العودة إلى الموت.. الألغام تحرم اليمنيين فرحة الهدنة

Members of a Yemeni military demining unit prepare to destroy unexploded bombs and mines collected from conflict areas near the southern port city of Aden, Yemen
عسكريون يمنيون يستعدون لتدمير ألغام في مدينة عدن (رويترز-أرشيف)

رغم توقف المعارك بين القوات الحكومية والحوثيين منذ مطلع أبريل/نيسان الماضي على إثر هدنة رعتها الأمم المتحدة، فإن الموت ما يزال يفتك باليمنيين، وهذه المرة كان من باطن الأرض جراء الألغام والقنابل.

ووفق إحصائية تتبعتها الجزيرة نت من مصادر عدة، فإن 32 مدنيا بينهم أطفال قتلوا وأصيب 47 آخرون بسبب الألغام والعبوات الناسفة والمقذوفات المتفجرة منذ بداية الهدنة، وهي حصيلة لا تشمل العسكريين.

ويُعزى ذلك إلى عودة المدنيين إلى قراهم وبلداتهم مع سريان الهدنة، ومن بينهم العائدون إلى المديريات الجنوبية لمحافظة الحديدة، وهي مناطق مفتوحة على سواحل البحر الأحمر، شهدت سابقا مواجهات عنيفة.

وكان أحدث تقرير أممي، قال إن 1800 مدني بما في ذلك 689 امرأة وطفل لقوا حتفهم أو أصيبوا بسبب الألغام وذخائر لم تنفجر من مخلفات الحرب في اليمن منذ منتصف 2018.

العودة إلى الموت

تتهم الحكومة وتقارير حقوقية جماعة الحوثيين بزرع آلاف الألغام، إذ يعمد مسلحوها لزرع الطرقات والأحياء السكنية لإعاقة تقدم القوات الحكومية في المعارك، وهي إستراتيجية عسكرية غالبًا ما تنجح في الحفاظ على سيطرتهم الميدانية.

وما إن تنحسر المواجهات حتى يعود المدنيون الذين يفاجؤون بشراك الألغام، ومن بينهم محمد صالح الذي عاد إلى منزله في منتصف أبريل/نيسان لتفقد منزله جنوبي مدينة الحديدة بعد 3 أعوام من النزوح، لكن عودته كلفته ساقيه.

ويقول للجزيرة نت "حين عدت للمنزل دست على لغم كان مزروعًا في مدخل المنزل، لينفجر بي وفقدت ساقيّ".

ويقول وزير الشؤون القانونية وحقوق الإنسان في الحكومة اليمنية أحمد عرمان إن الحوثيين هم الطرف الوحيد من يزرعون الألغام بكافة أشكالها القديمة والحديثة والمرتجلة (يتم تفعيلها من قِبل الضحية)، في المناطق المدنية والآهلة بالسكان والطرق.

واتهم الوزير، في حديث للجزيرة نت، الحوثيين بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بزراعة الألغام دون مراعاة لأبسط القواعد الإنسانية التي تحظر استخدام الألغام المضادة للأفراد، الأمر الذي ضاعف من عدد الضحايا.

لكن الحوثيين لم يعلقوا على تلك الاتهامات.

طفل من محافظة الحديدة يتلقى الرعاية في تعز بعد أن فقد ساقه جراء لغم أرضي (الجزيرة)

أشراك مخادعة

وما يزيد الوضع تعقيدًا أن الحوثيين يزرعون الألغام بطريقة عشوائية دون خرائط، وهو ما دفع نشطاء يمنيين لإطلاق حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب الحوثيين بوقف زراعة الألغام خلال الهدنة، وتسليم الخرائط المتوفرة.

ووفق مشروع "مسام"، وهو مشروع سعودي يعمل منذ منتصف 2018 لنزع الألغام في اليمن، فإن خبراءه يتعاملون مع حقول عشوائية غير نظامية.

وبحسب بيانات المشروع فإن الألغام جرى تعديل فعاليتها ومظهرها، فبعضها يظهر بأشكال مختلفة كجهاز منزلي شائع الاستخدام أو صخرة أو جذع شجرة.

ويقول إن "هناك أنواعا مختلفة من الألغام الأرضية المضادة للأفراد، يتم دفنها بضعة سنتيمترات تحت الأرض ويتم تنشيطها من خلال الدوّاسات، مما يعني أن وزن الإنسان أو الحيوان قد يؤدي إلى تشغيل اللغم الذي ينفجر على الفور".

Smoke and fire billows during controlled explosions by Yemeni military demining unit to destroy unexploded bombs and mines collected from conflict areas near the southern port city of Aden, Yemen
ألغام وقنابل تم جمعها وتفجيرها في عدن (رويترز-أرشيف)

مصدر الألغام

وفق مركز أبحاث التسلح والصراعات فإن ألغامًا من طراز "بي بي-2″ (PPM-2) و"تي إم-57" (TM-57) صُنعت في ألمانيا الشرقية والاتحاد السوفياتي أوائل الثمانينيات، وُجدت بشكل كبير في اليمن، مما يشير إلى أن الحوثيين حصلوا عليها من مخازن الجيش حين سيطروا على البلاد.

ويقول المركز إنه إلى جانب هذين اللغمين زرع الحوثيون 3 ألغام كانت قد صُنعت محليا بأعداد كبيرة في ورشة عمل وبعضها في بلد آخر، واحد صُنع من أنابيب "الكلوريد المتعدد الفاينيل"، وآخر من المعدن.

وليس من الواضح كيف يحصل الحوثيون على المكونات اللازمة لصنع الألغام، لكن الحكومة اليمنية دائمًا ما توجه أصابع الاتهام إلى إيران.

وقالت مؤسسة أبحاث التسلح في الصراعات (كار) ومقرها بريطانيا إن الحوثيين صنعوا معظم الألغام الأرضية محليا، كما أنهم صادروا ألغامًا مضادة للدبابات وأدخلوا تعديلات عليها لتنفجر بمجرد تعرضها لقوة ضغط لا تتجاوز 10 كيلوغرامات فقط بدلًا من 100 كيلوغرام.

المناطق الأكثر تأثرًا

تعد محافظتا مأرب والحديدة من أكثر المناطق تأثرًا بالألغام، بسبب تضاريسهما المفتوحة، كما أنهما كانتا بؤرة قتال مستعر لسنوات بين القوات الحكومية والحوثيين، ما جعل أراضيهما مساحات واسعة لحقول الألغام.

ويقول الوزير اليمني عرمان للجزيرة نت إن محافظات عدن ولحج وتعز تضررت بالألغام، غير أن مناطق الساحل الغربي في محافظة الحُديدة ومحافظة مأرب كانت الأكثر تضررًا.

وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قالت إن استخدام الحوثيين الواسع للألغام الأرضية على طول الساحل الغربي قتل وجرح مئات المدنيين ومنع منظمات الإغاثة من الوصول إلى المجتمعات الضعيفة، ويشكل خطرًا على المدنيين بعد فترة طويلة من توقف القتال.

ودعت بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة "أونمها" (UNMHA)، أطراف النزاع إلى تسريع جهود إزالة الألغام التي تستمر في إزهاق وإصابة عشرات الأشخاص في الحديدة كل عام؛ كثير منهم من النساء والأطفال.

جهود نزع الألغام

يعمل في اليمن مشروع "مسام" لنزع الألغام، والبرنامج التنفيذي لمكافحة الألغام (حكومي)، ونزع الألغام الطارئ التابع للأمم المتحدة، غير أن جهودها ليست كافية، حسب الوزير عرمان.

ويقول للجزيرة نت، إن المنظمات الدولية المعنية لا تتعامل مع الكارثة بشكل جدي، وإنه لا يلاحَظ دور حقيقي لوكالات الأمم المتحدة أو غيرها، كما أن برامج المساعدة وإعادة التأهيل للضحايا لا يكاد يذكر.

ويقول مشروع "مسام" إنه نزع 345 ألف لغم وذخيرة غير متفجرة وعبوة ناسفة منذ انطلاق عملياته منتصف 2018، من بينها 5309 ألغام مضادة للأفراد، و127 ألفا و700 لغم مضاد للدبابات، و204 آلاف ذخيرة غير متفجرة.

أما مشروع مكافحة الألغام التابع للأمم المتحدة فقال إنه أزال ما يقرب من 635 ألف قطعة من الذخائر المتفجرة منذ 2017.

ورغم عمليات الإزالة الكبيرة، فإن علي مهدي ما يزال مهددًا ونازحًا من منزله في حي القصر بمدينة تعز، ويقول للجزيرة نت "هذه الألغام لعنة ستظل تطاردنا إلى آخر يوم في حياتنا؟!".

المصدر : الجزيرة