حشود وتهديدات متبادلة.. هل تنجح وساطة أردوغان في منع الحرب بين روسيا وأوكرانيا؟

Putin And Erdogan Meet For TurkStream Gas Pipeline Opening Ceremony
بوتين (يسار) وأردوغان في لقاء سابق العام الماضي (غيتي)

أنقرة- بينما تدق طبول الحرب بين روسيا وأوكرانيا، تسير جهود تركيا الدبلوماسية بهدوء للحيلولة دون وقوعها؛ فقد رد الكرملين بقبول الرئيس فلاديمير بوتين دعوة نظيره التركي رجب طيب أردوغان لزيارة أنقرة، وذلك عقب مبادرة طرحها الأخير لحل الأزمة، كما سيزور أردوغان أوكرانيا الشهر المقبل.

وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف "بمجرد أن يسمح الوضع الوبائي أولا والجداول الزمنية ثانيا، فإن بوتين سيلبي بالتأكيد هذه الدعوة".

وفي وقت سابق، أكد أردوغان أن أنقرة مستعدة للقيام بالوساطة، وقال "يمكننا أن نلعب دور الوسيط ليعم السلام بين روسيا وأوكرانيا، نريد أن يسود السلام في المنطقة، ومستعدون للقيام بكل ما يقع على عاتقنا".

وتوترت العلاقات بين كييف وموسكو منذ نحو 8 سنوات، على خلفية ضم روسيا شبه جزيرة القرم الأوكرانية إلى أراضيها بطريقة غير قانونية، ودعمها الانفصاليين الموالين لها في دونباس.

ومؤخرا، وجهت أوكرانيا ودول غربية اتهامات إلى روسيا بشأن حشد قواتها قرب الحدود الأوكرانية، في حين هددت واشنطن بفرض عقوبات على روسيا إذا هاجمت أوكرانيا.

وأكد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار أن جهود بلاده مستمرة في تسوية الخلاف بين أوكرانيا وروسيا، مشيرا إلى أن بلاده سبق أن قدمت بالفعل مساهمة مهمة للغاية في تطوير العلاقات بين البلدين.

وفي كلمة له خلال فعالية بالعاصمة التركية، قال السفير الأوكراني لدى أنقرة واسيل بودنار إن بلاده ترحب بالمبادرة التركية للوساطة بين كييف وموسكو، ولجمع قادة البلدين.

وكانت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا علقت على عرض الوساطة قائلة إنه لم يشر إلى الصراع في دونباس. ومن قبل أبدت موسكو استياءها من تزويد تركيا أوكرانيا بطائرات مسيرة مسلحة تستخدم في الإقليم.

الباحث في العلاقات الدولية لدى مركز ستا محمود الرنتيسي
محمود الرنتيسي: تركيا أرادت بعرض الوساطة أن تثبت لروسيا عدم اصطفافها إلى جانب الغرب (الجزيرة)

رفض بطريقة دبلوماسية

الباحث في سياسة تركيا الخارجية بمركز سيتا للدراسات بأنقرة محمود الرنتيسي فسر طبيعة رد الكرملين على دعوة أردوغان بأنها رفض بطريقة دبلوماسية، وقال إنها ستؤدي إلى عدم تحقق زيارة بوتين لأنقرة في سياق الوساطة إلا إذا رأى بوتين -بناء على سير المفاوضات مع نظيره الأميركي جو بايدن- أن العمل مع تركيا قد يحقق له فوائد ما.

وفي حديثه للجزيرة نت، رجح الرنتيسي رفض بوتين للوساطة التركية كونها ستجعل أردوغان وسيطا أعلى شأنا منه، كما أن بوتين يرفض التعامل الندّي مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والجلوس معه على طاولة مفاوضات كطرفي نزاع، فضلا عن أن تركيا عضو في حلف الناتو، وهي من الدول التي ترحب بانضمام أوكرانيا للحلف.

ورأى الباحث أن تركيا أرادت بعرض الوساطة أن تثبت لروسيا عدم اصطفافها إلى جانب الغرب، مشيرا إلى عدم وجود بنود واضحة ومحددة للوساطة التركية مع أنها مطروحة كفكرة لمنع الحرب.

وأضاف الباحث في مركز سيتا -المقرب من الحكومة التركية- أن "أنقرة في وضع معقد؛ ففرض الناتو عقوبات على روسيا سيسبب لها مشاكل مع الأخيرة، واحتلال روسيا أجزاء من أوكرانيا سيهدد موقعها الجيوسياسي ويفرض عليها الاصطفاف إلى جوار الغرب.

ورأى الرنتيسي أن تركيا مستفيدة من استمرار وضع التهديد والتوتر الذي لا ينزلق إلى حرب، لأن ذلك يُزيد صادراتها العسكرية لأوكرانيا ويبقي روسيا في حالة انشغال مع الغرب، مما يفسح المجال لتركيا للتحرك بأريحية في سوريا وليبيا.

معادلة صعبة

وفي السياق، ذكر الكاتب التركي إبراهيم قراغول للجزيرة نت أن لدى بلاده علاقة جيدة مع روسيا وأوكرانيا، لذلك يمكنها إيجاد حل للأزمة.

ورأى أن المبادرة التركية تواجه عدة عقبات، لكنها ستنجح في تأخير الحرب على الأقل إن لم تنجح في منعها.

وشدد قراغول على أن بلاده تعمل بكل جهدها على تخفيف حدة الأزمة، وبغض النظر عما سيحدث، فإنها ستتجنب وجودها كطرف في الحرب، موضحا أهمية الحفاظ على التقارب مع روسيا من جهة، والدفاع عن وحدة أوكرانيا من جهة أخرى.

وقال الكاتب التركي "مع أنها معادلة صعبة لكن العقل السياسي لتركيا سينجح في تحقيقها".

الكاتب والمحلل السياسي ماجد عزام
ماجد عزام: أردوغان يحظى بالثقة والمصداقية لدى نظيريه الروسي والأوكراني (الجزيرة)

فرصة معقولة للنجاح

ويرى الباحث في العلاقات الدولية ماجد عزام أن ثمة فرصة معقولة لنجاح الوساطة التركية وتنفيس أجواء الاحتقان، وخلق بيئة مناسبة للتفاوض والحل السلمي.

ومن إسطنبول، قال عزام للجزيرة نت "يسعى أردوغان عبر جهود الوساطة إلى كسر الحاجز النفسي وفتح قنوات حوار بين الطرفين ولو بشكل غير مباشر في مرحلة أولى، وهنا أيضا قيمة مضافة للجهود التركية تتمثل في علاقات أردوغان الشخصية والثقة والمصداقية التي يتمتع بها لدى نظيريه الروسي والأوكراني".

وبيّن أن احتمال غزو روسيا لأوكرانيا أمر غير واقعي، لأن الأخيرة دولة كبيرة ومن الصعوبة بمكان تصور احتلالها وفق التعبير الحرفي لأردوغان، حسب قوله.

وأضاف عزام "سيكون الهم الأساسي للوساطة التركية إشاعة أجواء التهدئة وتقليل حدة الاحتكاك قدر الإمكان، وبما أن تركيا صاحبة ثاني أكبر جيش في الناتو فهذا يساعدها على لعب دور إيجابي والتأثير أيضا في علاقة روسيا بالحلف".

ولفت الباحث إلى أن دولا أوروبية مثل ألمانيا تتبنى سياسة هادئة مشابهة للمقاربة التركية.

وأشار عزام إلى أن الخلافات التركية-الروسية تجاه أوكرانيا والقرم وسوريا وليبيا، أو حتى تصدير أسلحة دفاعية إلى كييف، لم تؤثر على العلاقات التي استمرت وفق أولوية التوافق والمصالح المتبادلة والانفتاح على نقاش ملفات الخلافات الأخرى.

ويصل حجم التبادل التجاري السنوي بين تركيا وروسيا إلى نحو 30 مليار دولار، مما يعطي العلاقة بينهما قاعدة صلبة.

ورغم أن حجم التبادل التجاري السنوي بين تركيا وأوكرانيا أقل من 5 مليارات دولار، فإن العلاقات بينهما قوية، خاصة مع تصدير أنقرة أسلحة وتقنيات دفاعية إلى كييف، وموافقة أنقرة على إقامة مصنع كبير لتصنيع طائرات بيرقدار المُسيّرة.

ويضاف إلى ذلك دعم تركيا لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها، وهو أمر أكثر وضوحا في شبه جزيرة القرم التي تمتلك تركيا حضورا تاريخيا فيها.

المصدر : الجزيرة