في ذكرى ثورة اليمن.. شبح الانقسام يهدد وحدة البلاد

يُعتقد أن أي انفصال حالي في اليمن لن يكون آمنا بسبب المخاوف من تفكك الدولة بين مجموعة قوى وعدم توقف الأمر عند حدود التقسيم بين شمال وجنوب كما كان قبل عام 1990.

عدن- 11 عاما مرّت على انطلاق الثورة اليمنية، ولا يزال أبناء هذا البلد يواجهون واقعا قاتما؛ فالانتفاضة السلمية التي نجحت عام 2011 في توحيد اليمنيين لم تصمد طويلًا أمام ثورة مضادة قذفت بهم نحو حرب دامية، طال أمدها، وتعددت أطرافها ونتائجها، وأصبحت تهدد بتقسيم البلاد من جديد.

ويعيش اليمن أوضاعا مأساوية في ظل الحرب المستمرة منذ أكثر من 7 سنوات، وازداد الوضع تعقيدا مع تعدد التشكيلات المسلحة التي أربكت المشهد وعمّقت النزعات الانفصالية، بسبب تباين أجندات تلك القوى والأطراف الداعمة لها.

ويبدو المشهد الحالي في اليمن، بعد 11 عاما من اندلاع الانتفاضة السلمية في 11 فبراير/شباط 2011، أكثر تشرذمًا في ظل حالة الانقسام وتحوّل البلاد إلى مناطق مقسمة تسيطر عليها جماعات متحاربة مدعومة من أطراف خارجية.

مقاتلون قبليون موالون للحكومة يتخذون مواقعهم في منطقة صحراوية جنوب شرقي مأرب في وسط اليمن (رويترز)

 

جغرافيا النفوذ

وتتقاسم الجغرافيا اليمنية 4 قوى رئيسة تسيطر عسكريا على أجزاء من البلاد، هي:

  • حكومة اليمن الشرعية المسنودة بتحالف عسكري بقيادة السعودية.
  • جماعة الحوثيين المدعومة من إيران.
  • قوات طارق صالح، نجل شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح.
  • المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من دولة الإمارات.

وتمثل محافظة مأرب المركزية، ومحافظات الشرق اليمني مناطق نفوذ القوات الحكومية اليمنية، في حين تخضع العاصمة صنعاء ومناطق واسعة في شمالي البلاد لسيطرة الحوثيين، وتتركز سيطرة "المجلس الانتقالي الجنوبي" على مدن الجنوب ومنها عدن.

وتنتشر على امتداد الشريط الساحلي في جنوب غربي البلاد قوات أخرى، بينها تلك التي يقودها العميد طارق صالح، وهي من أبرز الفصائل العسكرية المنضوية تحت مسمى "المقاومة الوطنية"، وتشارك في قتال الحوثيين رغم أنها لا تعترف بشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي.

مشاريع الصراع

وفي المشهد العام، تتصارع 3 مشاريع متعددة الأوجه على تقسيم اليمن، هي:

  • مشروع الحوثي الذي يسعى لتوطيد أركان حكمه في الشمال.
  • مشروع الانتقالي الذي يسعي لانفصال الجنوب.
  • مشروع الدولة الاتحادية الذي يقوده الرئيس عبد ربه منصور هادي.

ويبدو مشروع الانفصال الذي يتبنّاه المجلس الانتقالي وتدعمه الإمارات ماديا ومعنويا الأكثر حضورا في الوقت الحالي، بعد تحوّل الكيانات السياسية التي كانت تنادي بالانفصال قبل اندلاع الثورة الشبابية إلى كيانات مسلحة مناهضة للشرعية والحكومة اليمنية المعترف بها دوليا.

ويختلف المحللون في تداعيات هذه المشاريع على مستقبل اليمن، وفقا للاستقطابات الخارجية والإقليمية المتدخلة في عمق الصراع. ويعتقد هؤلاء أن  المشهد اليمني أصبح معقدًا، ومن يتحكم به هي دول الإقليم، لا القوى المحلية، وذلك يجعل انتهاء الحرب في المستقبل المنظور صعبا، ما لم تكن هناك مصالحة إقليمية شاملة تضمّ أطراف الصراع الحقيقي (إيران-السعودية)، ومن ثم مصالحة يمنية.

الجيش اليمني يحاصر مدينة حرض الإستراتيجية استعدادا لتحريرها من الحوثيين في محافظة حجة (الأناضول)

إضعاف سلطة الحكومة

يصف الخبير العسكري علي الذهب الوضع الحالي في اليمن بأنه يسير وفق سيناريوهات وضعت ونُشرت خرائطها في عام 2018 لتقسيم السعودية إلى 5 دول واليمن إلى دولتين؛ لافتا إلى أن "المخطط تحوّل إلى حقيقة في اليمن بظهور مؤشرات الانفصال وأصبح في طريقه لتقسيم البلاد".

وقال الذهب -في حديث للجزيرة نت- إن السياسة التي انتهجها التحالف بإنشاء كيانات مسلحة ذات عقيدة انفصالية خارج سلطة الدولة أضعفت هذه السلطة، وأدت إلى عدم إيجاد جيش قادر على قمع أي حركة من شأنها الانفصال. ولذلك، فشلت الحكومة في مواجهة انقلاب الانتقالي في أغسطس/آب 2019 في عدن وكذلك تداعيات هذا الانقلاب.

ويقدّم الخبير العسكري علي الذهب تفسيرا إضافيا للعوامل التي أدت إلى بروز مشروع الانفصال، ومن أبرزها "التأسيس لسلطة فعلية للانفصاليين في عدن منحها اتفاق الرياض امتيازات كثيرة من دون أن تكون هناك التزامات بتنفيذ الملحق الأمني والعسكري، وهذا يقربهم أكثر من هدفهم، وهو العودة إلى ما قبل 1990".

تفكك الدولة

وبشأن ما ستؤول إليه الأوضاع في اليمن، يرى رئيس مركز "أبعاد للدراسات والأبحاث"، عبد السلام محمد، أن الانفصال حاليا لن يكون آمنا، "فهناك مخاوف من تفكك الدولة بين مجموعة قوى وعدم توقف الأمر عند حدود التقسيم بين شمال وجنوب كما كان قبل عام 1990".

وقال محمد -في حديث للجزيرة نت- إن هناك انقسامات داخل المناطق في الشمال والجنوب؛ فمثلا في حضرموت والمهرة لا يميلون إطلاقا إلى الانفصال في دولة مع عدن وأبين والضالع.

لذلك، يقول رئيس المركز "من المتوقع إذا حدث الانفصال، أن ينقسم الجنوب إلى أكثر من كيان، وكذلك الشمال لن يبقى مع صنعاء لأن المناطق الشرقية أصبحت تحكم ذاتها حاليا من خلال الحكومة الموجودة في الرياض وعدن".

وباعتقاد عبد السلام محمد، من الطبيعي في أي حرب انبثاق نزعات انفصالية ومناطقية وعرقية وطائفية، ومع هذا استطاع اليمن -برأيه- أن يحافظ على بقاء النسيج الاجتماعي متماسكا قليلا، بخاصة أمام مشروع الحوثيين مقابل الحكومة المدعومة من السعودية.

المصدر : الجزيرة