مفارقة "طبيب الكركمين" وآخرين.. لماذا يروج الإعلام المصري لهؤلاء ثم ينقلب عليهم؟

الصيدلي المصري أحمد أبو النصر الشهير بـ"طيب الكركمين" خلال أحد معارضه للمنتجات العشبية (مواقع التواصل)

القاهرة- أثار ضبط السلطات المصرية للصيدلي أحمد أبو النصر المعروف بـ"طبيب الكركمين"، الأسبوع الماضي، جدلا واسعا في ظل انتشار الطبيب وإعلانات منتجاته بشكل واسع منذ أعوام على العديد من القنوات الفضائية المصرية.

وفي وقت تمتلئ فيه شاشات الفضائيات المصرية بإعلانات "الكركمين"، ألقت الأجهزة الأمنية المصرية القبض على أبو النصر، وبحوزته ما قالت إنها أعشاب وأدوية مجهولة المصدر، وسرعان ما أعلنت النيابة العامة حبسه على ذمة التحقيقات وإحالته لمحكمة الجنايات، بتهمة النصب والاحتيال وبيع أدوية مجهولة المصدر وغير معتمدة.

وأبدى البعض تعجبه واستغرابه، في حين توقف آخرون عند حقيقة استمرار نشاط أبو النصر لأعوام على مرأى ومسمع من الجميع، بدون التعرض له أو التفكير في إيقافه، ثم الانقلاب عليه بهذا الشكل المفاجئ، وهو ما أثار تساؤلات حول الدوافع الحقيقية لذلك.

وتكثر الإعلانات عبر فضائيات مصرية عن منتجات وأدوية متنوعة، تقدمها شخصيات غير معروفة، تقوم بشراء وقت على هذه القنوات من أجل الترويج لهذه الأدوية والمنتجات من دون أي رقابة، ولا تتخذ السلطات المصرية أي إجراء بشأن هذه البرامج والمنتجات، بل ولا يصدر تحذير واضح بشأنها إلا بعد أن يتم القبض على أصحابها.

وكان الصيدلي أحمد أبو النصر يعرّف نفسه بأنه "أول أخصائي مصري معتمد للعلاج بالنباتات الطبية، من خلال تقديم مستخلصات النباتات الطبية للمساعدة في استبدال العلاج الكيميائي بمنتجات طبيعية صحية آمنة".

ووفقا لموقعه الإلكتروني، يقول أبو النصر إنه "حاصل على ماجستير في العقاقير الطبية من جامعة القاهرة، ومُعتمد من وزارة الصحة المصرية للعلاج بالنباتات الطبيعية، وشارك في العديد من الأبحاث العلمية من ضمنها أبحاث معهد الأورام المصري".

ظاهرة لافتة

وفي هذا السياق، يشير أحد العاملين بقطاع الأدوية ومنتجات الأعشاب الطبية إلى أن عملية ترخيص هذه المنتجات سهلة وغير مكلفة، حيث يتم تسجيلها باعتبارها مكملا غذائيا، ولا يتطلب الأمر سوى تحليل المادة للتأكد من صلاحيتها للاستخدام الآدمي، بدون الالتفات إلى الادعاء بكونها أدوية لأمراض محددة.

وفي الآونة الأخيرة، رصد مراقبون انتشارا ملحوظا لعمليات انتحال صفة طبيب، بل وذاع صيت عدد منهم، ووجدوا مساحات إعلامية للترويج لنشاطهم ومنتجاتهم، مما استدعى تحركا برلمانيا، بتقديم النائبة صفاء عيّادة مقترحا لتغليظ عقوبة المنتحل في قانون مزاولة مهنة الطب، كما طالبت بتحويل هذه الجريمة إلى جناية.

ومن أبرز النماذج قريبة الصلة ما عرف بـ"سمكري البني آدمين" الذي حاز شهرة واسعة بفيديوهات لتدليك مشاهير المصريين، تمت إذاعتها عبر فضائيات ومواقع التواصل قبل القبض عليه، وكذلك البرلماني السابق سعيد حساسين، الذي تم إدانته بـ"بيع أعشاب طبية مغشوشة" رغم استمراره أعواما طويلة في هذا النشاط وتصدره شاشات فضائيات مصرية بوصفه مذيعا.

ومن المنتجات الشبيهة منتج تخسيس روجت له الممثلة نورا السباعي، عبر فضائيات، وتبين لاحقا أنه غير مرخص، وتم ضبط القائمين عليه، كما نقلت وسائل إعلام مصرية، ضبط ما قالت إنها "أكبر مافيا" لتجارة الأعشاب الطبيعية المزيفة، عبر شركة حملت اسم "النهضة جروب" التي سبق أن عرضت منتجاتها على 22 فضائية.

المفارقة هنا، أن الإعلام المؤيد للسلطات بمصر يسمح في أوقات كثيرة بترويج هذه النماذج، في ظل تجاهل واضح من قبل السلطات للأمر، وبعد مدة طويلة قد تصل إلى سنوات تصدر قرارات مفاجئة من السلطات ضد هؤلاء، ويعقب ذلك هجوم تشنه نفس المنابر الإعلامية على من كانت تروج لهم في وقت سابق.

إرادة سياسية غائبة

في البداية، يشير المسؤول السابق بوزارة الصحة المصرية، مصطفى جاويش، إلى وجود ما وصفه بضعف عام وشامل في الرقابة الدوائية والعلاجية بمصر، تكون له انعكاسات وآثار مختلفة، منها تفاقم ظاهرة الترويج للعلاج والتداوي غير المرخص بالأعشاب الطبية.

ويرى جاويش -في حديثه للجزيرة نت- أنه لا تتوفر إرادة سياسية حقيقية لمعالجة هذه الظاهرة، ووقف عملية الاحتيال والتضليل التي يمارسها البعض، وهو ما يفسر تكرار ظهور هذه النماذج واستمرار نشاطها فترات طويلة، ودعمها من قبل بعض المتنفذين وأصحاب السلطة، قبل الانقلاب عليها.

ويؤكد المسؤول الصحي السابق أن هناك "مافيا" في القطاع الدوائي بمصر تحكم سوقه، كما توجد شبكة مصالح متداخلة -بين كبار الشخصيات المهيمنين على هذا القطاع، وأصحاب هذه المنتجات غير المرخصة والمروجين لها عبر الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة- تحكم مسألة السماح لهذه المنتجات أو منعها، تبعا للمصالح المتحققة.

فوضى ومصالح

بدوره، يرى أمين صندوق نقابة صيادلة مصر السابق، أحمد رامي، أن هناك فوضى واضحة في مساحات التداوي والعلاج بالأعشاب، وتساهلا في استحضارها بوصفها مواد علاجية لأمراض خطيرة، يعززها تفاعل وسائل الإعلام، وتسويقها لهذه المنتجات، بدون مسؤولية ولا اكتراث لما يترتب عليها من مخاطر وتداعيات سيئة.

وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح رامي أن استخدام مصطلحات "دواء" و"علاج" يتطلب اعتماده لأي منتج سنوات من الأبحاث، ومن ثم يتحايل أصحاب تلك المنتجات باستخدام مصطلحات أخرى مثل "مفيد" و"يساعد على"، مستغلين افتقار المتلقي للمعلومات.

ويشير رامي إلى أن حضور وسائل الإعلام في المشهد -عبر تسويقها لهذه النماذج- له دور كبير في إيهام المواطنين بأن هناك فوائد يقينية وحقيقية لمنتجاتهم، وهو الأمر الذي ثبت على أرض الواقع خلافه، بل وكارثيته في بعض الأحيان.

ويلفت النقابي السابق إلى أن ما تحققه هذه المنابر الإعلامية ومن يقف خلفها من عوائد كبيرة بترويج هذه المنتجات، هو الدافع الرئيسي لتجاهل ضرورة التحقق منها فترات تطول أو تقصر، وتُستخدم في سبيل استمرار هذا الأمر مساحات نفوذ للقائمين على تلك الفضائيات، وتواطؤ من قبل بعض المسؤولين المنتفعين.

ويشدد رامي على أن قرارات وصف الأدوية للمريض -في الأساس- محصورة بيد الطبيب أو الصيدلي، وتجاوز ذلك في مجتمع تزيد نسبة الأمية فيه على 30%، من المحتم أن يكون له دور في إهدار أرواح ضحايا عمليات النصب والاحتيال تلك.

ويؤكد رامي أن "الحرص على صحة المواطنين" ليس هو السبب الحقيقي وراء استهداف هذه النماذج وإسقاطها، وإلا لما تأخر ذلك كل هذه الفترة، فكثير ممن استهدف مؤخرا تُرك فترات طويلة وهو يقدم منتجاته عبر الشاشات، وحظي بأشكال مختلفة من الدعم.

ومن ثم، فإن رامي يرى أن الدوافع الحقيقية لذلك تتمثل في تعارض مصالح المنتفعين، واحتدام المنافسات السياسية والاقتصادية بصورة تدفع في النهاية إلى العمل على هذا السقوط، عبر استغلال الثغرات التي كانت موجودة ومرصودة منذ ظهور الشخص المستهدف ومنتجه.

الإعلام غير مسؤول

في المقابل، يحمل رئيس تحرير صحيفة "المشهد"، مجدي شندي، الجهات المختصة والمسؤولة عن الصحة المسؤولية الأكبر عن ترك من يثبت خداعهم وتضليلهم للناس يعملون لسنوات قبل توقيفهم، وحظر نشاطهم.

وفي حديثه للجزيرة نت، يرى شندي أنه ليس من المنطق تحميل وسائل الإعلام وجهات التحقيق المسؤولية، ما دامت الجهات الصحية المسؤولة لم تتحرك، فالمنابر الإعلامية لا ينبغي أن تُساءل إلا إذا وصلتها ملاحظات واضحة على مادة إعلامية أو إعلانية تتضمن خداعا للمشاهد وتقدم معلومات طبية مضللة، ولم تتحرك.

لكنه في الوقت ذاته، يقر بوجود أزمة إعلامية تتمثل فيما هو معروف بـ"بيع الهواء" أي ساعات البث، والتي تتيح لكل قادر على دفع ثمن الفترة المباعة تقديم المحتوى الذي يريده من دون تدخل، لافتا إلى أن الأمر لا يقتصر على البرامج الصحية فقط بل امتد إلى غيرها من أنواع البرامج.

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي