من "شغب المتظاهرين" إلى "الشعب أسقط النظام".. هكذا وثقت عناوين الصحف يوميات ثورة يناير

العناوين الرئيسية للصحف المصرية وثقت مراحل ثورة يناير/كانون الثاني 2011 (الجزيرة)

القاهرة- "الشعب أسقط النظام"، "ورحل مبارك"، "وانتصر الشعب"، هكذا خرجت عناوين الصحف -حكومية وخاصة- صباح يوم 12 فبراير/شباط 2011 تحتفي بنجاح ثورة الشعب المصري في الإطاحة بالرئيس حسني مبارك بعد 30 عاما قضاها في سدة الحكم.

لكن الحال لم تكن كذلك قبل أيام قلائل من هذا التاريخ، وتحديدا عندما اندلعت الشرارة الأولى للثورة في 25 يناير/كانون الثاني 2011 احتجاجا على ما قال المتظاهرون إنه فساد النظام وقتها واستبداده.

ظنت الصحف المرتبطة بالنظام في البداية أن الأمر مجرد مظاهرات محدودة سرعان ما يتعامل معها الأمن، لذا اتسمت تغطيتها بالانحياز للنظام ومساندته، لكن سرعان ما بدأت المظاهرات تتحول إلى ثورة شعبية عارمة تجتاح البلد، فظهر التخبط على الصحف بين ولائها للنظام وتبني توجهاته، ومحاولة الانحياز لنبض الشارع الحقيقي.

ولما بدا واضحا أن الثورة ستنتصر سارعت الصحف للحاق بركب الثورة وخرجت صفحاتها الأولى تحمل عناوين وصورا تمجد الثورة والثوار، بل وكان الأكثر إثارة أنها بدأت تتحدث بلسان الثورة.

الملفت أن الباحث سيكتشف أن كثيرا من الصحف المصرية قامت بحجب أرشيفها أو حذف بعض الأخبار المتعلقة بثورة يناير/كانون الثاني 2011، لكن نحاول من خلال العرض التالي التذكير بأهم أحداث الثورة، وكيف تعاملت معها الصحف في تلك الفترة الفارقة من تاريخ مصر الحديث.

شرارة الثورة

بدأت أحداث الثورة بخروج آلاف المحتجين في مظاهرات سلمية في القاهرة وعدد من المحافظات، استجابة لدعوات شعبية وشبابية انطلقت على مواقع التواصل الاجتماعي.

تجاهلت الصحف الحكومية الصادرة في ذلك اليوم الإشارة إلى دعوات التظاهر، وركزت على نشر حوار للرئيس مبارك، في حين خصصت صحيفة الأهرام صفحتها الأولى لحوار مع وزير الداخلية حبيب العادلي، تحدث فيه عن "تنظيم إرهابي" يستهدف تفجير دور العبادة، على حد قوله.

انتهى اليوم الأول للمظاهرات بسقوط عدد من الضحايا بعد أن لجأت قوات الشرطة إلى التعامل العنيف مع المتظاهرين، واستمرت على هذا النهج خلال الأيام التالية.

حاولت الصحف الحكومية التهوين من الاحتجاجات، والتقليل من المتظاهرين والتلميح بوجود تحريض من جماعة الإخوان المسلمين، وتحدثت صحيفة الجمهورية عما أسمته "شغب المتظاهرين والعناصر المندسة"، وكان عنوانها الرئيسي في 26 يناير/كانون الثاني "المتظاهرون عطلوا المرور وأثاروا الشغب في التحرير.. عناصر المحظورة وسط 10 آلاف من المتجمهرين.. ألقوا الحجارة وأتلفوا المنشآت"، بينما اكتفت الأهرام بخبر جانبي بعنوان "مظاهرات حاشدة بالقاهرة والمحافظات".

أما الصحف الخاصة فرأت أن هذه المظاهرات بمثابة "إنذار" كما وصفتها "المصري اليوم"، بينما عنونت "الشروق" صفحتها الأولى بمانشيت (عنوان رئيسي) "مصر الغاضبة في الشارع".

وخلال اليومين التاليين ازداد اهتمام الصحف الحكومية بالأحداث، لكن مع تبني جانب السلطة، وإبراز وعود النظام "بالإصلاحات"، والحديث عن متابعة مبارك للأحداث وحرصه على المواطنين، والتزام الأمن بضبط النفس، كما جاء في عناوين الأهرام صباح 28 يناير/كانون الثاني 2011.

أما صحيفة الأخبار فقد تحدثت عن "مصادمات خطيرة في السويس وسيناء"، وأبرزت دعوة وزارة الداخلية "لعدم المجازفة بمقومات الاستقرار"، مشيرة إلى دعوات مجلس الشعب للحكومة بأنها "جاءت من أجل الشعب.

وكانت الصحف الخاصة أكثر صراحة في الحديث عما يحدث في الشارع المصري، خاصة أنها كانت تحظى بقدر من الحرية في ذلك الوقت، فأشارت الشروق إلى "عنف عشوائي وقسوة أمنية مفرطة في ثاني أيام الغضب"، وأكدت المصري اليوم أن المتظاهرين والأمن رفعوا شعار "لا تراجع.. ولا استسلام"،  مشيرة إلى "تجدد المظاهرات والاشتباكات والاعتقالات".

جمعة الغضب

صمد المتظاهرون، وجاء يوم "جمعة الغضب" 28 يناير/كانون الثاني، ليتمكن الثوار من كسر حصار الشرطة بعد سقوط مئات الضحايا، ونجح المتظاهرون في الوصول إلى الميادين الرئيسية، لتختفي الشرطة وتُفتح أبواب سجون عدة، وتنتشر آليات الجيش في الشوارع بعد إعلان مبارك حظر التجول وإقالة الحكومة.

ومن دون الإشارة إلى المظاهرات الحاشدة وصمود الثوار، خرجت صحيفة الأهرام في اليوم التالي بعنوان "إقالة الحكومة"، وأبرزت تحذيرات مبارك مما أسماه "مخطط زعزعة الاستقرار والانقلاب على الشرعية"، وعلى المنوال نفسه خصصت الجمهورية عنوانها الرئيسي لقرار مبارك بإصدار قرار حظر التجول في عدة مدن.

وخلال الأيام التالية اهتمت الصحف الحكومية بإبراز قرارات مبارك بتعيين مدير المخابرات اللواء عمر سليمان نائبا له، وتشكيل حكومة جديدة برئاسة وزير الطيران الفريق أحمد شفيق، ووصفتها "بتصحيح المسار"، مع إشارة متواضعة إلى استمرار المظاهرات، وتناول أخبار مفزعة عن هروب السجناء واقتحام اللصوص المنازل، في حين كان ملفتا استخدام صحيفة الأخبار وصف "الشهداء".

وسعت الأهرام لمحو أي تصور لدى الشعب بأن نزول الجيش في صالح ثورته، فكان مانشيتها الرئيسي يوم 31 يناير/كانون الثاني "اجتماع للرئيس مبارك مع القيادات العسكرية"، للتدليل على أن كل الخيوط لا زالت في قبضته.

الثورة مستمرة

لم يستسلم الثوار ورفض الشعب الثائر محاولات التهدئة التي اتخذها النظام وتصريحاته الوردية، وخرجت مظاهرة مليونية في الأول من فبراير/شباط تطالب بإسقاط النظام، ليعود مبارك بخطاب عاطفي يعلن فيه عدم نيته الترشح لولاية جديدة، مع تمسكه برفض الرحيل الفوري عن الحكم.

وأفردت الصحف الحكومية الصادرة في الثاني من فبراير/شباط صفحاتها الأولى لكلمة مبارك، وعنونت الأهرام صفحتها الأولى بـ"مبارك يعلن إجراءات الانتقال السلمي للسلطة"، في حين اختارت الجمهورية إبراز قول مبارك "الوطن باق والأشخاص زائلون"، ولم يجد خبر المليونية طريقه إلى الصفحة الأولى في الجمهورية، وشغل حيزا صغيرا في الأهرام.

موقعة الجمل

في اليوم التالي لخطاب مبارك، نظّم أنصار النظام مظاهرات لتأييده ودبروا محاولة لإخلاء ميدان التحرير بالقوة، واقتحم آلاف من البلطجية الميدان ليتصدى لهم الثوار في مواجهات استمرت لليوم التالي.

واصلت الصحف الحكومية توجيه بوصلتها تجاه السلطة، وخرجت صحيفة الأهرام في الثالث من فبراير/شباط بعنوان "الملايين يخرجون تأييدا لمبارك"، أما الجمهورية فقد تحدثت عن دعوة القوات المسلحة المتظاهرين إلى "العودة لمنازلهم".

ومع نجاح المعتصمين في ميدان التحرير في الصمود ودحر المهاجمين، بدأ النظام محاولاته لاستمالة الثوار بتصريحات عن محاكمة بعض رموز النظام والاعتذار للشعب، وهو ما وصفته صحيفة الأخبار في صفحتها الأولى في الرابع من فبراير/شباط "بالتطهير"، واعتبرته الجمهورية "مكاسب الثورة الشعبية"، وكان ملفتا استخدام مصطلح الثورة.

تحويل البوصلة

بدأت الصحف الحكومية تحويل بوصلتها تدريجيا والاهتمام بتناول احتجاجات الثوار المتصاعدة، بعدما ظهرت قوتها، وخرجت الجمهورية في الخامس من فبراير/شباط بعنوان "مظاهرات الجمعة.. حضارية"، في حين تحدثت الأهرام عن "مئات الآلاف في التحرير يطالبون بالتغيير".

وخلال الأيام التالية ركزت الصحف على التغييرات التي يشهدها النظام وعمليات التحقيق الجارية مع بعض رموزه، مع الإشارة إلى عمليات الحوار التي جرت بين الثوار وعمر سليمان التي وصفتها الجمهورية في مانشيت يوم السابع من فبراير/شباط بأنها "عهد جديد".

ورغم ذلك، لم يكن التحول كاملا وركزت الصحف الحكومية على تصريحات سليمان التخويفية التي قال فيها "مصر بين خيارين.. الحوار أو الانقلاب".

الثورة تنتصر

كان غليان الشارع المصري مستمرا خلال هذه الأيام، واستمرت المظاهرات الحاشدة، وخرج مبارك في العاشر من فبراير/شباط بخطابه الثالث رافضا التنحي، ليعلن المتظاهرون عن تنظيم مليونية الزحف، وكان واضحا أن قيادات الصحف الحكومية قد أدركت أن طوفان الثورة لن يتوقف، فخرجت الأهرام يوم الجمعة 11 فبراير/شباط بملحق خاص باسم "شباب التحرير" كان عنوانه الرئيسي "الشرعية الثورية فوق الدستور".

وفي مساء 11 فبراير/شباط 2011، خرج اللواء عمر سليمان ليعلن تنحي مبارك وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد، لتخرج كل الصحف حكومية وخاصة في اليوم التالي بعناوين ثورية تحتفل بانتصار الثورة.

فكان مانشيت الأهرام الرئيسي "الشعب أسقط النظام"، وفي الأخبار "ورحل مبارك"، وفي الشروق "وانتصر الشعب"، أما المصري اليوم فجعلت عنوانها الرئيسي "الشعب أراد وأسقط النظام".

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة