البرلماني النمساوي من أصل عراقي عمر الراوي للجزيرة نت: هذه معايير اختيار فيينا أفضل مدينة للعيش بالعالم

تعد تجربة المهندس النمساوي من أصل عراقي عمر الراوي في مشوار الاغتراب مثالا يحتذى به؛ إذ قاد ملف الخدمات البلدية في فيينا، أفضل مدينة في العالم، ويعد من أبرز رموز اندماج الجاليات العربية والإسلامية في المجتمع النمساوي.

ينتمي الراوي للحزب الديمقراطي الاشتراكي النمساوي، ويشغل حاليا منصب عضو برلمان مدينة فيينا وعضو مجلسها البلدي.

ولد الراوي في بغداد عام 1961 لأب محام ينحدر من مدينة راوه في محافظة الأنبار (غربي العراق)، وأمه طبيبة نمساوية، وهو متزوج ولديه 3 بنات وولد، وقضى طفولته في مدينة البصرة.

غادر العراق إلى فيينا عام 1978 لإكمال دراسته الجامعية، واضطرته ظروف الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) إلى البقاء في النمسا والعمل هناك، ودرس الهندسة المدنية في جامعة فيينا وتخرج بشهادة ماجستير في هذا التخصص.

الجزيرة نت أجرت حوارا مع الراوي بمناسبة زيارته الأخيرة لقطر، وسألته عن انطباعاته عن هذه الزيارة، ومشواره الناجح مهنيا وسياسيا ونقابيا في النمسا، لا سيما عمله في التطوير والإعمار في العاصمة فيينا وتصدرها مدن العالم من حيث جودة الحياة ومستوى العيش لـ10 سنوات، وموقفه من الحرب الروسية على أوكرانيا وسبل إنهائها.

وفي ما يلي نص الحوار:

• حدثنا عن زيارتكم الأخيرة لقطر، وما انطباعاتكم عن ملعب الوكرة المونديالي؟

زيارتي الأخيرة لقطر كانت للمشاركة في مؤتمر الدوحة لحوار الأديان ومقارعة خطاب الكراهية، لكنني على هامش المؤتمر أحببت زيارة ملعب الوكرة الذي صممته المهندسة العراقية الراحلة زها حديد للاطلاع على مرافق المونديال، ولأن ملعب الوكرة اهتم بأمور الاستدامة وإيجاد حلول في التصميم والإنجاز، وكذلك لأن شركة بناء نمساوية أسهمت في البناء.

وأيضا التقيت منظمة العمل الدولية للاطلاع على التغييرات والإيجابيات التي طرأت على وضع العمال الأجانب العاملين في قطر ومحاولة تحسين ظروف العمل وحقوقهم.

• كيف ترى استعدادات قطر للمونديال وجاهزيتها لذلك؟

  بصراحة، ليست لدي فكرة أو اطلاع على التفاصيل، لكن الظاهر أن الإنجاز الذي حققته قطر ليس بالأمر السهل في ظل الظروف الصعبة من ناحية جائحة كورونا والحصار الذي كان مفروضا عليها.

  

• حدثنا عن مشواركم الدراسي والمهني والسياسي في النمسا ونجاحاتكم في هذا المجال؟

  عملت في تخصصي الهندسة المدنية في كبرى شركات الإنشاء النمساوية، ودخلت المعترك السياسي عام 2001 حين شاركت في انتخابات مدينة فيينا وفزت بعضوية برلمان ولاية فيينا وعضوية المجلس البلدي للمدينة عام 2002، وأنا الآن في دورتي البرلمانية الخامسة وعضو برلماني منذ 20 عاما، وأنا عضو لجنة التخطيط العمراني والحضري، وأنشط في لجنة السكن المدعوم في فيينا التي تحصل منذ 10 سنوات على لقب أفضل مدينة من حيث جودة الحياة، وكذلك الأنسب للعيش، وتعد من المدن الرائدة في إستراتيجية المدن الذكية.

  

• وما إسهامكم في هذا الإنجاز الذي حققته مدينة فيينا؟

معايير تصدر مدينة فيينا المركز الأول كثيرة، من جودة البيئة والبنية التحتية والسلامة والأمن والبرامج الثقافية والحضارية والخدمات الطبية والمرافق الترفيهية والمدارس والجامعات وجودة السكن، والمواصلات العامة؛ هذه لا تأتي بين ليلة وضحاها، ولا يمكن نسبتها إلى شخص واحد، بل هي محصلة سياسة شاملة للحزب الاشتراكي الذي أنتمي إليه، وكذلك الفريق الفني والمنتسبون لبلدية فيينا؛ يعني إرادة سياسية توجه إلى أين المسير، وهناك موظفون مختصون يطبقون قرارات حكومة فيينا وقرارات برلمانها ومجلسها البلدي.

أنا واحد من النواب الذين أسهموا في موضوع التخطيط العمراني والحضري وسياسة السكن والمواصلات العامة، لكن في موضوع المدارس والصحة والثقافة والفنون هناك نواب ومسؤولون آخرون؛ لذلك ليس من الإنصاف القول إنني أنجزت ذلك، لكن بسبب عضويتي في برلمان ولاية فيينا وعضو المجلس البلدي لمدينه فيينا منذ 20 عاما أعد من المخضرمين الذين عاصروا هذه الفترة، فأنا أسهمت في فوز فيينا بلقب أفضل مدينة للعيش في العالم، لكنني لست الوحيد.

وأود الإشارة أيضا إلى أنني كنت الناطق باسم الحزب الاشتراكي، وهو يمثل كتلة الأغلبية في برلمان فيينا في خطة تطوير المدينة، وكنت عضوا في لجنة التخطيط العمراني والحضري والناطق باسم كتلتي حول إستراتيجية المدينة الذكية.

ومن الأمور التي أود الإشارة إليها أيضا دور فيينا الرائد في سياسة الإسكان والتعمير، وكذلك تدوير النفايات واستعمال طاقة حرق النفايات في تدفئة وتبريد 350 ألف وحدة سكنية و7 آلاف مستهلك كبير، مثل تدفئة وتبريد المستشفى المركزي، و61% من سكان فيينا يسكنون إما في وحدة سكنية تابعة للبلدية، أو وحدة سكنية أنشئت بدعم مالي من البلدية.

• بغداد والعديد من المدن العربية في وضع لا تحسد عليه من حيث مستوى الخدمات وجودة الحياة، هل قدمتم أي اقتراحات لتطوير المدينة للمسؤولين العراقيين والعرب؟ وكيف يمكنكم الاستفادة من خبراتكم في هذا الشأن؟

شاركت مرتين محاضرا في نطاق اتحاد المدن العربية من خلال مؤتمرين في البحرين ومكة المكرمة، كذلك عملت محاضرا في عجمان، وألقيت محاضرات في عدة جامعات عراقية، واجتمعت مع مسؤولين عراقيين وألقيت محاضرات في دار الحكمة في بغداد وفي مركز بغداد للطاقة المتجددة.

إيجاد حلول لتحسين وضع المدن العربية يحتاج إلى إعادة فلسفة الحياة في المدينة وتقبل المواطن أيضا تغيير نمط حياته وإشراكه في الحلول؛ مشوار طويل وصعب، ولكن كل شيء يبدأ بخطوة.

• ينظر إليكم بوصفكم أحد رموز اندماج الجاليات العربية والإسلامية في المجتمع النمساوي، فما أبرز إنجازاتكم في هذا المجال؟

أهم إنجاز في الاندماج يكمن في الاعتراف بأننا لسنا ضيوفا بل نحن مواطنون، نحن لسنا جالية بل أهل البلد، لنا خصوصياتنا كوننا أقلية. ولا يوجد تضارب بين أن نكون مواطنين مخلصين ويكون ولاؤنا لبلدنا الجديد وفي الوقت نفسه لنا حضارة وثقافة وتاريخ وتراث وإرث عربي وإسلامي. نشارك الدول العربية في التاريخ المشترك والصداقة والحب والاحترام وفي الوقت نفسه وطننا هو البلد الذي قررنا العيش فيه واكتسبنا جنسيته ومنحنا حقوقه؛ هذا من الناحية الفلسفية.

أما الإنجازات الخدمية والبلدية فيطول المقام الآن لسردها، لأن سياستنا تكمن في خدمة المواطن بغض النظر عن دينه أو عرقه أو أصله، لكن طبعا تأسيس مبادرة المسلمين النمساويين عام 1999 بعد أن ركز حزب الحرية النمساوي آنذاك حملته في الانتخابات العامة على مهاجمة الأجانب بصورة عامة والمسلمين بصورة خاصة، ونجاح هذا الحزب في الانتخابات دفعني إلى دخول عالم السياسة، إذ ترشحت عن الحزب الاشتراكي في الانتخابات العامة لبلدية فيينا عام 2002، ونلت أعلى نسبة أصوات في فيينا (المركز الثالث).

ومن أبرز إنجازاتي الأخرى التي أفتخر بها أيضا افتتاح أول مقبرة إسلامية في فيينا، وهي تبقى في النهاية إنجازا لشريحة معينة من المجتمع، لكن تلبية مطالب أقليات في المجتمع من أهم الأمور التي في النهاية تكون دليلا على قوة مجتمع أو مدينة وكيفية تعاملها مع أقلياتها أو ريما حتى الضعفاء في مجتمعاتها؛ هنا تكمن القوة والثقة في النفس.

• ما موقف النمسا من الحرب الروسية على أوكرانيا؟ وما تأثيراتها على بلدكم؟

النمسا دولة محايدة ليست عضوا في حلف عسكري، لكن مفهومها للحياد هو حياد عسكري وليس حيادا سياسيا. وكدولة في الاتحاد الأوروبي فهي تدين بشدة خرق القانون الدولي والحرب غير الشرعية واحتلال أراضي دولة مستقلة وتدمير مدنها وتهجير شعبها وانتهاكات حقوق الإنسان وممارسات جرائم حرب، كما حصلت ضد المدنيين في أوكرانيا، وهي ملتزمة بكل قرارات الاتحاد الأوروبي في فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا.

وتأثير الحرب واضح من ناحية قدوم نازحي الحرب إلى أوروبا والنمسا، بالإضافة إلى تضخم مالي يشمل جميع دول العالم، لا سيما النمسا بالذات نسبة إلى أن وارداتها للغاز من روسيا تبلغ 80%؛ لذلك من أكبر التحديات الآن الإسراع في البحث عن البديل لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي، والتحول إلى الطاقة البديلة والمستدامة والخروج من الطاقة المعتمدة على المحروقات ومنتجات النفط، من أجل الحفاظ على البيئة وتلبية إستراتيجية الدولة للوصول إلى الحياد المناخي.

• ألا ترى أن تسليح أوكرانيا بأسلحة متقدمة سيطيل أمد الحرب، وهل تسعى أميركا وأوروبا لاستنزاف روسيا في "المستنقع الأوكراني" إذا جاز التعبير؟

أوربا عموما لا ترغب في أي حرب وليست من إستراتيجيتها إطالة حرب أو استنزاف طرف. أوروبا مصدومة أن ترى هندسة السلام التي سرت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية قد انتهت وتم خرقها من قبل الطرف الروسي لتجد حربا جديدة على قارتها وقريبة من حدودها.

السؤال الصعب: ما البديل إن لم تُسلح أوكرانيا؟ هل تتركها فريسة ولقمة سائغة للمحتل الذي هاجمها؟ أم تساعد أوكرانيا وشعبها في حقهم للدفاع عن أمن بلادهم واستقلاليته؟ السؤال الأخلاقي هو: هل تترك معتديا ومحتلا ينتصر على جار آمن؟ هل من الجائز مكافأته في توسيع رقعة بلده على حساب الآخرين؟ وهل سيتوقف آنذاك أم يستمر في خطوات أخرى؟ ومن الضحية القادمة؟

عام 2014 احتلت روسيا بسهولة شيه جزيرة القرم من أوكرانيا، ولم تردعها العقوبات في أن تعيد هجمتها على أوكرانيا بعد 8 سنوات. الفرق أنها وجدت جيشا أوكرانيا مستعدا هذه المرة ويدافع بقوة عن أراضيه واستقلالها.

• كيف السبيل من وجهة نظركم لإنهاء هذه الحرب؟ وهل هناك سعي أوروبي جدي في هذا الشأن؟

إنهاء هذه الحرب لا يتم إلا إذا اقتنع الطرف المهاجم بوقف هجومه وإعلان وقف إطلاق النار والدخول في مفاوضات سلام. إلى الآن لا توجد مؤشرات للأسف تدل عن رغبة حقيقية في ذلك. أوروبا حاولت قبل اندلاع الحرب من خلال عدة مبادرات ولعب دور الوسيط وإقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعدم مهاجمة أوكرانيا، لكن للأسف من دون جدوى. روسيا كانت تظن أنها ستحتل كييف في الأيام الأولى من الحرب لكنها غيّرت إستراتيجيتها بعد الخسائر التي لحقت بها وقناعتها بأنها غير قادرة على ذلك. هناك اتجاهات تدعو إلى مبادرات سلام والأغلبية تشكك في مصداقية روسيا، لكن هناك إجماعا على أن روسيا معتدية ولا يوجد أي تبرير لهذا الهجوم.

• كيف تردون على الاتهامات الموجهة للغرب باتباع معايير مزدوجة عبر نصرة الأوكرانيين مقارنة بتعامله مع قضايا اللاجئين العرب والمسلمين والملف الفلسطيني؟

قانونيا، لم يتم التمييز بين ما تسميهم اللاجئين الأوكرانيين والعرب أو المسلمين، ما حصل هو قرار سريع في الاتحاد الأوروبي هو عدم اعتبار الأوكرانيين طالبي لجوء بل بوصفهم نازحي حرب؛ لذلك منحوا حق البقاء المؤقت لمدة سنة قابلة للتجديد إلى 3 سنوات. السبب يعود إلى الأعداد الهائلة التي وصلت إلى 5 ملايين، وكان من المستحيل أن يتم النظر في ملفات طلب لجوء ومقابلتهم وإصدار قرار بالقبول أو الرفض ثم الاستئناف وما شابه ذلك.

الأوكرانيون الذين قدموا نساء وأطفال من غير رجالهم الذين بقوا جنودا يحاربون دفاعا عن بلدهم. اللاجئون السوريون أو العراقيون كانت الأغلبية من الرجال ووصلوا للحصول على حق اللجوء من دون التخطيط للعودة، بل يطلبون لمّ شمل زوجاتهم وأطفالهم. وهناك من وصل مع عائلته، ولم يقدموا طلب حماية لنازحي حرب بل طلبوا اللجوء السياسي.

ملف اللجوء يقع ضمن الصلاحية التي تقررها كل دولة حسب قوانينها الخاصة، لذلك لا صلاحية للاتحاد الأوروبي في هذا الشأن، وفي أزمة الحرب الأخيرة تم لأول مرة قرار جماعي للاتحاد الأوروبي في إدارة الأزمة.