نقابة الأطباء تدق ناقوس الخطر.. هجرة الأطباء تهدد صحة المصريين

تحت المجهر - نقابة الأطباء في مصر، كيان يلم شمل الأطباء ويدعم مطالبهم
مقر نقابة الأطباء المصريين في القاهرة (الجزيرة-أرشيف)

القاهرة – حذرت نقابة الأطباء المصرية من استمرار عزوف الأطباء عن العمل بالقطاع الحكومي، فضلا عن تزايد سعيهم للهجرة خارج مصر، مطالبة رئيس الوزراء والجهات المعنية بالتدخل لتصحيح الأخطاء وتحسين منظومة الصحة بجميع أطرافها.

وكشفت نقابة الأطباء في تقرير عن استقالة أكثر من 11 ألف طبيب من العمل بالقطاع الحكومي منذ عام 2019، مشددة على أنها رصدت استقالة نحو ألف طبيب خلال 3 شهور من العام الجاري.

وتحت عنوان "نقابة الأطباء تدق ناقوس الخطر"، حذرت نقابة الأطباء من معوقات استقرار المنظومة الصحية، معربة عن أملها أن يكون هذا التقرير محل دراسة للتغلب على صعوبات المنظومة الصحية، ومنها العجز الشديد في أعداد الأطباء.

دراسة 2019

تقرير نقابة الأطباء الذي صدر الخميس الماضي، أشار إلى دراسة أصدرتها وزارة التعليم العالي المصرية بالتعاون مع وزارة الصحة في مارس/ آذار 2019، عن مدى احتياجات مصر للأطباء البشريين والمقارنة بالمعدلات العالمية.

وذكرت الدراسة الحكومية أن أعداد الأطباء البشريين المرخص لهم مزاولة مهنة الطب حتى آخر عام 2018 -بدون أطباء المعاش- يقرب من 213 ألف طبيب، بينما من يعمل وقتها فعليا في مصر بالجهات المختلفة -التي تشمل وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية والخاصة وغيرها- لا يزيد على 82 ألف طبيب فقط، وذلك بنسبة 38% من القوة الأساسية المرخص لها بمزاولة مهنة الطب.

وقدمت الدراسة عدة توصيات، منها تبني الدولة بكافة مؤسساتها خطة لاسترجاع الأطباء للعمل بالقطاع الحكومي المصري، تقوم على عدة محاور أبرزها رفع المستوى التدريبي، وتأمين بيئة العمل المناسبة ورفع المستوى المادي والاجتماعي للأطباء، واستهدفت الخطة عودة 60 ألف طبيب للعمل بالقطاع الصحي الحكومي خلال 5 سنوات.

كما أوصت الدراسة بضرورة العمل على زيادة عدد الطلاب المقبولين بكليات الطب بالجامعات الحكومية والخاصة، بما لا يتعارض مع إمكانيات الكليات والمستشفيات الجامعية في توفير مستوى جيد من التعليم الطبي، وأوصت كذلك بالتوسع في إنشاء كليات طب جديدة، بما لا يخل بمعايير الالتحاق أو التدريب الطبي فيها.

الوضع أسوأ

وقالت نقابة الأطباء في تقريرها، إنه بعد مرور 3 سنوات على إصدار تلك الدراسة، ورغم الاهتمام الذي أبدته السلطات وتنفيذ بعض توصياتها مثل زيادة أعداد المقبولين بكليات الطب، وإنشاء كليات طب جديدة، غير أن الأرقام والإحصائيات تؤكد أن الوضع ما زال سيئا أو أسوء، بحسب وصفها.

وكشف التقرير أن القرارات التي تم اتخاذها لم تكن كافية لاستعادة الأطباء، بل أثبتت الأرقام زيادة عزوف الأطباء عن العمل بالقطاع الحكومي، وتزايد سعيهم للهجرة خارج مصر.

وقارن التقرير بين السنوات الثلاث التي سبقت الدراسة الحكومية والسنوات الثلاث التالية لها، حيث تبين أن السنوات الأولى شهدت استقالة حوالي 6200 طبيب، فيما شهدت السنوات الثلاثة التالية للدراسة استقالة أكثر من 10 و600 طبيب، بخلاف استقالة ما يقرب من ألف طبيب خلال الثلاث أشهر الأولى من العام الجاري، ليزيد عدد المستقيلين منذ بدء الدراسة على 11 و500 طبيب.

وأوضحت النقابة أن عام 2021 شهد استقالة أكبر عدد من الأطباء من الحكومة مقارنة بالسنوات السابقة بإجمالي 4127 طبيبا.

معوقات وعراقيل

تقرير نقابة الأطباء حدد مجموعة من المعوقات والعراقيل التي تواجه الأطباء في مصر وتؤدي إلى تفضيلهم الهجرة خارج البلاد، سواء الراغبين منهم في العمل الحر، أو العمل ضمن المستشفيات الحكومية.

وقال التقرير إنه في الوقت الذي تنتشر فيه ما وصفه بأوكار يتم خلالها تداول أدوية مجهولة المصدر، مثل عيادات التخسيس ومراكز علاج الإدمان غير المرخصة، ويتم اختلاق تعليمات واشتراطات لم ينص عليها القانون، وتصل إلى التعجيزية، للأطباء عند سعيهم لترخيص منشآت صحية خاصة.

كما استعرض التقرير عددا من حالات وصفها بـ "التعسف الإداري أو القهر" التي يتعرض لها أطباء متميزون، يتم رفض تعيينهم بالجامعات من دون أي مبرر، ورفض بعض المستشفيات تسليم الأطباء عملهم من دون إعلان أسباب، رغم العجز الشديد الذي تعاني منه المستشفيات والجامعات.

وأشار أيضا إلى أزمة معاملة الأطباء كالمجرمين، في غياب قانون المسؤولية الطبية التي تطالب النقابة بإصداره منذ سنوات، حيث يعاقب القانون المصري الطبيب بالحبس حال تسببه بأي ضرر طبي لمريضه، في حين أن أغلب الدول بها قانون للمسؤولية الطبية في حالة وجود خطأ طبي من طبيب مؤهل نتج عنه ضرر للمريض، تكون العقوبة التعويض المالي حسب درجة الضرر.

كما أشار التقرير إلى أن الطبيب المصري الذي يعمل في مستشفيات وزارة الصحة يحصل على راتب لا يمكن مقارنته بأي طبيب في العالم، حيث لا يتجاوز متوسط راتب الطبيب المقيم في مصر 3700 جنيه (حوالي 200 دولار)، بينما متوسط المعاش التقاعدي للطبيب بعد نحو 35 سنة عمل بالحكومة 2300 جنيه مصري (حوالي 125 دولار).

وفي ختام تقريرها، أكدت نقابة الأطباء إيمانها بأن التنسيق والتواصل المباشر مع الجهات المعنية والعمل الجمعي في خطة جادة لتصحيح الأخطاء وإقرار معايير ونظام واضح، ستؤدي إلى حلول للمشكلات وتحسين منظومة الصحة بجميع أطرافها.

وأشارت النقابة إلى طلبها اجتماعا موسعا برئاسة رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، يضم الجهات المعنية لبحث مشكلات القطاع الطبي ووضع حلول واتخاذ قرارات موحدة.

تبرير حكومي

وبينما تعاني مصر عجزا في عدد الأطباء، رأى البعض -ومنهم تصريح سابق للرئيس عبد الفتاح السيسي- أن البحث عن المال هو غاية الأطباء في هجر بلادهم.

وفي نهاية فبراير/شباط الماضي، قال السيسي إن الأطباء يغادرون مصر بحثا عن فرص عمل في دول أخرى، مشيرا إلى أن الحكومة تتمنى أن تدفع رواتب تناسب الأطباء، لكنها لا تقدر على ذلك.

بدوره، أكد عضو لجنة الشؤون الصحية بمجلس النواب عبد المنعم شهاب أن الدول الأوروبية ودول الخليج العربي تفتح أبوابها للأطباء المصريين، بسبب ما تعانيه من عجز في خريجي كليات الطب، وابتعاد الشباب الأوروبي عن دراسة الطب لصعوبته وارتفاع تكلفته.

كما أشار شهاب -في تصريحات صحفية- إلى مهارة الطبيب المصري في التخصصات الدقيقة، مثل جراحات القلب والمخ والأعصاب، مما يجعله هدفا مرغوبا فيه لهذه الدول، ويحصل فيها على أجور مرتفعة مقارنة بأجور الأطباء في مصر.

وتحت عنوان "لماذا يهاجر الأطباء"، أشارت الطبيبة والناشطة منى مينا إلى ظروف عمل الأطقم الطبية في مصر، لا سيما في المستشفيات الحكومية، من مرتبات شديدة التدني وقلة أعداد الأطباء وكثرة المرضى والإمكانيات الضعيفة والصعوبة في تقديم خدمة طبية مرضية، وتحمل الأطباء غضب المرضى وأهاليهم نتيجة عدم الرضا بالخدمة المقدمة، وضعف إجراءات مكافحة العدوى، مما تسبب مثلا في أعداد رهيبة من وفيات الأطباء المتصدين لجائحة كورونا.

واستنكرت مينا عدم الاستجابة لمطالب الأطباء برفع ميزانية الصحة لتحسين إمكانيات العمل وتحسين أجور الأطباء والفريق الطبي، مشيرة إلى أن التحرك الوحيد الذي تراه هو المزيد من التشديد لمنع سفر الأطباء بكل السبل.

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي