رغم مساعيها لتسوية الأزمة.. هل تنهي الحكومة السودانية تفويض البعثة الأممية؟

رئيس بعثة الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتس (يسار) ورئيس مجلس السيادة بالسودان عبد الفتاح البرهان (الصحافة السودانية)

الخرطوم- يتزايد، يوما بعد آخر، عدم رضى المؤسسة العسكرية المسيطرة على مقاليد الحكم في السودان عن تحركات بعثة الأمم المتحدة، التي بدأت مساعي للتسوية بين الفرقاء السياسيين بعد الأزمة العميقة التي خلفتها إجراءات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان يوم 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وتحدثت تقارير صحفية نشرت هذا الأسبوع عن تلقي السلطات الحاكمة نصائح من قانونيين لمطالبة مجلس الأمن بإلغاء مهمة البعثة استنادا إلى عدم شرعية الطلب الذي تقدم به رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، والذي تم بموجبه تشكيل البعثة.

وبحسب التقارير، فإن الحكومة بدأت في دراسة التقدم بالطلب، والاستعاضة عن البعثة الأممية ذات المهمة الفضفاضة بتعيين فريق مساندة لإنفاذ اتفاقية جوبا لمساعدة الحكومة في عمليات الدمج وإعادة التسريح.

وقالت المصادر إن الحوار الذي تقوده البعثة حاليا بإمكانه أن يستمر وتسند مهمته للبعثة الدائمة في الخرطوم، مشددة على أن البعثة الأممية وظفت في وقت سابق العديد من السودانيين الذين يعتبرون معادين للقوات المسلحة، وأن البعثة باتت تقع تحت المعلومات المضللة التي يمدونها بها، مما يتطلب إنهاء مهمتها.

بعثة بلا تأثير

وبحسب مصدرين في وزارة الخارجية السودانية تحدثا للجزيرة نت، فإن المتداول عن إنهاء تفويض البعثة الأممية لم يصل إلى الساحة الدبلوماسية المعنية بالتعامل المباشر مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن، سواء على مستوى بعثة السودان في نيويورك أو وزارة الخارجية في الخرطوم، ومع ذلك لم يستبعد أحد المصدرين اتخاذ الحكومة خطوة ما تجاه البعثة، دون أن يخوض في التفاصيل.

فقد اتخذ مجلس الأمن في الثالث من يونيو/حزيران 2020 القرار 2524 الذي تم بموجبه إنشاء بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس) لدعمه بمجموعة من المبادرات السياسية المتعلقة ببناء السلام والتنمية، واختير لرئاستها الألماني فولكر بيرتس.

وبعد نحو عام لم يلحظ لوجود البعثة الأممية تأثير على الخارطة السودانية، حيث تدخلت بقوة لحل الأزمة السياسية الأخيرة بما يتعارض مع تفويضها الأساسي وانصرافها عن إيلاء مسألة الانتخابات الاهتمام المطلوب، كما تحدث بذلك صراحة رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان خلال لقاء تلفزيوني هذا الشهر.

وقبلها قال محمد حمدان دقلو (حميدتي) نائب رئيس مجلس السيادة إن المبعوث يجب أن يكون "مسهلا وليس وسيطا بين الأطراف". وأضاف أن المجلس لا يعادي ولا يقاطع المجتمع الدولي، لكنه "يرفض التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد".

وعززت تلك التصريحات نقمة العسكر على تحركات فولكر بعد إطلاقه ما قال إنها عملية سياسية لتسوية الخلافات بين الأطراف السودانية، كما خرجت احتجاجات وصفت بالضخمة قصدت مقر البعثة ورفعت فيها لافتات تطالبها بالرحيل والكف عن التدخل في الشؤون الداخلية، لأن أطرافا ذات ثقل يزعجها وجود "يونيتامس".

وردا على الدعوات لطردها، قالت البعثة الأممية في بيان صحفي إنها موجودة في السودان بطلب من حكومته وتحمل تفويضا من مجلس الأمن الدولي، ولم يخف فولكر بيرتس وقتها قناعته بأن أنصار النظام السابق وموالين لهم وراء المطالبات المنادية بطرده، إذ دوّن على تويتر تغريدة بهذا المعنى.

ولا يبدو أن الرجل مرضي عنه من أطراف أخرى في قوى الحرية والتغيير، التي امتعضت بدورها من لقاءاته المستمرة مع القادة العسكريين لتسويق مشروع المصالحة الذي يتبناه، وحثهم على إنجاحه بتهيئة الأجواء والكف عن قتل المتظاهرين واعتقال رموز سياسية حزبية، وهو ما لم ينجح فيه من وجهة نظر مراقبين "مقابل دفع الآخرين للتعايش مع إجراءات ما بعد 25 أكتوبر/تشرين الأول" الماضي.

وتعليقا على ذلك يقول فولكر في حوار صحفي إن معظم الناس في السودان لم يعودوا يتحدثون عن شراكة بين المدنيين والعسكريين، ولا يمكن لطرف أن يبعد المكون الآخر. لذا يتعين عليهم العمل معا دون وصف علاقتهما بالشراكة.

ويضيف "بالطبع هناك من يقول ربما لا ينبغي أن أقابل هذا أو ذاك. أو لا يجب أن أقابل الجنرالات ولا قادة المليشيات أو الأشخاص الملطخة أيديهم بالدماء، لأن هذا من شأنه إضفاء الشرعية على بعض هؤلاء الفاعلين. لكن هذا سوء فهم لدور الأمم المتحدة".

أزمة علاقة

وتعبر التقارير المتداولة حول إنهاء مهمة البعثة الأممية عن أزمة في العلاقة بين البعثة والسلطة، كما يقول المتحدث الأسبق باسم الخارجية السودانية العبيد مروح، "منبعها الأساسي ملاحظات كل طرف على أداء الآخر، خاصة فيما يتعلق بالوثيقة الدستورية التي تحكم فترة الانتقال".

ويقول مروح للجزيرة نت إن الاتهامات التي تطال البعثة بالتقصير في غالبها صحيحة بالنظر إلى إهمالها الاهتمام باستكمال السلام من خلال الضغط على زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال عبد العزيز الحلو، ورئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد نور لينضما إلى اتفاق السلام.

ويشير الدبلوماسي السابق كذلك لانصراف البعثة عن المساعدة في استكمال أجهزة الفترة الانتقالية مع تجاهلها تفعيل ما يستلزمه إجراء الانتخابات من تعداد سكاني وقانون ومفوضية، علاوة على تباطؤها في حشد الدعم الاقتصادي الدولي لمساعدة السودان وفقاً لتفويضها.

ليس سهلا

ويمضي المحلل السياسي خالد التجاني النور في الاتجاه ذاته بالتأكيد أن يونيتامس حصلت على زخم أكبر من حجمها، وتفويضها الحقيقي مبني على تقديم مساعدات فنية للحكومة.

ويلفت إلى أنها "وصلت السودان بتفويض وتمويل محدود للغاية كونها من البعثات الصغيرة التي لا تتعدى ميزانيتها السنوية 30 مليون دولار مع طاقم موظفين مكون من بضع و50 شخصا".

ويرى التجاني أن تقدم البعثة الأممية بوساطة سياسية لا يتسق مع مهامها المفترضة، كما يعتقد أنها غير مؤهلة للقيام بهذا الدور من واقع تجارب سابقة لبعثات أممية في السودان كان مصيرها الفاشل.

ويجزم التجاني بأن إلغاء تفويض البعثة "غير وارد" لأنها جاءت بطلب من الحكومة، لكنه يشير إلى إمكانية النقاش حول تفويضها ودورها ومدى التزامها وفقا للبند السادس.

كما يرى العبيد مروح أن معالجة التقصير لا يستدعي المطالبة بإنهاء تفويض البعثة، بل إعادة النظر في مصفوفة التفويض الموقعة بينها والحكومة.

ويشير الدبلوماسي إلى سيناريو آخر لا يتطلب قرارا من مجلس الأمن، وهو اعتبار رئيس البعثة شخصا غير مرغوب فيه ويطلب منه مغادرة البلاد، ليكون أمام المجتمع الدولي تسمية بديل، لكن العبيد يستبعد اللجوء لهذه الخطوة لأن السلطة الحاكمة -كما يقول- غير راغبة في الدخول في صدام مباشر على هذا النحو.

مصالح وتبادل أدوار

ويشكك خالد التجاني في قلق المكون العسكري من تحركات البعثة، ويعتقد أن ما يثار بهذا الخصوص ليس سوى محاولة لتغطية تفاهمات غير مرئية تتبناها الولايات المتحدة ودول الترويكا الباحثة عن تأمين المصالح والحفاظ على استقرار السودان، منعا لتفشي الإرهاب وللسيطرة على ملف الهجرة المقلق لأوروبا، وهو ما يستلزم وجود قيادة عسكرية تعمل على إزاحة تلك المخاوف.

ويضيف "واقعيا هم يفضلون دورا أكبر للمؤسسة العسكرية، لكن ليس بمقدورهم التصريح بذلك، لذلك سعوا إلى تثبيت الانقلاب الذي لم يحدث دون ضوء أخضر من الأميركيين رغم إنكارهم، لذلك تعمل البعثة على تثبيت الوضع الراهن وتعزيز دور العسكر".

المصدر : الجزيرة