الثلث المعطل في العراق.. أسلوب طارئ أم خيار إستراتيجي؟

الإطار التنسيقي عمد إلى مقاطعة جلستي البرلمان يومي السبت والأربعاء الماضيين المخصصتين لاختيار رئيس للبلاد للضغط على القوى الأخرى للتوافق معه.

Iraqi lawmakers attend a session of the Iraqi parliament, in Baghdad
البرلمان العراقي فشل في جلستين متتاليتين خلال أسبوع من إكمال النصاب القانوني لاختيار رئيس للبلاد (رويترز)

بغداد – أصبح مصطلح "الثلث المعطل" الأكثر تداولًا في الأوساط السياسية العراقية، حيث شكل تساؤلات عن اعتماده خيارا إستراتيجيا لدى قوى الإطار التنسيقي أم إنه خيار مرحلي فرضته الضرورة والمعادلة الجديدة؟

وتمكنت قوى الإطار التنسيقي برئاسة زعيم "دولة القانون" نوري المالكي المالكي و"تحالف الفتح" هادي العامري من جمع أكثر من ثلث البرلمان العراقي، وعطّلت جلستي انتخاب رئيس الجمهورية مرتين متتاليتين؛ الأولى السبت الماضي والأخرى أمس الأربعاء.

وفي التجارب الانتخابية الماضية، كان الخلاف حول أسماء مرشحي الرئاسات الثلاث (رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان) العائقَ الأكبر أمام التفاهم بين الكتل البرلمانية، أما في الانتخابات الأخيرة التي أجريت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي فإن الخلاف ينصب حول آلية ترشيح الشخصيات للمناصب.

وفي الوقت الذي يصرّ فيه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على حكومة أغلبية وطنية وشكل لذلك تحالف "إنقاذ الوطن" بمشاركة تحالف السيادة السنّي، والحزب الديمقراطي الكردستاني، فإن قوى الإطار التنسيقي رفضت تلك المعادلة، وطالبت بضرورة إشراكها في الحكومة المقبلة، مستندة بذلك إلى "الثلث المعطل"، في حين يشير نواب ضمن قوى الإطار التنسيقي إلى أن هذا الخيار مرحلي، لكنه ورقة ضاغطة، ستبقى في اليد تستخدم عند الحاجة.

محمد البلداوي ـ الصور من ارشيفه الخاص
البلداوي: الإطار التنسيقي اعتمد خيار الثلث الضامن مؤقتا للضغط على الأطراف السياسية الأخرى (الجزيرة نت)

خيار مؤقت

ويرى النائب عن قوى الإطار التنسيقي محمد البلداوي أن "اعتماد خيار الثلث الضامن مؤقت، لحين استجابة الأطراف السياسية لما نراه الأفضل في الوقت الحالي، لكننا بدأنا بإطلاق مبادرة واسعة، ترتكز على الحوار والتفاهم، وإنهاء حالة المقاطعة لجلسات البرلمان، وتغيير معطيات الوضع الحالي".

وأشار إلى أن "الثلث الضامن المتشكل من القوى الوطنية" ربما يعود في المستقبل مرة أخرى إلى التجمع والتكتل إذا شعر بوجود مخاطر على العملية السياسية.

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف البلداوي أن ما حدث من مقاطعة الثلث هو نشاط ديمقراطي، وفق الدستور والقوانين، واستخدام للحق في الاعتراض على التهميش والإقصاء وسلب الحقوق وعدم احترام المكونات، وبالفعل أتت تلك الفعالية بثمارها، وأوقفت الطرف الآخر (إنقاذ الوطن) عن المسار الذي كان يتجه إليه".

وبشأن تشابه هذا النموذج مع تجربة "حزب الله" وحركة "أمل" اللبنانيين، علق البلدواي قائلا إن "هذه التجربة شائعة، وتُستخدم في الدول الديمقراطية، عندما يشعر أحد الأطراف بوجود تهديد أو خطر، أو مسار غير صائب".

وفي خضم هذا التحول في المشهد السياسي العراقي، لا يمكن تجاوز التجربة اللبنانية، عندما تستخدم المعارضة من أعضاء "حزب الله"، وحركة أمل ما يُسمى هناك بـ"الثلث المعطل" لعرقلة انعقاد جلسات مجلس الوزراء، أو البرلمان.

وفي الانتخابات النيابية اللبنانية في عام 2018 نجح حزب الله وحركة أمل بالتحالف مع كتل أخرى في تشكيل قوى 8 آذار بتكوين الثلث المعطل -أي أكثر من ثلث البرلمان- ويمكنه تعطيل نصاب انعقاد الجلسات التي تناقش وتصوّت على قرارات مهمة.

نتائج انتخابات مجلس النواب العراقي 2021
نتائج انتخابات مجلس النواب العراقي 2021 (الجزيرة نت)

تهديد العملية السياسية

ولم تتمكن قوى الإطار التنسيقي (83 نائبا) من تعطيل جلسات البرلمان الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية، من دون مساندة من كتل وأحزاب أخرى، مثل الاتحاد الوطني الكردستاني (17 مقعدا)، وتحالف عزم (12 مقعدا)، وكتل صغيرة أخرى مثل إشراقة كانون (6 مقاعد) وغيرها، وهو ما يهدد هذا الثلث بحصول تلك الكتل على مبتغاها من المناصب الحكومية، أو تحقيق مطالبها.

وفي ظل تلك الأجواء يحذر خبراء من انعكاس هذا النموذج على مستقبل العملية السياسية بشكل عام، في وقت يعاني فيه العراق من أزمات اقتصادية وسياسية تحتاج إلى عمل جدّي وقرارات واضحة وراسخة، وسط وجود تكتل متأهب لتعطيل أي قرار لا يخدم مصالحه، أو يتعارض مع رؤيته.

وفي هذا الإطار يرى الخبير الكاتب والمحلل السياسي علي البيدر أن "أضرار نموذج الثلث المعطل خطيرة على المستوى السياسي، إذ يتيح للأقلية أن تمنع رأي الأغلبية، وبذالك سوف تكون كل القرارات أو المواقف بيد الأقلية، وهذا خطأ جوهري، تجب مواجهته، فضلا عن إمكانية أن يتحول إلى عرف سياسي سائد، أو ثقافة وافدة جديدة".

المحلل السياسي علي البيدر الجزيرة
البيدر حذر من مسارات سلبية ستنتج عن اعتماد الثلث المعطل (الجزيرة نت)

وحذر البيدر -في حديثه للجزيرة نت- من مسارات سلبية ستنتج عن اعتماد الثلث المعطل، فعلى سبيل المثال يمكن في المستقبل إنشاء تكتلات مناوئة للإصلاح، أو صناعة "لوبيات"، وتكتلات ضاغطة، داخل العملية السياسية، وذلك يعني إفشال كل المحاولات الرامية إلى توفير ساحة إصلاحية على المدى القريب أو حتى البعيد.

ونبّه إلى أن القوى السياسية إذا استمرت في المناكفات في إطار علمية انتخاب رئيس الجمهورية الأسبوع المقبل، فإن اتجاهات شعبية ستفقد الثقة بالعملية السياسية وبالانتخابات.

غير أن سياسيًّا في التيار الصدري (رفض الكشف عن اسمه) شكك في وجود ما يُسمى "الثلث المعطل"، مشيرا إلى أنه لا يمكن القول بوجود هذا الثلث بالمعنى المتعارف عليه، بسبب تباين الرؤى والتوجهات، والأفكار للأحزاب المنضوية في الإطار التنسيقي.

وأضاف أن ما حدث عقب الانتخابات النيابية هو رغبة تحالف "إنقاذ الوطن" بتأليف الحكومة، واقتصارها على كتل محددة، وهذا يعني تحمل المسؤولية بشكل واضح، وسيكون بعد 4 سنوات، في جدول التقييم الخاص بالشارع العراقي.

وبشأن ما إذا كانت تحالف "إنقاذ الوطن" سيذهب للمعارضة، إذا أخفق في تشكيل الوزارة، أكد السياسي الصدري أن "الكتل الأخرى غير قادرة على تشكيل الحكومة، وهي تمتلك فقط ثلث البرلمان بشكل وقتي، وهذا يعني ضرورة المضي بمشروعنا، ومحاولة الاتفاق مع بعض الكتل لتليين المواقف، وإطلاعهم بوضوح على طبيعة فكرتنا، بقيادة الحكومة".

وفي العراق، تجري العادة على أن تقاسم السلطة يكون على مبدأ التوافق، وأن تشكّل القوى الشيعية مجتمعةً الكتلة الأكبر في البرلمان التي عليها اختيار رئيس للحكومة، لكن الصدر يريد الانقطاع عن ذلك التقليد.

وقانونيا، ليس أمام البرلمان سوى حتى السادس من أبريل/نيسان لانتخاب رئيس، إثر قرار من المحكمة الاتحادية، أعلى سلطة قضائية في البلاد. وإذا تخطى هذا التاريخ، ليس في الدستور ما يحدّد كيفية التعامل مع المسألة، ولذلك تبقى الاحتمالات مفتوحة إذا لم تتوصل الأطراف المعنية إلى اتفاق.

وإذا تواصل الانسداد السياسي، قد يُلجأ إلى حلّ البرلمان والذهاب لانتخابات مبكرة جديدة، وهذا يحتاج أن يعرض ثلث أعضاء البرلمان حلّه أمام المجلس النواب، ثم يصوّت المجلس نفسه بالنصف+واحد، ويحلّ البرلمان نفسه.

المصدر : الجزيرة