هل تعني التنسيق لضربة محتملة؟ مناورة إسرائيلية سرية لمهاجمة "النووي الإيراني" بإشراف أميركي

تحمل عناصر التعاون والتناغم بين واشنطن وتل أبيب في اللغة الدبلوماسية الدولية -في طياتها على الأقل في الوقت الحالي- ضوءا أصفر من واشنطن للقيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل للقيام بما يعتقدون أنه ضروري ضد إيران، لكن من دون المجازفة.

التعامل مع الصواريخ بعيدة المدى التي قد تستهدف الجبة الداخلية...(تصوير سلاح الجو الإسرائيلي التي عممها على وسائل الإعلام للاستعمال الحر
التعامل مع الصواريخ بعيدة المدى التي قد تستهدف إسرائيل أحد أوجه التعاون الإسرائيلي الأميركي (تصوير سلاح الجو الإسرائيلي)

القدس المحتلة- في الوقت الذي تتجه فيه الأنظار إلى العاصمة النمساوية فيينا لاستئناف المفاوضات غير المباشرة بين أميركا وإيران لإحياء الاتفاق النووي، أجرى جيش الاحتلال الإسرائيلي مؤخرا مناورة سرية تحاكي هجوما على أهداف "بعيدة المدى"، بما في ذلك في إيران، بحضور ضابط أميركي شارك كمراقب.

وأجريت التدريبات العملياتية للمناورة بمشاركة عشرات الطائرات من سلاح الجو الإسرائيلي وتضمنت عدة سيناريوهات؛ منها إعادة التزود بالوقود بالجو، ومهاجمة هدف بعيد المدى، والتعامل مع صواريخ "أرض- جو"، وأتت المناورة في ظل المراحل الأخيرة والحاسمة من مفاوضات فيينا بشأن البرنامج النووي الإيراني، وإمكانية العودة للاتفاق أو فشلها.

أمام المسار الدبلوماسي الذي تقوده واشنطن، كرر رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت تصريحاته بشأن إيران؛ بأن أي اتفاق نووي لن يردع تل أبيب عن تحقيق أهدافها، والاستمرار بالعمل ضد البرنامج النووي الإيراني، وذلك بمعزل عن نتائج مفاوضات فيينا الهادفة إلى إحياء الاتفاق النووي، معربا عن أمله أن "تنتهي المفاوضات من دون اتفاق".

وقال بينيت -خلال كلمته الافتتاحية للمؤتمر السنوي لمعهد "أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب- إنه "في كلتا الحالتين تستمر حملتنا، فإجراءات إضعاف إيران بدأت ويجري تنفيذها بجميع أبعادها: النووية، والاقتصادية، والسيبرانية، والعمليات السرية والعلنية".

مروحيات عسكرية تشارك بالمناورة السرية(تصوير سلاح الجو الإسرائيلي التي عممها على وسائل الإعلام للاستعمال الحر
مروحيات عسكرية تشارك في المناورة السرية الإسرائيلية (تصوير سلاح الجو الإسرائيلي)

دلائل ومكونات

يعتقد محللون وباحثون إسرائيليون أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لا تزال ترغب في تجديد أو التوصل لاتفاق جديد مع إيران من خلال الدبلوماسية، لكن هذه الإدارة باتت تدرك أن الدبلوماسية وحدها لن تحقق شيئا من الإيرانيين، حسب هؤلاء المحللين.

وأمام دبلوماسية بايدن، تشير كل المكونات والعناصر إلى أن إسرائيل تسير نحو الاستعداد لاتخاذ قرار تنفيذ التهديد العيني ضد إيران إذا اقتضت الحاجة، وهو ما عبرت عنه تصريحات الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، ووزير الخارجية يائير لبيد، ووزير الأمن بيني غانتس، والرسائل التي مررها بينيت خلال اللقاء الذي جمعه مع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان.

ويعكس ذلك التعاون العسكري الهجومي والاستخباراتي القائم بالفعل بين وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) ووزارة الأمن في تل أبيب في كل ما يتعلق بتنظيم الدولة الإسلامية، والتموضع العسكري الإيراني والتنظيمات المسلحة الموالية لها في سوريا والعراق، والتعاون العملياتي المشترك في ساحة البحر الأحمر.

ولكن عندما يتعلق الأمر بالمواجهة المباشرة مع إيران، يتفق أغلب المحللين الإسرائيليين على أن الولايات المتحدة مستعدة -في الوقت الحالي فقط- للتعاون الدفاعي من خلال تحذيرات من الهجمات الصاروخية، وتعزيز أنظمة اعتراض الصواريخ في إسرائيل، والتعامل مع صواريخ كروز ومواجهة طائرات مسيرة من شأنها مهاجمة مواقع وأهداف إسرائيلية.

دبلوماسي وعسكري

ويعتقد الصحفي الإسرائيلي المختص في الشؤون العربية يؤاف شطيرن أن المناورات الإسرائيلية والحراك الدبلوماسي لحكومة بينيت يهدفان قبل كل شيء إلى إقناع واشنطن بوجهة نظر إسرائيل بضرورة التلويح بالخيار العسكري إلى جانب الدبلوماسية، وحتى التحضير لهجوم عسكري في حال فشلت المفاوضات، وكذلك تشكيل تحالف إسرائيلي أميركي بمشاركة دول عربية ضد إيران.

ويؤكد شطيرن -للجزيرة نت- أن النهج والإجراءات الإسرائيلية تأتي لتعزيز الدبلوماسية الأميركية في مواجهة الإيرانيين وجعلها أكثر فاعلية. مشيرا إلى أن ذلك بحاجة لتفعيل رافعتين إضافيتين: "الضغط" و"الردع"، وذلك لكي يتوقف الإيرانيون عن التباطؤ في مفاوضات فيينا وعرقلة مخططهم الهادف إلى إنتاج العديد من الرؤوس الحربية الذرية.

ويوضح الصحفي الإسرائيلي أن بينيت يتعاون بسعادة مع مشروع الردع الأميركي الذي يقوده سوليفان، لأنه يتناسب تماما مع مزاج قاعدته الانتخابية في معسكر اليمين.

ثمة كثير من القيود التي تكبح إسرائيل من تنفيذ هجمات على المنشآت النووية الإيرانية في المرحلة الحالية، ويقول شطيرن "ليس بمقدور إسرائيل تدمير المنشآت النووية الإيرانية وحدها، وهي بحاجة لدعم وشراكة واشنطن، إذ يدرك معظم القادة السياسيين في إسرائيل أنه ليست لديهم فرصة لإقناع بايدن وإدارته بالتخلي عن مفاوضات فيينا والمسار الدبلوماسي للعودة للاتفاق النووي".

تعاون وتنسيق

ويعتقد المحلل العسكري للموقع الإلكتروني لصحيفة يديعوت أحرونوت رون بن يشاي أن المناورة تعكس التعاون المتبلور بين إسرائيل والولايات المتحدة ضد إيران، وذلك لأول مرة منذ فترة طويلة، وهو التعاون والتنسيق الذي يتناغم من خلال تصريحات المسؤولين في تل أبيب وواشنطن، وذلك كجزء من المساعي لإنزال طهران عن سقف مطالبها، وإرغامها على تقديم تنازلات.

ويوضح رون بن يشاي أن الحديث عن مناورات وتنسيق المواقف بين واشنطن وتل أبيب وحتى وضع الخيار العسكري على الأجندة؛ كلها إجراءات تهدف إلى دفع الإيرانيين لإعادة حساب مسار المفاوضات الجارية في فيينا بين إيران والقوى العظمى.

ويرجح المحلل العسكري أن التعاون الإسرائيلي الأميركي وتجنب الصدام العلني بين البلدين يهدف إلى تشكيل ضغوط على طهران لإقناعها بالموافقة على تقييد تخصيب اليورانيوم، وزيادة إشراف الأمم المتحدة على منشآتها النووية، مقابل موافقة أميركية على رفع العقوبات.

ومن العناصر الإضافية للتعاون والتنسيق الأميركي الإسرائيلي -يقول روي بن يشاي- "التصريحات والخطابات الأخيرة للقيادة السياسية الإسرائيلية التي قدمت إطارا سياسيا محددا لصورة القدرات للهجوم في إيران التي حددها قادة القوات الجوية، فمن أجل أن يكون التهديد بشن هجوم على إيران، الذي يتحدث عنه الجنرالات، ذا مصداقية يجب أن يكون مدعومًا ببيان واضح من المستوى السياسي".

ردع وتهديد

تحمل عناصر التعاون والتناغم بين واشنطن وتل أبيب في اللغة الدبلوماسية الدولية -وفقا للمحلل العسكري- في طياتها على الأقل في الوقت الحالي ضوءا أصفر من واشنطن للقيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل للقيام بما يعتقدون أنه ضروري ضد إيران، لكن من دون المجازفة.

ويوضح روي بن يشاي أن هذا لا يعني أن أميركا أعطت إسرائيل الضوء الأخضر لمهاجمة إيران، حيث لا يوجد قرار حاسم ومبدئي لدى واشنطن، التي لم تلمح بأنها تدعم أو ستشارك في أي هجوم إسرائيلي يستهدف المنشآت النووية الإيرانية، بل تبعث -عبر إظهار التعاون والتنسيق مع تل أبيب- رسائل ردع وتهديد مبطن لطهران.

ويخلص المحلل العسكري للقول إن "الولايات المتحدة تتعاون مع إسرائيل في جمع المعلومات الاستخبارية في إيران وفي العمليات الهجومية السيبرانية التي عطلت في الماضي -ومن المتوقع أن تنفذ مستقبلا- مشروع إيران النووي العسكري. وهذا ليس بالأمر القليل، لكن من المهم تأكيد أن إدارة بايدن -مثل سابقاتها- ليست مستعدة لمهاجمة إيران".

المصدر : الجزيرة