رغم قدرتها على الحشد الجماهيري.. لماذا تراجع دور الجماعة الإسلامية في باكستان؟

يقول أحد قيادات الجماعة إنها لا تستطيع ترجمة قدرتها على الحشد في القضايا الإسلامية الداخلية والخارجية، إلى انجاز سياسي حقيقي. وإن موقف الجماعة سياسياً ضعيف في الوقت الحالي.

الجماعة الإسلامية الباكستانية تحشد الدعم
الجماعة الإسلامية الباكستانية في أحد مهرجاناتها (الجزيرة)

إسلام آباد- تراجع دور الجماعات الإسلامية التي كانت صاحبة التأثير في السياسة بباكستان منذ تأسيسها، ويتجلى تراجعها في القضايا الشعبية والسياسية محليا، رغم قوة حشدها الجماهيري في مناصرة القضايا الإسلامية حول العالم.

وعُرفت الجماعة الإسلامية (جماعت إسلامي باكستان) كأبرز الأحزاب والحركات في إسلام آباد، وكانت تعتبر فترة من الفترات رمزا للسياسة الإسلامية في هذا البلد.

وشهدت الجماعة على مدار عقود فترات من الصعود والهبوط تبعا للأوضاع السياسية التي مرت بها البلاد، فبالرغم من وصفها بأنها نخبوية، فإن تأثيرها كان كبيرا على الوضع السياسي منذ بداية الدولة التي جاءت بعد تأسيس الجماعة على يد أبو الأعلى المودودي. فلطالما كان حكام باكستان -خاصة العسكريين منهم- يطلبون ود الجماعة نظرا لتأثيرها على الشارع وعلى الجماعات الأخرى.

ورغم تأثيرها وقدرتها على الحشد في القضايا الإسلامية الداخلية منها والخارجية، كمناصرة القضية الفلسطينية، فإن نشاطها السياسي البرلماني كان ضعيفا، باستثناء بعض الفترات.

وظهر ذلك في تمثيلها بعد انتخابات عام 2013، حيث أثرت فترة حكم الجنرال برويز مشرف (1999-2008) على الأداء الانتخابي والبرلماني للجماعة.

وتزايد هذا الضعف بالانتخابات الماضية عام 2018، والتي أفرزت فوز حزب الإنصاف بقيادة عمران خان، ولم تحصل الجماعة إلا على مقعد برلماني واحد فقط في الجمعية الوطنية.

مسيرة تضامنية مع غزة نظمتها الجماعة الإسلامية الباكستانية في مدينة كراتشي - الأوروبية
مسيرة تضامنية حاشدة مع غزة نظمتها الجماعة الإسلامية الباكستانية بمدينة كراتشي (الأوروبية)

غياب الشخصيات المؤثرة

يقول المحلل السياسي المختص في شؤون الجماعات الإسلامية، طاهر خان، إن هناك عددا من الأسباب وراء فقدان الجماعة توازنها في الساحة السياسية وتراجع قدرتها على المنافسة الانتخابية، ومنها:

  • ليس لدى الجماعة الإسلامية ما يسمى الشخصيات المنتخبة أو المؤثرة لكسب تأييد الناس في الانتخابات. حيث إن علماء الدين أو أولئك الذين يرأسون المدارس الدينية كان لهم دور في جذب دعم الناس في الماضي، لكن هذا تراجع عندما حلّت "جمعية علماء الإسلام" بقيادة مولانا فضل الرحمن محل الجماعة، حيث تراجع تأثير المدارس الدينية في المناطق الريفية.
  • المشاكل الداخلية للجماعة في مناطق مثل دير وسوات في إقليم خيبر بختونخوا، شكلت نكسة أخرى للحزب. وكانت دير، التي أصبحت الآن منطقتين، المعقل التقليدي للجماعة لسنوات، لكن الاختلافات هناك أثرت بشدة عليها. وواجه زعيم الجماعة، سراج الحق، هزيمة في هذه المنطقة بهامش كبير في انتخابات 2018. ولديها الآن مقعد واحد فقط في المجلس الإقليمي من دير، وفاز من يشغله في الانتخابات لأنه قام ببعض الأعمال عندما كان وزيرا.
  • خرجت الجماعة تقريبا من البنجاب والسند وبلوشستان حيث فشلت في كسب دعم أي شخصية مؤثرة يمكنها تعزيز موقفها سياسياً. وفي بلوشستان جذب زعيم الجماعة، مولانا هدايت الرحمن، دعما كبيرا عندما أطلق حركة من أجل حقوق الناس في "جوادر" وتبنى موقفاً أكثر صرامة بشأن حقوق البلوش، لكن حركته لم تستخدم اسم الجماعة في حملته. وبالمثل في كراتشي، التي كانت إلى حد ما مركزاً لدعم الجماعة، ولكن تراجع تأييدها بسبب ظهور الحركة القومية المتحدة.

الارتباط بالمؤسسة العسكرية

من جانبه، يقول المحلل السياسي رعاية الله فاروقي، في حديثه عن أسباب تراجعها، إن الجماعة منذ وقت طويل، قيدت نفسها بالمؤسسة العسكرية. وعلى سبيل المثال، عام 2018 لم تكن الجماعة ذات نشاط سياسي قوي، ولم تحصل على مقاعد في البرلمان نظرا لأن حزب الإنصاف سيطر على الحكومة وكان متوافقا مع المؤسسة العسكرية، ولذلك لم تستطع حتى أن تنضم للمعارضة حفاظا على العلاقة مع المؤسسة العسكرية.

ويقول فاروقي إن الجماعة لديها شعبية كبيرة في كراتشي وإقليم خيبر بختونخوا، لكن أنصارها في تلك المناطق متفرقون ولا يتركزون في مناطق انتخابية معينة. ويضيف "لديها أنصار في الشوارع لكن ليس في صنع القرار، فقراراتها السياسية تتخذ من قبل المؤسسة (العسكرية)".

من جهته يقول الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، سيف الله خالد، إن الجماعة لا تحصل على أصوات دينية لأنها ضد الطائفية، بينما الأصوات التي تذهب للأحزاب الدينية تكون على أساس طائفي إلى حد كبير.

وفي معرض الحديث عن هذه القضية، يقول سليم منصور خالد، القيادي في الجماعة الإسلامية ومحرر مجلة "ترجمان القرآن" التابعة للجماعة، إن هذا الوضع صحيح تماما حيث لا تستطيع الجماعة ترجمة قدرتها على الحشد في القضايا الإسلامية، إلى إنجاز سياسي حقيقي. و"إن موقف الجماعة سياسياً ضعيف في الوقت الحالي".

pakistan parliament seats
الجماعة الإسلامية في باكستان حصلت على مقعد برلماني واحد بانتخابات 2018 (مواقع إلكترونية)

حسب مزاج أميرها

يقول الخبير سيف الله خالد إن الجماعة الإسلامية هي الحزب السياسي الوحيد المنظم في باكستان، لكن الفرق أنه في الأمور الدينية يمكن حشد مجموعات صغيرة أخرى، على عكس القضايا السياسية، فمن السهل الالتقاء حول الدين، بينما في السياسة هناك الكثير من تضارب المصالح.

من ناحية أخرى، يقول خالد "إذا نظرنا إلى تاريخ الحزب الإسلامي، نجد أن تحركاته كانت متوافقة مع مزاج أميره، ففي زمن مولانا المودودي، كان نشطاً في كل من المناصب السياسية والدينية، وبعد ذلك كان ميان طفيل محمد رقيق الكلام ولم تظهر تعبئة كبيرة في عصره، ثم كان قاضي حسين أحمد رجلاً ديناميكياً وقويا وفي عصره ظهرت الجماعة الإسلامية كقوة رئيسية وحشدت الجماهير على نطاق واسع في السياسة".

وأضاف "قيادة الجماعة الحالية نفسها في حالة ارتباك، ويتقلص تأثيرها بشكل كبير، ويبدو أنها فشلت في تبني مواقف سياسية واضحة".

انتقادات.. حياد

كانت الجماعة الإسلامية، كسائر الأحزاب السياسية والإسلامية الأخرى، تنتقد سياسات حكومة عمران خان، وخاصة على المستوى الاقتصادي. وفي فبراير/شباط الماضي، قال زعيم الجماعة مولانا سراج الحق "حكومة حزب الإنصاف أسوأ حكومة مرت على باكستان، ودمرت كل المؤسسات في الدولة". وقال إن "الخطأ الأكبر الذي ارتكبته الحكومة هو تسليم اقتصاد البلاد لصندوق النقد الدولي".

وأعقب ذلك انتقادات وجهتها الجماعة للحكومة بسبب عدم تنفيذ وعودها، بالإضافة إلى عدم تطبيق الشريعة الإسلامية بشكل صحيح في البلاد. وتزامنت التصريحات مع مظاهرات للجماعة في بعض المدن.

لكن رغم هذه الانتقادات، فإن الجماعة وقفت، إلى حد ما، على الحياد خلال الأزمة السياسية التي مرت بها البلاد قبل أسابيع، والتي انتهت بسحب الثقة من عمران خان وحكومته.

ويقول المحلل طاهر خان إن الجماعة كانت خارجة تماماً عن التطورات السياسية الأخيرة التي أدت إلى الإطاحة بعمران خان. فعلى الرغم من أنها كانت معارضة، فإنها لم تدعم المعارضة في اقتراح حجب الثقة ضد رئيس الحكومة، واصفا موقف الجماعة بالغامض.

في حين يقول المحلل رعاية الله فاروقي إن الجماعة لم تنضم إلى أحزاب المعارضة السياسية ضد عمران خان "لأنهم لا يستطيعون إزعاج المؤسسة العسكرية". ويضيف "في الوقت الحالي هم ليسوا في المعارضة ولا الحكومة، إنهم يعيشون مثل الأيتام السياسيين" معتبرا أنهم في هذه اللحظة "خارج المشهد السياسي".

وبعد سقوط حكومة عمران خان، استمرت انتقادات الجماعة، حيث اتهم زعيمها قبل أسابيع قليلة الحكومة الحالية بالسير على خطى نظام حزب الإنصاف، سواء في السياسات الاقتصادية أو السياسات الداخلية والحريات وغيرها.

وقبل أيام، أمرت المحكمة الشرعية الاتحادية بإنشاء نظام مصرفي خالٍ من الربا في البلاد، فأشاد زعيم الجماعة الإسلامية سراج الحق بالقرار، ووصفه بالتاريخي. كما قال إنهم سيضغطون على الحكومة لتنفيذ الحكم في أسرع وقت ممكن، وفقا لوسائل إعلام محلية.

المصدر : الجزيرة