: ماذا بعد انفضاض الحوار؟ لن يتبقى شيء لأن المناخ العام لا يسمح بممارسة النشاط السياسي إلا للأحزاب المرتبطة بالأجهزة الأمنية، بحسب وصفه.

بذور الفناء

في المقابل، رأى أستاذ علم الاجتماع السياسي عمار علي حسن فرص نجاح التجربة كبيرة، شرط وجود تصور وتحديد أهداف واضحة وتوفير المال والنضال من أجل النزول إلى الناس في الشارع.

وفي حديثه للجزيرة نت، قال حسن إن مصر تعاني منذ مدة كبيرة من تشرذم سياسي واضح، مشيرا إلى أن كل اتجاه تمثله عدة أحزاب تتناحر ولا تتكامل، والسلطة السياسية منذ عقود حريصة على هذه الشكلية التعددية المقيدة التي تصب في النهاية لصالحها.

وشدد على أهمية قيام أي تيار فكري بتجميع أتباعه لتدارس الأفكار المشتركة من أجل أن يكون له تمثيل اجتماعي حقيقي يترجم على شكل سياسي، مؤكدا أهمية وضع تصور متماسك لهذا التكتل حتى لا يكون تكرارا لتجارب سابقة.

أما عن موقف السلطة السياسية من تشكيل التيار الليبرالي، قال الباحث المصري إن الديمقراطية تنتزع ولا توهب، ومن ينتظر أن تسمح له السلطة بشيء فهو واهم، وللأحزاب الحق في الوجود والتواصل وتمثيل الناس.

لكن حسن حذَّر بالقول إنه إذا كان قيام التيار الليبرالي تغلب عليه فكرة المنازعة أو المكايدة، أو الشعور بأن ممثلي اليسار لهم أفضلية في الحوار السياسي، يصبح تكتلا حاملا بذور فنائه.

وأكد أنه من الأفضل ألا يكون التيار الليبرالي مرتبطا بظرف طارئ أو قضية راهنة، على أن يلبي الاحتياجات الواقعية، مشيرا إلى أن مصر بحاجة إلى تجميع الجهود لإقامة الحياة السياسية.

المصدر : الجزيرة