سؤال وجواب.. ما التحديات التي تعرقل حوار الآلية الثلاثية في السودان؟

Dialogue between Sudanese parties to begin in May
فولكر بيرتس (وسط) وممثل الاتحاد الأفريقي محمد الحسن ولد لباد (يمين) وممثل منظمة إيغاد إسماعيل أويس بالخرطوم في 27 أبريل/نيسان الماضي (الأناضول)

الخرطوم – وسط تباعد في المواقف بدأت الآلية الثلاثية في السودان المؤلفة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) قبل أيام مرحلة التشاور الثانية بين الأطراف السياسية والقوى المدنية، في محاولة منها لاستعادة الحكم المدني وتجسير هوة الخلافات المستحكمة بين السودانيين.

وتأتي المرحلة الثانية من المشاورات بعد فشل مقترح الآلية الداعي لعقد ملتقى تحضيري كان مقررا خلال الفترة ما بين 10 و12 مايو/أيار الجاري إثر امتناع أطراف عديدة عن الجلوس مباشرة مع المكون العسكري لتعلن الآلية عقد لقاءات غير مباشرة رفضتها أيضا عدد من الأحزاب.

تاليا تحاول الجزيرة نت إلقاء الضوء على مستقبل الحوار المطروح من الآلية في ظل مواقف الأحزاب واستمرار المظاهرات المناوئة للعسكر، كما تتطرق عبر الإجابة عن بعض الأسئلة إلى أهداف الحوار، وما يمكن أن يخلص إليه، وفرص إسهامه في معالجة الأزمة المستحكمة.

كيف بدأت مساعي الحوار بين الأطراف السودانية؟

أطلقت بعثة الأمم المتحدة السياسية في السودان (يونيتامس) في يناير/كانون الثاني الماضي خطتها لحل الأزمة السياسية التي جرت بعد إجراءات الجيش في 25 أكتوبر/تشرين الأول.

وقالت البعثة إنها ستدير مشاورات مع كافة الأطراف باستثناء حزب المؤتمر الوطني والقوى التي حالفته طوال سنوات حكمه الطويلة، على أن تليها مرحلة ثانية تتولى فيها تسهيل حوار بهدف التوصل إلى اتفاق للخروج من الأزمة السياسية والاتفاق على خريطة طريق تقود نحو تنظيم انتخابات تفضي لحكومة ديمقراطية.

لماذا تدخّل الاتحاد الأفريقي وإيغاد في محاولات التسوية؟

مع بدء مرحلة الحوار الأولى تعرضت بعثة الأمم المتحدة لحملة تشكيك من مؤيدي المؤتمر الوطني والقوى الإسلامية وصلت حد المطالبة بطردها، كما أظهر المكون العسكري امتعاضا صريحا من تحركات المبعوث الأممي فولكر بيرتس، واتهمه بتجاوز التفويض والميل باتجاه قوى الحرية والتغيير.

وفي الوقت ذاته، بدأت تحركات إقليمية من الاتحاد الأفريقي وإيغاد للمساعدة في إيجاد مخرج للأزمة السياسية بحكم وساطتهما التي أفضت إلى الشراكة بين العسكريين والمدنيين قبل الانقلاب في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وحظيت هذه التحركات بتأييد قوى من العسكريين في السلطة.

وبعد مشاورات بين قادة الأمم المتحدة والمنظمتين الأفريقيتين انضم الاتحاد الأفريقي وإيغاد إلى هذه العملية السياسية لتعمل الآلية الثلاثية في التقريب ببين الفرقاء السودانيين.

ما هي أجندة الحوار في المرحلة الثانية؟

في 27 أبريل/نيسان الماضي حددت الآلية الثلاثية لحل الأزمة منتصف مايو/أيار الجاري موعدا لانطلاق الحوار السوداني- السوداني، وقال مبعوث الاتحاد الأفريقي محمد الحسن ولد لباد -في مؤتمر صحفي مشترك وقتها- إنهم اتفقوا على بدء الحوار عقب نهاية عطلة العيد، لكن أطرافا سياسية لم تتخذ قرارا بشأن المشاركة في الحوار.

وأكد عزمهم من خلال المبادرات المطروحة على إدارة حوار شفاف يتوافق مع الأهداف التي ينشدها السودانيون لاستعادة الوضع الدستوري.

وأضاف "سيكون هذا الحوار بين السودانيين شاملا ولا إقصاء فيه لأحد"، كما تحدث عن مشاركة النساء ولجان المقاومة.

وقال ممثل الأمم المتحدة فولكر بيرتس إن الحوار الذي تسيره الآلية الثلاثية يهدف لاستعادة الوضع الدستوري والعودة إلى مسار انتقالي ذي مصداقية باتجاه حكم ديمقراطي مدني.

وأوضح أن الحوار ستناقش فيه عدد من الأولويات، منها الترتيبات الدستورية التي تشمل العلاقة بين الجيش والمدنيين والعلاقة بين المؤسسات المختلفة، وآليات اختيار رئيس وزراء، والاتفاق على خريطة طريق بشأن ما تبقى من المرحلة الانتقالية، والإطار الزمني لإنجاز الانتخابات في نهاية هذه المرحلة.

وفي محاولة لتهيئة المناخ للحوار طالب ممثل "إيغاد" إسماعيل أويس السلطات الحكومية بالإفراج عن المعتقلين، ووقف الاعتقالات التعسفية، ومنع العنف تجاه المتظاهرين كبادرة لحسن النية.

لكن ناشطين أكدوا استمرار الاعتقالات والقمع الشديد للمحتجين السلميين، وهو ما دفع أطرافا عديدة للامتناع عن الدخول في المرحلة الجديدة للحوار.

ما موقف أبرز الأطراف من حوار الآلية الثلاثية؟

بادرت لجان المقاومة وأحزاب المؤتمر السوداني والشيوعي لإعلان رفضها الصريح الانضمام إلى الحوار الذي كان مقررا التئامه كملتقى تحضيري، فيما أعلن حزب الأمة القومي ترحيبه بالملتقى والمشاركة في جلساته.

وعزا الحزب الشيوعي موقفه لتواصل العنف في دارفور وقمع الاحتجاجات السلمية بالخرطوم بما لا يجدي معه أي حوار، فيما شدد المؤتمر السوداني على أنه لن يكون جزءا من أي عملية سياسية لا تفضي لإنهاء الوضع الانقلابي وكل ما ترتب عليه واسترداد مسار الانتقال المدني الديمقراطي.

وأشار في بيان إلى أن "الاجتماع التحضيري لا يقود لذلك، لأنه يخطئ في تعريف طبيعة الأزمة وتحديد أطرافها وقضاياها ويشرعن حجج الانقلاب التي يريد من خلالها إخفاء دوافعه وطبيعة تركيبته".

ما التحديات التي تعيق الحوار السوداني- السوداني؟

يمثل الاختلاف حول فهم وظيفة الحوار السوداني- السوداني وهدفه أبرز التحديات، كما يقول القيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي حاتم السر، حيث يرى البعض أنه يأتي لفرض المصالحة بين شركاء الحكم السابقين، في حين يراه آخرون فرصة لرأب الصدع وإنهاء الخلافات وقبول الآخر وجلوس الجميع إلى الطاولة لطرح رؤى بناءة من أجل مستقبل السودان، ولذلك تعتبر "الأنا الحزبية والشخصية من أكبر المهددات لنجاح الحوار".

ويقول السر -الذي انضم حزبه إلى مشاورات المرحلة الثانية- إن "عدم تهيئة المناخ وتوفير الأجواء الملائمة مثل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وتوفير حرية الرأي والتعبير والتنظيم وحماية حق التظاهر السلمي ومحاسبة الجهات التي ترتكب جرائم العنف مؤشرات غير مشجعة على الدخول في الحوار، علاوة على قيام الحوار على نهج المعارضة والموالاة وليس قاعدة الشمول بين كل أنواع الطيف السياسي".

كما يتحدث القيادي عن شكوك بعض الجهات في حيادية الآلية الثلاثية واتهامها بالانحياز لبعض الأطراف وتبني رؤى جهات بعينها، فضلا عن غياب الضمانات اللازمة لتطبيق وتنفيذ ما يتم التوافق عليه بين الأطراف المعنية من حيث آليات التنفيذ والرقابة، إضافة إلى السكوت عن كيفية الوصول إلى مرحلة الشرعية الانتخابية، مما يجعل أطرافا عديدة تتشكك في جدوى هذا الحوار، وفق تعبيره.

كيف يعيق غياب الإرادة السياسية الحوار الوطني؟

يعتقد عضو المجلس القيادي للجبهة الثورية السودانية مصطفى تمبور أن عدم توفر الإرادة السياسية من أبرز التحديات أمام المتحاورين "فلا أحد يمكنه الانفراد بالقرار لتظل الحاجة ملحة لشراكة تسهم في الاستقرار والابتعاد عن الشيطنة والخطاب الضيق وكل ما يوسع دائرة الصراع، فالعسكريون جزء أصيل من التغيير ويجب ألا يقصوا في هذه المرحلة".

بدوره، يشدد القيادي في حزب المؤتمر السوداني نور الدين صلاح على أن الحل السياسي يعد وسيلة لا غاية، وبالتالي فإن أي وسيلة تقود إلى الغاية المتمثلة في إنهاء "الانقلاب" واسترداد مسار التحول المدني الديمقراطي -سواء كانت عبر الحراك الجماهيري وسواه من وسائل المقاومة- ينطبق عليها ما ينطبق على الحل السياسي كوسيلة.

ويقول نور الدين للجزيرة نت إن الجهة التي تواجه تحديا هي "السلطة الانقلابية" كما يسميها، والتي ليس أمامها سوى الإقرار برغبة الشارع، سواء أُرغمت عبر الحراك الثوري أو أذعنت بعملية سياسية منتجة.

هل يؤثر تعدد الأطراف والأجندات على نجاح الحوار؟

من أكبر التحديات أمام الحوار -كما يقول مصطفى تمبور- هو مشاركة الأطراف، خاصة أن هناك من نصت عليهم الوثيقة الدستورية، لكن هذا لا يعني من وجهة نظره أن يكون الحوار حكرا على هذه القوى إنما يجب أن يشمل الآخرين أيضا، حيث بدأ بالمرحلة الأولى بين أطراف الوثيقة الدستورية، ثم يشمل كل السودانيين حتى يمكن الاستماع لكل الأطروحات والرؤى التي تدفع باتجاه تسوية الأزمة السياسية.

من جهته، يؤيد أستاذ العلوم السياسية في جامعة النيلين مصعب محمد علي الرأي القائل إن عدم استعداد الأطراف لتقديم تنازلات من أبرز التحديات أمام الحوار السوداني، يضاف إليها اختلاف التقديرات السياسية برفض بعضها جلوس آخرين للحوار باعتبارها مشاركة للنظام السابق، مما يؤدي إلى تأخير الجلسات التحضيرية ويجر اتهامات للآلية بالافتقار إلى الحياد.

ويشير علي في حديثه للجزيرة نت إلى أن استمرار المظاهرات ورفع شعار اللاءات الثلاث يمكن أن يكونا سقفا تفاوضيا، خصوصا أن لجان المقاومة نشرت ميثاق سلطة الشعب، وهذا يحولها للجان صاحبة برنامج سياسي يحتاج إلى حوار، وأن يطرح على الآخرين، وأن تضمّن بنوده في جولات الحوار القادمة.

المصدر : الجزيرة