مناورات روسية مشتركة مع نظام الأسد.. ماذا وراءها؟ وكيف تقرؤها إسرائيل؟

لا يستبعد المحللون العسكريون في إسرائيل أن يكون التحرك الروسي عند خط وقف إطلاق النار في الجولان سببه التوتر بين روسيا وأميركا بملف أوكرانيا؛ حيث تسعى موسكو لتذكير واشنطن أن هناك ساحات أخرى مشتعلة في الشرق الأوسط، وأيضا فيه رسالة لتل أبيب لتتدخل لدى واشنطن وتضغط على الأميركيين بملف أوكرانيا.

1237947968 Russian and Syrian military pilots jointly patrol Syrias airspace SYRIA JANUARY 22, 2022: Pictured in this image dated 22 January 2022 is a Russian Air Force Sukhoi Su-34 strike aircraft (L) and a Syrian Air Force Mikoyan MiG-29 fighter aircraft in flight. Russian and Syrian military pilots departed from Hmeimim, Saikal and Dumayr air bases to conduct their first joint air patrols along the Golan Heights and the Euphrates River. Russian Air Force crews piloted Sukhoi Su-34 strike aircraft, Sukhoi Su-35 fighter aircraft and a Beriev A-50 airborne early warning and control aircraft, while the Syrian side piloted Mikoyan Mig-23 and Mikoyan Mig-29 fighter aircraft for the patrol missions. Russian Defence Ministry/TASS THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. EDITORIAL USE ONLY (Photo by Russian Defence Ministry\TASS via Getty Images)
دوريات روسية سورية مشتركة في الأجواء السورية وعلى امتداد مرتفعات الجولان والفرات (غيتي)

القدس المحتلة- موسكو- حملت المناورات العسكرية الجوّية الروسية المشتركة مع قوات النظام السوري، قبالة خط وقف إطلاق النار في مرتفعات الجولان، رسائل مبطنة لإسرائيل التي تنظر إليها على أنها تطور "غير إيجابي".

ويجد كبار القادة السياسيين والأمنيين الإسرائيليين صعوبة في فهم ما دفع موسكو إلى الإبلاغ عن المناورات الجوية المشتركة مع جيش بشار الأسد.

وامتد مسار أول مناورة جوية بين الطيارين الروس والسوريين على طول مرتفعات هضبة الجولان، ومن ثم على طول الحدود الجنوبية حتى نهر الفرات شرقا، وفوق المناطق الشمالية من سوريا.

وتضمنت تدريبات تحاكي سيطرة الطيارين الروس والسوريين على الأجواء، وتقديم غطاء جوي للقوات البرية، كما قامت الأطقم الروسية بتنفيذ هجمات على أهداف برية.

وفي ظل الرسائل الروسية المبطنة من هذه الأنشطة، يرى المستوى السياسي في تل أبيب أن موسكو ترغب من خلال هذه المناورات المشتركة أن ترسل إشارة للأميركيين بشأن ساحة أخرى مشتعلة في الشرق الأوسط.

وتأتي هذه المناورات بغية الضغط على إسرائيل للتأثير على واشنطن في كثير من الملفات التي تمس روسيا بخاصة ملف أوكرانيا، حسب تقديرات الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية.

فنيون عسكريون روس في قاعدة حميميم الجوية بمحافظة اللاذقية التي تعدّ قاعدة القوات الجوية الروسية بسوريا (الأوروبية)

توغّل إسرائيلي مقابل

ومقابل المناورات الروسية السورية، كشف رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، أول أمس الأربعاء، النقاب عن تنفيذ الجيش الإسرائيلي توغّلا بريا داخل حدود إحدى الدول المجاورة، بالإشارة إلى سوريا في مهمة وصفها بـ"الأخلاقية"، وتمت بموافقة أعلى المستويات السياسية والأمنية في تل أبيب.

وأعقبت تصريحات كوخافي، التي أوردها التلفزيون الإسرائيلي الرسمي "كان"، تسريبات مصدرها الجيش الإسرائيلي، ونشرتها وسائل إعلام أجنبية، عن نشاطات لقوات إسرائيلية خاصة في عمق الأراضي السورية، بزعم "منع أي تهديد أمني من قبل إيران أو منظمات مسلحة موالية لها، على غرار حزب الله".

ومع تبادل الرسائل عبر المناورات البرية والجوية، إلا أنه من وراء الكواليس يتواصل التنسيق بين الضباط الإسرائيليين والروس، بكل ما يتعلق بوجود التنظيمات المسلحة والتموضع العسكري الإيراني في سوريا، ويجري الجانبان مشاورات بغية "تهدئة النفوس" ومنع التوتر على جانبي خط وقف إطلاق النار في هضبة الجولان.

ووسط مساعي "التهدئة" هذه، والمشاورات لمنع التصعيد، قال مسؤولون إسرائيليون إن الهجمات العسكرية الإسرائيلية في سوريا "لن تتوقف" جراء المناورات العسكرية الروسية المشتركة مع النظام السوري، حسب ما نقلته القناة 12 الإسرائيلية.

هجمات إسرائيل في سوريا

ويرى المراسل العسكري لموقع "يديعوت أحرونوت" (واي نت)، يوسي يهوشواع، أن القيادة العسكرية والسياسية الإسرائيلية تبدو في حيرة من أمرها حيال المناورات الروسية المشتركة مع نظام الأسد قبالة الجولان، في رسالة يفهم منها أن إسرائيل بالغت في غاراتها داخل سوريا، وذلك رغم المصلحة المشتركة لموسكو وتل أبيب لإبعاد الإيرانيين عن الأراضي السورية.

وأوضح يهشواع أن إسرائيل تبحث إذا ما كانت موسكو قررت تغيير سياستها غير المعلنة التي أتاحت لسلاح الجو الإسرائيلي العمل للحد من التموضع العسكري الإيراني في سوريا ومنحتها الإمكانية لتكثيف هجماتها في الأشهر الأخيرة؛ وهي الهجمات التي أحبطت خطة لـ"فيلق القدس" بإنشاء "حزب الله 2" في سوريا، وفقا للتقديرات الأمنية الإسرائيلية.

ولا يستبعد المراسل العسكري أن يكون التحرك الروسي عند خط وقف إطلاق النار في الجولان سببه التوتر بين روسيا وأميركا على خلفية ملف أوكرانيا؛ حيث تسعى موسكو من خلال المناورات المشتركة لتذكير واشنطن أن هناك ساحات أخرى مشتعلة في الشرق الأوسط، وأيضا يمكن أن تكون رسالة لتل أبيب لتتدخل لدى واشنطن وتضغط على الأميركيين بملف أوكرانيا.

تدريبات عسكرية روسية بمشاركة أكثر من 10 آلاف جندي قرب الحدود مع أوكرانيا التي تنعكس أزمتها في ساحات أخرى بالشرق الأوسط (الأناضول)

رسائل لإسرائيل

في موسكو، كان لافتا اهتمام وسائل الإعلام الروسية الكبير بالمناورات المشتركة مع سوريا، ووضعه في سياق توتر الأجواء بين موسكو والغرب، الذي قد يتطور إلى درجة إعادة تفعيل الجبهات غير الأوروبية التي تشكل ساحات نزاع بين الجانبين، وسط مخاوف فعلية من اندلاع صراع واسع النطاق في أوروبا الشرقية.

وبشكل واضح، ركّزت وسائل الإعلام في روسيا على ما وراء الدوريات الروسية السورية المشتركة، وإذا كانت مجرد استعراض رمزي للقوة في الأجواء السورية، أم رسالة إلى إسرائيل مفادها أن الأجواء السورية أصبحت مغلقة الآن.

وقال الكاتب في شؤون الشرق الاوسط، ألكسندر سيتنيكوف، إن الإعلان عن بدء الدوريات الجوية المشتركة في سوريا لم يكن خبرا سارا لكل من واشنطن وتل أبيب، متابعا أن إسرائيل بالذات لا بد أنها تشعر بالقلق من المناورات التي لم يعلن عنها سابقا، ولم يبلغ الجانب الإسرائيلي بها، وأنها قد تحمل تأثيرا سلبيا على التنسيق الروسي الإسرائيلي بشأن سوريا.

لكن الخبير العسكري فيكتور ليتوفكين قال -للجزيرة نت- إن الإجراء الروسي يجب فهمه في سياق إصرار موسكو على تنفيذ مهمة قواتها في سوريا المتمثلة في مساعدة القوات الحكومية في القضاء على الجماعات المسلحة، وفي الوقت نفسه تحييد التدخل الخارجي المتمثل في الوجود العسكري لكل من الولايات المتحدة وتركيا.

أما بخصوص إسرائيل فرأى ليتوفكين أن الأوضاع المتوترة في سوريا، وإن كانت تهدد باحتمال وقوع اشتباك ناري "مفاجئ" بين الجيشين الروسي والإسرائيلي، إلا أن الطرفين، حتى في هذه الحالة، سيبحثان عن طرق لحلها ووقفها، منعا للتصعيد.

لماذا ترغب روسيا بانسحاب أميركا من التنف جنوبي سوريا؟
جندي روسيا في جنوب سوريا (الجزيرة)

رفع التعاون مع سوريا

من جانبه، لفت الخبير في العلاقات الروسية-العربية، الدبلوماسي السابق فياتشيسلاف ماتوزوف، إلى بيان وزارة الدفاع الروسية الذي ذكر أن المناورات الجوية المشتركة ستكون دورية. وقال إن الأزمة السورية دخلت منعطفا جديدا، ستعمل موسكو بنتيجته على توسيع حضورها العسكري كرسائل دعم إضافية لدمشق.

وفي الوقت نفسه، حسب ماتوزوف، تؤكد موسكو توجهها لرفع منسوب التعاون بين البلدين، ليس فقط في الحرب ضد الجماعات المسلحة على الأراضي السورية، بل في الاستعداد لمواجهة استحقاق وجود القوات الأميركية والتركية على الأراضي السورية.

ولفت الدبلوماسي الروسي، في حديث للجزيرة نت، إلى أن موسكو تدرك أن الهجمات التي شنّتها الطائرات الحربية الإسرائيلية على مواقع مختلفة داخل سورية لم تكن تستهدف فقط الوجود الإيراني هناك، بل لإحراج روسيا أمام الرأي العام العربي، وإظهارها بأنها عاجزة عن حماية القوات السورية أمام هذه الهجمات.

وأكد أن هدف الوجود العسكري الروسي في سوريا هو مساعدة قوات النظام في عملياتها ضد المعارضة المسلحة، وفي الوقت نفسه منع اندلاع حرب واسعة النطاق بين سوريا وإسرائيل.

لكنه لم يستبعد أن تلجأ موسكو، في مرحلة ما، إلى دعم سوريا بأنظمة الدفاع الأكثر تطورا لديها، لمنح قواتها إمكانية ضرب نقاط انطلاق الهجمات الإسرائيلية عليها.

المصدر : الجزيرة