أطول حدود برية مع روسيا.. لماذا يعدّ انضمام فنلندا للناتو أخطر على موسكو من أوكرانيا؟

3 أسباب تفسّر مسارعة فنلندا لطلب عضوية حلف "الناتو" أهمها الحرب الروسية على أوكرانيا، إذ تنظر فنلندا إلى نفسها على أنها أكثر الدول عرضة للهجمات الروسية بسبب موقعها الجغرافي وعلاقاتها المتطورة جدا مع الغرب.

مظاهرة ضد الهجوم الروسي على أوكرانيا في العاصمة الفنلندية هلسنكي حيث تظهر استطلاعات الرأي الجديدة دعما شعبيا للانضمام إلى الناتو (رويترز)

لندن- في تحدّ لكل التحذيرات الروسية، أعلنت فنلندا رسميا نيتها الانضمام لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، بعد سنوات من سياسة الحياد والنأي بالنفس عن الصراع بين الغرب وروسيا.

ويأتي قرار الحكومة الفنلندية كنتيجة للحرب الروسية على أوكرانيا، ذلك أن هذا البلد الأوروبي الذي يتقاسم مع روسيا أطول حدود برية على الإطلاق بنحو 1300 كيلومتر بات يستشعر الخطر واحتمال أن يصبح مسرحا لعمليات عسكرية روسية في أي وقت.

وتحفل العلاقات الفنلندية الروسية بكثير من محطات التوتر التي بلغت حد اندلاع حرب حقيقية استمرت أشهرًا، وحقق فيها الجيش الفنلندي، على صغر حجمه وقلة عتاده وجنوده، صمودا دوّنه التاريخ أمام الجيش الأحمر للاتحاد السوفياتي.

ويعني قبول فنلندا في الناتو أن هذا الحلف بات على الحدود الروسية، وهو ما كانت تريد موسكو إبعاده من خلال حربها على أوكرانيا، فلماذا أقدمت فنلندا على هذا القرار؟

Finland's Prime Minister Sanna Marin and Finland's President Sauli Niinisto attend a joint news conference on Finland's security policy decisions at the Presidential Palace in Helsinki
الرئيس الفنلندي ورئيسة وزرائه في مؤتمر صحفي بخصوص قرارات السياسة الأمنية لفنلندا في القصر الرئاسي بهلسنكي (رويترز)

هل سبق أن خاضت روسيا حربا ضد فنلندا؟

بين عامي 1939 و1940 اندلعت حرب عُرفت "بحرب الشتاء" أو الحرب الروسية الفنلندية، تَواجَه فيها الجيش الفنلندي الصغير بالجيش الأحمر العملاق.

وكان سبب اندلاع تلك الحرب شبيها تقريبا بظروف المنطقة الحالية، إذ كانت موسكو تخشى من أن تصبح فنلندا قاعدة لانطلاق العمليات العسكرية للأعداء، في المقابل كانت فنلندا ضمن مخططات الاتحاد السوفياتي لضمّها تحت لوائه.

ورغم أن فنلندا أعلنت حيادها في الحرب العالمية الثانية فإن هذا لم يكن كافيا من وجهة نظر الاتحاد السوفياتي الذي كان يطلب بعض الامتيازات على الأراضي الفنلندية.

وأمام المماطلة الفنلندية، اختلق الاتحاد السوفياتي حادثا حدوديا يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1939 ليعلن عملية عسكرية ضد فنلندا، وفي بداية المعركة تكبّد الجيش الأحمر خسائر بشرية ومادية مهمة وضخمة بسبب سوء تقديره لمدى جاهزية الجيش الفنلندي على صغره.

وأرسل الجيش الأحمر في البداية معدات قديمة وفرقا غير مدربة في ظروف جوية صعبة خلال فصل الشتاء، وذلك ما جعل الجيش الفنلندي يصمد أكثر من 3 أشهر، قبل أن ينزل الجيش الأحمر بثقله.

وبحلول شهر فبراير/شباط 1940 كان الإرهاق قد نال من الجيش الفنلندي وكذلك نقص المعدات والإمداد، فدفعه ذلك إلى توقيع اتفاق مع الاتحاد السوفياتي في مارس/آذار 1940 تم بموجبه التخلي عن 11% من الأراضي الفنلندية لمصلحة الاتحاد السوفياتي.

وفي سنة 1948 سيفرض الاتحاد السوفياتي على فنلندا توقيع اتفاق صداقة بين البلدين، وهو الاتفاق الذي جنّب فنلندا كثيرا من المتاعب مع الجار الروسي.

 

لماذا تريد فنلندا الانضمام لحلف الناتو؟

هناك 3 أسباب تفسّر مسارعة فنلندا لطلب عضوية حلف شمال الأطلسي (ناتو) أولها الحرب الروسية على أوكرانيا، إذ تنظر فنلندا إلى نفسها على أنها أكثر الدول عرضة لما تتعرض له أوكرانيا جراء موقعها الجغرافي وعلاقاتها المتطورة جدا مع الغرب.

أما السبب الثاني فهو التغير الكبير في المزاج الشعبي الفنلندي بعد الحرب في أوكرانيا، الذي انتقل من فكرة معارضة الانضمام للناتو إلى التأييد الشديد.

وحسب استطلاع للرأي أجرته المؤسسة الفنلندية للخدمات العامة (Yle)، فإن 76% من الفنلنديين باتوا يؤيدون الانضمام لحلف "الناتو" مقابل معارضة 12%.

أما السبب الثالث فهو الرغبة بالاستفادة من المادة الخامسة في ميثاق حلف الشمال الأطلسي، التي تنص على أن أي اعتداء على أي دولة من دول الحلف يعدّ اعتداء على بقية الدول.

Picture taken on May 4, 2022 shows a Finnish soldier during the Arrow 22 exercise at the Niinisalo garrison in Kankaanpää, western Finland. - Finnish President Sauli Niinisto and Prime Minister Sanna Marin on May 12, 2022 expressed their support for NATO membership. "NATO membership would strengthen Finland's security. As a member of NATO, Finland would strengthen the entire defence alliance. Finland must apply for NATO membership without delay," they said in a joint statement. (Photo by Heikki Saukkomaa / Lehtikuva / AFP) / Finland OUT
جندي فنلندي أثناء تمرين في غرب البلاد حيث أعرب الرئيس الفنلندي ورئيسة وزرائه عن دعمهما لعضوية الناتو (الفرنسية)

قدرات فنلندا العسكرية

لا يمكن مقارنة القدرات العسكرية الفنلندية بنظيرتها الروسية بسبب الفوارق الشاسعة في كل الجوانب، إلا أن فنلندا تقوم بجهود جبارة للتحضير لسيناريو الحرب.

وتتوفر فنلندا التي يبلغ تعداد سكانها 5.5 ملايين نسمة على جيش تعداده 257 ألف جندي، من بينهم 19 ألفا و250 جندي نظامي و238 ألفا في الاحتياط، وعلى 100 دبابة مقاتلة و107 طائرات مقاتلة و19 مروحية و613 مدرعة وحاملة جنود، و672 مدفعية.

ومن المتوقع أن تجلب فنلندا طائرات "إف 35" الأميركية لقواعدها في حال الانضمام لحلف الناتو، إضافة إلى خبرة الجيش الفنلندي في القتال في المناطق المتجمدة.

كيف يمكن الانضمام لحلف الناتو؟

بعد عقود من الحفاظ على سياسة الحياد بين روسيا والمعسكر الغربي قررت فنلندا الميل تماما مع المعسكر الأخير، والدخول في حلف الناتو بعد سنوات من النقاشات والجدل الداخلي.

وقد تستغرق إجراءات الانضمام لحلف الناتو نحو سنة أو أكثر قبل قبول عضويتها، إلا أن كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا أعلنتا أنهما ستقدمان الدعم العسكري اللازم لفنلندا عند تعرضها لأي هجوم خلال المدة التي يُدرس فيها طلب عضويتها.

ومن شروط الانضمام للحلف أن تكون الدولة ديمقراطية، وتتعامل مع الأقليات بشكل منصف، وتلتزم بحل الخلافات والصراعات بطرق سلمية، وهي شروط متوفرة في فنلندا.

ومن بين الشروط أيضا أن تخصص الدولة 2% من ناتجها الداخلي الخام للإنفاق العسكري، وهذا الشرط أيضا متحقق في فنلندا التي رفعت نفقاتها العسكرية بنحو 70% للسنوات الأربع المقبلة.

Finnish soldiers stand next to a tank during a military exercise called "Cold Response 2022", gathering around 30,000 troops from NATO member countries plus Finland and Sweden, amid Russia's invasion of Ukraine, in Evenes, Norway, March 22, 2022. REUTERS/Yves Herman
جنود فنلنديون بجانب دبابة خلال مناورة عسكرية تسمى "الاستجابة الباردة 2022" تجمع نحو 30 ألف جندي من الدول الأعضاء في الناتو بالإضافة إلى فنلندا والسويد (رويترز)

ردة فعل روسيا

بلهجة شديدة حذرت وزارة الخارجية الروسية من تبعات إعلان فنلندا نيتها الانضمام لحلف الناتو، وهو الأمر الذي كان متوقعا بالنظر إلى سنوات من الوعيد الروسي لفنلندا إن فكرت بالانضمام لحلف شمال الأطلسي.

ولا تتوفر موسكو على أوراق كثيرة للضغط على فنلندا، لأن فنلندا لا تعتمد إلا اعتمادا محدودا على الغاز والنفط الروسيين، كما أنها منذ الحرب في أوكرانيا حضّرت نفسها لاحتمال قرار روسيا قطع الغاز والنفط عنها.

ومن بين المخاوف التي كانت لدى فنلندا قيام روسيا بهجمات إلكترونية على مرافق حيوية تعرقل حياة المواطنين وتجعلهم يرفضون فكرة الانضمام لحلف الناتو، إلا أن صحيفتي "فايننشال تايمز" (Financial Times) و"واشنطن بوست" (Washington Post) اتفقتا على أن فنلندا تتوفر على نظام إلكتروني مؤمّن إلى حد كبير.

المصدر : الجزيرة