تحذير رسمي ومستقبل مقلق.. مصر تقترب من الندرة المائية

Egypt, Cairo, Nile, Tahrir Square and Garden City
نهر النيل يمثل شريان حياة رئيسيا للمصريين (غيتي)

القاهرة – جاء تحذير الحكومة المصرية بشأن الاقتراب من حد الندرة المائية بعد لقاء رفيع المستوى بين مسؤولي القاهرة والخرطوم، ليزيد أجراس الإنذار والقلق في ظل استمرار أزمة سد النهضة الإثيوبي الذي تراه مصر خطرا على أمنها القومي ومهددا لمستقبلها المائي.

وثمن خبير سياسي متخصص في الشأن الأفريقي، تحدث للجزيرة نت، ما وصفه بـ"إعلاء خطاب الضرر في مواجهة الإضرار الإثيوبي"، مما يسهل لمصر أي إجراءات وقائية في الوقت الذي تراه مناسبا، على حد قوله.

وأعلن وزير الموارد المائية والري المصري محمد عبد العاطي السبت الماضي أن مصر تقترب من حد الندرة المائية، محذرا في خطاب موجه للخارج -عبر لقاء افتراضي ضمن فعاليات مؤتمر "أسبوع المناخ بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا"- من توابع ذلك على المنطقة.

جاء ذلك بعد لقاء مصري سوداني رفيع المستوى الأربعاء الماضي، حيث التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، وكان من بين القضايا التي ناقشاها قضية سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على نهر النيل ويهدد حصة المياه التاريخية للبلدين.

ووسط مفاوضات ثلاثية مجمدة منذ فترة، تتمسك مصر والسودان بالتوصل أولا إلى اتفاق ثلاثي حول ملء وتشغيل السد لضمان استمرار تدفق حصتهما السنوية من مياه نهر النيل، غير أن إثيوبيا ترفض ذلك، وتؤكد أن سدها الذي بدأت تشييده قبل نحو عقد لا يستهدف الإضرار بأحد.

الفقر المائي

ويذهب المختصون إلى تعريف ندرة المياه بأنها "عجز موارد المياه العذبة على تلبية الطلب على المياه"، لكن مصر لا تزال في مرحلة الفقر المائي وفق بيانات رسمية.

وقدرت الأمم المتحدة خط الفقر المائي بألف متر مكعب سنويا للفرد، بينما كشفت الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الري المصرية، أن نصيب الفرد في مصر لا يتجاوز 560 مترا مكعبا فقط، وسط مؤشرات بوصوله إلى 366 مترا بحلول عام 2050.

ووفق إحصائيات رسمية نشرها الموقع الرسمي لهيئة الاستعلامات المصرية (جهة حكومية)، تقدر موارد مصر المائية بحوالي 60 مليار متر مكعب سنويا من المياه، يأتي معظمها من مياه نهر النيل، بالإضافة لكميات محدودة للغاية من مياه الأمطار والمياه الجوفية العميقة بالصحاري.

في المقابل، يصل إجمالي الاحتياجات المائية في مصر إلى حوالي 114 مليار متر مكعب سنويا من المياه، بعجز يصل إلى 54 مليار متر مكعب سنويا، ويتم سد هذه الفجوة من خلال إعادة استخدام المياه، واستيراد محاصيل زراعية بما يعادل نحو 34 مليار متر مكعب سنويا، وفق بيانات رسمية.

وكان الرئيس المصري أعلن في مطلع العام الجاري أن مصر دخلت مرحلة الفقر المائي، وأن المياه القادمة من إثيوبيا تمثل نسبة 10% فقط من احتياجات البلاد.

إعلاء خطاب الضرر

في هذا السياق، يثمن خيري عمر -وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة سكاريا التركية والمتخصص في الشؤون الأفريقية- النهج المصري في إعلاء ما وصفه بـ"خطاب الضرر" باستخدام ورقة الندرة المائية بعد استمرار أسلوب الإضرار الإثيوبي بمصر والسودان، وفق تعبيره.

وفي حديثه للجزيرة نت، يضيف عمر أن الحديث الرسمي عن اقتراب مصر من حد الندرة المائية له تأثيران؛ أحدهما خارجي والآخر داخلي، حيث يساهم في تقويض مزاعم إثيوبيا ضد مصر، ومنها امتلاك القاهرة مصادر مياه مالحة بجوار العذبة وعدم تضررها من ملء السد، وبالتالي فهو خطاب مفيد لمواجهة إثيوبيا أمام المجتمع الدولي في ظل التعنت الإثيوبي، حيث يقوم بإثبات خطر ما بعد الفقر المائي، ومن ثم يعمل على عدم المساس بالحصة المائية.

ويوضح الأكاديمي المتخصص في الشؤون الأفريقية أن هذا الخطاب الرسمي المصري يقصد به الداخل أيضا، من حيث زيادة الوعي تحت تأثير الخوف من أجل ترشيد استخدام المياه، والعمل على البحث عن مصادر جديدة وتقليل المهدر، وهو ما ظهر في إجراءات رسمية عديدة منها تبطين الترع والمصارف.

ويعتقد الأكاديمي المصري أن موقف بلاده متقارب مع نظيره السوداني منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2020، خاصة الاتفاق على إعلاء خطاب الضرر بعد رصد الجانب المصري خطابا متناقضا في الجانب السوداني، حيث كانت وزارة الري السودانية تميل إلى التقليل من مخاطر السد، ولكن بعد ذلك صارت المواقف السودانية أكثر تنسيقا مع مصر.

واعتبر خيري عمر أن ذلك يؤدي إلى وحدة الموقف في المواجهة الحالية بعدما تخلت إثيوبيا عن حسن النية وتمسكت بالإضرار الكارثي بالمصالح المائية لمصر والسودان، وفق قوله، وهو ما يسهل أي إجراء وقائي يعزز التدابير اللازمة لحماية المصالح المصرية في الوقت المناسب.

تداعيات مقلقة

وفي نهاية مارس/آذار 2021 قال الرئيس المصري "نحن لا نهدد أحدا، ولكن لا يستطيع أحد أخذ نقطة مياه من مصر، وإلا ستشهد المنطقة حالة عدم استقرار لا يتخيلها أحد". ولفت السيسي إلى أنه لم يسبق له أن تحدث بهذه اللهجة، وأنه لا يهدد، ولكن "المساس بمياه مصر خط أحمر… ومن يريد أن يجرب فليجرب"، على حد قوله.

وفي أبريل/نيسان 2021 قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إن بلاده دخلت مرحلة الفقر الحاد في ما يخص المياه، وإنها تعمل على تسخير مواردها للاستفادة من كل قطرة ماء. وإن السلطات المصرية لن تتنازل عن أي قطرة مياه من حصتها من نهر النيل، وفقا لاتفاقية 1959.

وفي حديث سابق لقناة الجزيرة، أكد وزير الموارد المائية والري المصري محمد عبد العاطي أن القاهرة وضعت خططا إستراتيجية لمواجهة وقوعها تحت خطر الفقر المائي، من بينها إقامة أضخم محطات في العالم لمعالجة المياه.

ورجح الوزير حدوث تداعيات كارثية لأي نقص في حصة مصر من مياه النيل، مؤكدا أن ذلك قد يدفع الفقراء المتضررين إما إلى الانضمام إلى جماعات متطرفة، أو إلى الهجرة غير الشرعية لأوروبا، وفق رأيه.

في الإطار ذاته، أكد نادر نور الدين أستاذ الموارد المائية في جامعة القاهرة والخبير المائي؛ أن مصر تقع تحت خطر الفقر المائي، وتتجه للندرة المائية، وهو ما ينعكس -وفق رأيه- على القطاع الزراعي بشدة في ظل توزيع المياه على قطاعات أخرى لها أولوية منها مياه الشرب، وهو ما يوسع الفجوة الغذائية وزيادة نسب الاستيراد ذات الكلفة العالية وزيادة استثمارات تحلية المياه، ما يكبد موازنة الدولة المصرية المزيد من الأعباء، وفق تصريحات صحفية.

وفي دراسة حديثة كشفت عنها الجامعة الأميركية بالقاهرة فإن "ندرة المياه أصبحت من أكثر قضايا الأمن الغذائي إلحاحا في بلاد الشرق الأدنى وشمال أفريقيا وخاصة في مصر". وبررت الدراسة -التي أجرتها الجامعة بالتعاون مع باحثين بارزين- الأزمة بأن عدد المصريين يتزايد باستمرار ويعتمدون بصورة أساسية على مصدر ثابت ومحدد للمياه العذبة وهو نهر النيل.

وأكدت الدراسة أن أثر ندرة المياه على الإنتاج الزراعي وعلى توفر الغذاء؛ يشكل قضية ملحة يجب معالجتها، مشددة على أهمية إشراك المزارعين المحليين للتوائم مع مشكلة ندرة المياه، وصولا إلى حلول واقعية.

وفي أغسطس/آب 2021، ووفقا لدراسة جديدة لباحثين من قسم الهندسة المدنية والبيئية في "معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا" (Massachusetts Institute of Technology) المعروف باختصار "إم آي تي" (MIT)؛ فإن مصر سوف تستورد من المياه أكثر مما يوفره النيل إذا لم يتم إجراء تغييرات.

ويقدم البحث -الذي نُشر في دورية "نيتشر كوميونيكيشنز" (Nature Communications)- أيضا توصيات حول الطرق التي يمكن لمصر من خلالها الحفاظ على إمدادات المياه والاستفادة منها من أجل مستقبل أكثر استدامة.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي