عملية بئر السبع.. محطة فاصلة تنذر بانفجار الأوضاع بالنقب

مداهمات واقتحامات من الشرطة الإسرائيلية للقرى العربية البدوية بالنقب (الجزيرة)

القدس المحتلة- أبدت المؤسسة الإسرائيلية مخاوفها من تفجر الأوضاع واندلاع المواجهات داخل الخط الأخضر وخاصة في منطقة النقب، وذلك في وقت يتصاعد التوتر ويتنامى التحريض لعناصر اليمين المتطرف على فلسطينيي 48.

وقد ازدادت وتيرة هذا التحريض عقب عملية بئر السبع، مساء الثلاثاء، وهي العملية التي أسفرت عن مقتل 4 إسرائيليين واستشهاد المنفذ.

وعقب العملية وما تبعها من مسيرات تحريضية لليمين المتطرف ولعناصر المليشيا اليهودية المسلحة "سرية بارئيل"، أعلنت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية عن حالة استنفار قصوى في البلاد وخاصة في منطقة النقب، حيث يقطن منفذ العملية وهو بدوي من فلسطينيي 48، وكذلك رفع حالة التأهب، خشية من وقوع عمليات مشابهة مستقبلا.

وتبدي المؤسسة الأمنية مخاوف من تنفيذ سلسلة هجمات مماثلة حتى داخل الخط الأخضر، يقوم بتنفيذها أفراد من فلسطينيي 48، وبناء على ذلك أعطيت التعليمات لجهاز المخابرات "الشاباك" لتكثيف عملياته وجمع المعلومات، وتعقب كل من كان ضالعا، من المواطنين العرب حمَلة الجنسية الإسرائيلية وخاصة في النقب، سابقا في أحداث أمنية.

وأجمع محللون إسرائيليون بأن عملية بئر السبع هي نتائج لفشل استخباراتي للأجهزة الأمنية الإسرائيلية، واتفقوا فيما بينهم على أن العملية التي نفذها محمد غالب أبو القيعان (34 عاما)، من بلدة حورة بالنقب تعتبر محطة مفصلية بالعلاقات بين المواطنين العرب واليهود.

ولا يستبعد المحللون العسكريون أن تتجه الأوضاع داخل الخط الأخضر إلى تصعيد حقيقي وانفجار للأوضاع ومواجهات بين العرب واليهود خاصة بالمدن المختلطة، وذلك على غرار أحداث هبة الكرامة في مايو/أيار الماضي، التي رافقت العملية العسكرية الأخيرة على قطاع غزة.

سيناريوهات ومشاهد

وفي قراءة لعملية بئر السبع وتداعياتها من وجهة النظر الإسرائيلية، يقول المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل إن "الهجوم ببئر السبع يذكرنا بذكريات من الماضي لعمليات نفذها مهاجم منفرد وأوقع الكثير من القتلى باستخدامه وسائل بسيطة مثل السكين والمركبة، وهي ذاتها المشاهد والسيناريو الذي قد يتكرر مستقبلا".

وأوضح أن عملية بئر السبع التي تأتي في ظروف استثنائية وتصاعد في التوتر بالنقب سواء على خلفية تجريف وحرش الأراضي للبدو أو الإعلان عن تشكيل المليشيا المدنية المسلحة "سرية بارئيل" وحلول شهر رمضان، تشكل تحذيرات استخباراتية وتضع الحكومة الإسرائيلية أمام تحديات بشأن استمرار ولايتها.

ويعتقد أن عملية بئر السبع وما أعقبها من ردود الفعل للإسرائيليين والتي دعت لاتخاذ مواقف وإجراءات صارمة ضد الفلسطينيين، وما قد يرافقها من أحداث وتطورات قد تشكل ضوءا أحمر للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية بأن هناك وصفة لعاصفة كاملة تؤدي إلى تصعيد أمني متجدد في الضفة الغربية والقدس، ومناطق الخط الأخضر.

تداعيات وتصعيد

ولكن يبدو أن هذه هي اللحظة التي يكون فيها من الأفضل تجنب ردود فعل متطرفة، يقول المحلل العسكري "وذلك على الرغم من تصاعد التوتر مؤخرا، على خلفية دينية – قومية، إذ يمكن أن تؤدي تداعيات عملية بئر السبع إلى تصعيد أكثر حدة حول التداخل بين رمضان وعيد الفصح العبري".

وأشار المحلل العسكري إلى أن جميع من نفذوا العمليات في الأيام الأخيرة في القدس وضواحيها يحملون الهوية الزرقاء الإسرائيلية، علما بأن عملية بئر السبع ومنفذها الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية، هي العملية الوحيدة التي وقعت داخل الخط الأخضر.

وتأتي عملية بئر السبع في وقت تشهد الضفة حالة من الهدوء النسبي وعدم رغبة فصائل المقاومة الفلسطينية تصعيد جبهة غزة، وفقا لتقديرات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، حيث نقل هرئيل عنها قولها إن "الهدوء بالضفة وغزة ليس صدفة، فهناك مصلحة واضحة لدى السلطة الفلسطينية وحماس بأن يمر رمضان بسلام خلافا لما حصل بالعامين الماضيين".

الحكم والسيطرة

ومع التقديرات الإسرائيلية لإمكانية الهدوء بالضفة وغزة، تأتي عملية بئر السبع لتشير إلى أن الجبهة الداخلية يمكن أن تشتعل بسبب عملية فردية، إذ يعتقد المراسل العسكري للموقع الإلكتروني "واي نت"، يوسي يهوشع، أن عملية بئر السبع نفذها أبو القيعان بمفرده، علما بأنه أدين بالسجن 4 سنوات لتأييده تنظيم الدولة (داعش)، لكن منذ إطلاق سراحه لم يقم بأي نشاطات غير مألوفة.

ووفقا لتقديرات "الشاباك"، فإن منفذ عملية بئر السبع، كما يقول المحلل العسكري "تصرف وحده دون مساعدة من أحد ودون وجود بنية تحتية لتنظيم الهجوم، كما أنه لم تكن هناك أي معلومات استخباراتية حول نيته لتنفيذ الهجوم، الأمر الذي يعزز التقييم بأن هذا خطر فردي كلاسيكي".

ومع ذلك، حتى لو كانت هذه هي التفاصيل بشأن علمية بئر السبع، يقول يهوشع "في نهاية المطاف، فإن القصة لا يمكن أن تنحصر بالمنفذ الفردي، وإنما أوسع من ذلك، وهي تعكس فقدان الحكم والسيطرة في النقب، والإهمال الحكومي التراكمي للنقب والذي تجلى بتصعيد التوتر والمواجهات خلال عملية حارس الأسوار، وتدهور الشعور بالأمن والأمان للمواطنين، وازدياد في حجم العنف والجريمة".

الأسير المحرر محمد غالب أبو القيعان
الأسير المحرر محمد غالب أبو القيعان (مواقع التواصل الاجتماعي)

تسهيلات وتطمينات

وخلافا للتقديرات التي تشير إلى أن حماس غير معنية بعدم التصعيد، وأن السلطة الفلسطينية معنية بالهدوء في الضفة خلال رمضان، يعتقد محلل الشؤون الفلسطينية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" أليور ليفي، أن عملية بئر السبع منحت المقاومة الفلسطينية الدعم، حيث تلقت حماس دعما غير متوقع لتنفيذ عمليات داخل الخط الأخضر وسط جهودها للتقارب مع العرب في الداخل.

وأوضح أن العملية التي تعتبر الأكثر قسوة وخطورة منذ عام 2016، أتت في وقت تتطلع فيه إسرائيل -حسب قوله- لمنح تسهيلات للضفة الغربية وقطاع غزة خلال شهر رمضان، وزيادة تصاريح العمال لغزة والسماح بالزيارات العائلية بالضفة والداخل، حيث تأمل إسرائيل من خلال التسهيلات في منع تفجير الأوضاع وتكرار سيناريو أحداث هبة الكرامة في مايو/أيار الماضي.

لم يكن توقيت الإعلان عن التسهيلات محض صدفة، يقول محلل الشؤون الفلسطينية "كان الغرض من ذلك تهدئة المنطقة قدر الإمكان وعدم توفير المبررات والأعذار للفصائل، ولكل من يريد إثارة الرأي العام الفلسطيني قبيل رمضان".

وبالتالي، يعتقد ليفي أن "سحب هذه التسهيلات والتراجع عنها عقب عملية بئر السبع بسبب الضغط الشعبي الإسرائيلي قد يؤدي إلى النتيجة المعاكسة تماما بحيث تنقلب الأمور لصالح حماس، التي كانت تبذل قصارى جهدها منذ عملية حارس الأسوار لخلق تقارب بينها وبين العرب في الداخل، ويجب ألا تقع الحكومة الإسرائيلية بهذا الفخ".

الديني والقومي

من جانبه، يرى المحلل العسكري لصحيفة "معاريف"، تال ليف رام، أن سنوات الإهمال من قبل الحكومات الإسرائيلية، والتمييز ضد البدو تجعل الوضع في النقب أكثر خطورة يوما بعد يوم، حيث بدأ يختلط الوضع ما بين "الجريمة" و"الإرهاب"، وتختلط أكثر عناصر "التطرف الديني" مع "القومية"، مثلما تمثل ذلك في هبة الكرامة.

وحذّر المحلل العسكري من النظر أو التعامل مع البدو في النقب على أنهم أعداء، مشيرا إلى أن النظر للبدو على أنهم أعداء بعد عملية بئر الشبع بمثابة منح جائزة إلى ما وصفها بـ"المنظمات الإرهابية" -بالإشارة لحماس وفصائل المقاومة الفلسطينية- التي تسعى لتعزيز جهودها للتحريض والتقارب من المواطنين العرب في إسرائيل، على حد قوله.

ويعتقد أن على الحكومة الإسرائيلية وضع قضية النقب على سلم أولوياتها واعتبارها ضمن سلم "الأولويات الوطنية الإسرائيلية"، والتعامل مع النقب على أنه أهم التحديات للأمن القومي الإسرائيلي الذي بحاجة لتضافر كافة جهود مختلف المؤسسات والأجهزة الإسرائيلية والاستثمار في التعليم والبنية التحتية والتشغيل عند البدو.

المصدر : الجزيرة