هل يتوقف مصير تايوان على نتيجة حرب روسيا وأوكرانيا؟

مناورات للقوات التايوانية في سبتمبر/أيلول الماضي (الأوروبية)

واشنطن – في مارس/آذار من العام الماضي حذر الأدميرال فيليب ديفيدسون القائد السابق للقوات الأميركية بمنطقة المحيطين الهندي والهادي، أعضاء الكونغرس من أن الصين قد تغزو تايوان في غضون السنوات الست المقبلة. وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي قدر وزير الدفاع التايواني تشيو كو تشنغ فترة أقصر، مؤكدا أن الصين ستكون قادرة على غزو واسع النطاق لبلاده بحلول عام 2025.

تبعد جزيرة تايوان عن الأراضي الصينية أقل من 160 كيلومترا، وتعتبرها بكين مقاطعة منشقة يجب أن تعود للبيت الصيني الواحد، في حين تدعم واشنطن تايوان عسكريا وتمدها بأحدث ما لديها من أسلحة لردع الصين.

وقد جدد الغزو الروسي لأوكرانيا النقاش في العاصمة الأميركية حول رد فعل واشنطن إذا أقدمت الصين على خطوة مشابهة للخطوة الروسية.

ومع إحجام إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عن التدخل العسكري في أوكرانيا، ورفضها اتخاذ أي خطوات قد تراها روسيا تصعيدية مثل فرض منطقة حظر طيران أو إمداد الجيش الأوكراني بطائرات مقاتلة، زادت الشكوك حول ما إذا كانت واشنطن ستساند تايوان إذا تعرضت لموقف مشابه لما تتعرض له أوكرانيا حاليا.

تقديرات واشنطن

تتبنى واشنطن سياسة "الغموض الإستراتيجي" فيما يتعلق بإمكانية تدخلها عسكريا لمنع الصين من ضم تايوان إليها، وفي الوقت ذاته لا تعترف واشنطن بتايوان دولة مستقلة، ولا تقيم معها علاقات دبلوماسية.

ويرى بعض المعلقين أن واشنطن أظهرت للصين -من خلال ردها على روسيا- ما يمكن توقعه إذا قامت بكين بمحاولة لغزو تايوان.

من جهتها، ترى مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية آفريل هاينز أن الصين أصبحت بالفعل أكثر ترددا في غزو تايوان مما كانت عليه قبل عدة أشهر فقط.

وفي جلسة استماع أمام لجنة الاستخبارات بمجلس النواب في الثامن من مارس/آذار الجاري، قالت هاينز إن رد الفعل الأميركي على غزو أوكرانيا "من المرجح أن يعزز وجهة نظر الصين بشأن الجدية التي سنتعامل بها مع أي تحرك عسكري تجاه تايوان. وتكترث الصين كثيرا بالوحدة التي رأتها بين أوروبا والولايات المتحدة، خاصة في فرض العقوبات".

وفي الجلسة نفسها، قال مدير وكالة الاستخبارات المركزية "سي آي إيه" (CIA) وليام بيرنز إن بكين "فوجئت بمقاومة أوكرانيا وقوة رد الفعل الغربي".

لكن كلا المسؤولين الأميركيين أكدا أنه لا ينبغي استنتاج أن بكين غيرت موقفها المبدئي من ضرورة عودة تايوان إليها.

في الوقت نفسه، طالب بعض المعلقين أن تتعلم واشنطن من محاولاتها الفاشلة لردع روسيا عن غزو أوكرانيا وتحسين نهجها إذا كانت تأمل في تجنب هجوم صيني مماثل ضد تايوان.

ويطالب خبراء عسكريون بزيادة قدرات القوات التايوانية، خاصة فيما يتعلق بالأسلحة التي أثبتت فعالية في حرب أوكرانيا، مثل الطائرات المسيرة وقدرات الدفاع الجوي والمدافع الخفيفة المضادة للدروع والمركبات.

كما يرى دانيال بلومنتال، خبير الشؤون الصينية بمعهد أميركان إنتربرايز (American Enterprise Institute) أن الدرس المستفاد من أوكرانيا بالنسبة لتايوان هو أن القدرة على الحصول على إقرار كامل من حلف شمال الأطلسي (ناتو) بأن روسيا هي المعتدي بلا جدال، كانت أمرا أساسيا، وهذا عمل دبلوماسي وليس عسكريا، والمساعدات العسكرية الكبيرة هي نتيجة لذلك".

وأضاف "نحن لا نفعل ذلك في حالة تايوان، ونستمر فقط في تكرار سياسة أن هناك صينا واحدة".

تعقيدات أمام الصين

يؤمن خبراء الشؤون الصينية أن هدف بكين يتمثل في إجبار تايوان على تلبية مطالبها السياسية -أي قبول السيطرة الصينية على الجزيرة- مع منع الولايات المتحدة من الوقوف في الطريق.

وفي حين يمكنها أن تغزو تايوان لتحقيق هذه النتيجة، فإنها ليست بالضرورة بحاجة إلى القيام بذلك. وربما ترضى الصين بنتيجة شبيهة بنموذج هونغ كونغ، فتقوم حكومة أكثر رضوخا بتولي السلطة في تايبيه وتقدم تنازلات تعزز السيطرة الصينية على الجزيرة.

لكن في الوقت ذاته، عقدت أزمة أوكرانيا من حسابات الصين، خاصة مع فعالية المساعدات العسكرية الغربية المقدمة لجيش أوكرانيا الصغير، عددا وعدة، وهو ما ساهم في تكبيد الجيش الروسي خسائر كبيرة، ومنح الجيش التايواني مزيدا من الثقة في النفس وفي إمكانية مواجهة الجيش الصيني الضخم.

ورغم وجود اختلافات كبيرة بين أوكرانيا وتايوان، فإن هناك أوجه تشابه مهمة. ومع دخول حرب روسيا على أوكرانيا شهرها الثاني، يؤثر سير الحرب على طموح بكين في إخضاع تايوان عسكريا حال اضطرارها لذلك.

وتوفر تجربة تعرض الجيش الروسي لمشاكل في الخدمات اللوجيستية والعمليات القتالية، خاصة مع توافر الخبرة القتالية الحديثة في الشيشان وسوريا وجورجيا وأوسيتيا الجنوبية وأبخازيا وشبه جزيرة القرم، درسا جديا للصينيين، إذ لا يتمتع الجيش الصيني بهذا النوع من الخبرة في المعارك، فهو لم يخض حربا منذ عام 1979، وغزو روسيا لأوكرانيا جوهره عملية عسكرية برية واضحة، بعكس صعوبات الاستيلاء على جزيرة تبعد 160 كيلومترا عن البر الصيني.

ومن المرجح أن يضطر الجيش الصيني إلى نقل ملايين الجنود عبر مضيق تايوان الطويل وإنزالهم تحت النيران في مكان ما على شواطئ الجزيرة، وهو ما يسهل من مواجهتهم عسكريا.

غياب الناتو بشرق آسيا

في بداية حرب أوكرانيا، رأى خبراء أن الصين هي الفائز الحقيقي في الصراع بين الغرب بقيادة واشنطن من جانب، وروسيا من جانب آخر، حيث تنشغل الولايات المتحدة مجددا بالأمن الأوروبي. إلا أن طول أمد القتال، واستمرار الدعم الأميركي والغربي الواسع لأوكرانيا، يبعث برسائل مزعجة لمخططي السياسة الخارجية في الصين.

ويرى البروفيسور جون كاليبريس، خبير الشؤون الصينية بالجامعة الأميركية بواشنطن أن "رد الفعل الدولي القوي والرد الغربي الموحد" على الحرب -وكلاهما على الأرجح لم يكن متوقعا من قبل بكين- دفع المسؤولين الصينيين إلى إعادة ضبط حساباتهم.

وقد أضاف هذا الرد الغربي الموحد وغير المتوقع، والذي انضم إليه كذلك حلفاء واشنطن في شرق آسيا كاليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، نقطة إضافية مربكة لحسابات بكين. فقد تم فرض عقوبات شديدة على روسيا من دول المعسكر الغربي، إضافة لحلفاء واشنطن الآسيويين.

ولا يوجد حلف الناتو في آسيا، ولا توجد دولة واحدة -ناهيك عن أي تحالف متعدد الأطراف- ملتزمة بالمثل بسيادة تايوان واستقلالها السياسي، على عكس الوضع مع أوكرانيا. لكن تملك واشنطن سلسلة من التحالفات التي تستهدف الصين بصورة مباشرة.

ودشنت واشنطن حلف "أوكوس" الثلاثي الذي يضم الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، وقبل ذلك فعّلت تجمع "كواد" الرباعي الذي يشمل الولايات المتحدة واليابان والهند وأستراليا.

وعلى عكس حالة أوكرانيا، يوجد الكثير من العسكريين الأميركيين داخل تايوان لتدريب قواتها المسلحة. وفي حديث مع الجزيرة نت، أشارت يون صن، خبيرة شؤون شرق آسيا والمحيط الهادي بمركز ستيمسون (Stimson Center) إلى أن الصينيين يعلمون بوجود قوات أميركية في تايوان منذ سنوات، وهو ما يمثل "رسالة ردع مفادها أن أي هجمات صينية ستضر بشكل مباشر بالعسكريين الأميركيين في تايوان، مما يصعد من عواقب الهجمات بشكل كبير، لأنه لن يضر فقط بالتايوانيين، ولكن بالأميركيين أيضا".

في يوليو/تموز الماضي، وصفت مجلة إيكونوميست (The Economist) البريطانية تايوان بأنها "أخطر مكان على وجه الأرض"، ويبدو أن الحرب في أوكرانيا لم تغير هذه الحقيقة.

المصدر : الجزيرة