في ظل الحشود وتبادل الاتهامات.. هل لأوكرانيا مصلحة في الحرب مع روسيا؟

يرى محللون أن أقصى ما قد تستفيد منه أوكرانيا إذا وقعت الحرب فعلا، هو "رفع ثمنها"، والاستعداد جيدا لهذا الغرض. فهل ترى كييف في الحرب مصلحة لها؟

صورة من تدريبات للقوات الأوكرانية نشرتها قيادة الأركان العامة على حسابها صفحتها في فيسبوك، وصفحة وزارة الدفاع (8)
من تدريبات للقوات الأوكرانية نشرتها قيادة الأركان العامة على صفحتها في فيسبوك (مواقع إلكترونية)

كييف- "لا بد من الحوار مع روسيا"، شعار رفعه نظام الرئيس الأوكراني الحالي فولوديمير زيلينسكي سبيلا وخيارا وحيدين لإنهاء الحرب في شرق البلاد بأي ثمن، بعد شعار "لا تثقوا بروسيا" الذي كان يردد في أوكرانيا منذ بداية الأزمة في 2014 وحتى انتخابات الرئاسة في 2019.

لكن بعد تدهور الأوضاع ووصول الأمور حد التهديد بحرب شاملة تتجاوز الشرق إلى خطر استهداف كييف وقلب نظام الحكم فيها، يبدو أن فرص الحوار تتلاشى والحرب تبرز خيارا شبه وحيد.

يعزز هذا الواقع حقيقة أن التواصل المباشر -وغير المباشر- بين أوكرانيا وروسيا انتهى، حتى في إطار ما يعرف بمجموعة "رباعية نورماندي" للتسوية التي تضم كذلك ألمانيا وفرنسا؛ فضلا عن توتر العلاقات كثيرا بين كييف وبرلين على خلفية الأزمة الراهنة أيضا.

وكذلك، في ظل حصول كييف على كميات من "الأسلحة النوعية والفتاكة"، ولا سيما من قبل أميركا، العدو الإستراتيجي لروسيا، باتت الخيارات السلمية مستبعدة، وبات الحوار أكثر صعوبة وتعقيدا.

صورة لأحد المباني المدمرة بسبب الحرب في مناطق شرق أوكرانيا نشرتها صفحة وزارة الدفاع على صفحتها في فيسبوك
من المباني المدمرة بسبب الحرب في مناطق شرق أوكرانيا (مواقع إلكترونية)

انهيار ما تبقى من أمل

وبحسب مراقبين أوكرانيين، اضطر الرئيس زيلينسكي لتغيير نهجه بعد فترة، وسلوك آخر يعتمد على قوة الاستعداد، بدعم "شركاء وحلفاء" كييف من دول الغرب.

يقول الكاتب والمحلل السياسي دميترو بورتنيكوف "اقتنع زيلينسكي أنه لا أمل ولا جدوى من أي حوار مع الكرملين، لأنه رفض مرارا أي لقاء مباشر بين بوتين وزيلينسكي، ثم اشترط ألا يتطرق اللقاء إلى قضايا القرم ودونباس، على اعتبار أن القرم أرض روسية، وأن موسكو تلعب دور الوسيط لحل أزمة دونباس".

وتابع حديثه للجزيرة نت "بمعنى آخر، الحوار مع روسيا بات مستحيلا، وإن تم، فسيكون عقيما. روسيا تتعامل بفوقية واضحة مع أوكرانيا".

موسكو تتهم كييف بتهديد دونباس

ومع بداية الأزمة الراهنة، كررت موسكو اتهام كييف بالتخطيط لعمل عسكري في إقليم دونباس، خاصة بعد استخدامها (مرة واحدة) طائرة "بيرقدار" التركية المسيرة، في مشهد ذكّر بسيناريو تحرير إقليم قره باغ في أذربيجان قبل أشهر.

وبطبيعة الحال، نفت كييف هذا الاتهام؛ لكن الأكيد أن خطابها تغير بعد حدث استخدام الطائرة، متحولا إلى لهجة مليئة بالتحدي والتمسك بحق استخدام القوة لتحرير أراضيها من الموالين لروسيا، والتشديد على أن "موسكو طرف في الأزمة لا وسيط".

صورة من تدريبات للقوات الأوكرانية نشرتها قيادة الأركان العامة على حسابها صفحتها في فيسبوك، وصفحة وزارة الدفاع (6)
من تدريبات للقوات الأوكرانية نشرتها قيادة الأركان العامة على حسابها في فيسبوك (مواقع إلكترونية)

هل لأوكرانيا مصلحة في إشعال حرب؟

ويدرك الأوكرانيون -ويدرك العالم كله- اختلاف موازين القوى بين روسيا وأوكرانيا، لذلك يسارع كثيرون (منطقيا) إلى اعتبار أن الأخيرة غير معنية ببدء أي حرب تجعلها في مواجهة مباشرة مع روسيا، التي لن تتوانى عن التدخل بذريعة "حماية الأقليات الروسية".

ولكن آخرين -وخاصة في روسيا- يرون أن لأوكرانيا مصلحة في هذه الحرب، بل حاجة ماسة -ربما- في ظل متغيرات ومعطيات إقليمية وعالمية جديدة.

يرى المحلل في مركز التحليل الإستراتيجي بروسيا رسلان بوخوف، أن "أوكرانيا لا تسعى إلى الحرب، لكنها قد تعتقد أن فيها سبيلا وحيدا لاستنزاف روسيا وتأليب الشعب على سلطاتها، بدلا من أن يستمر الوضع في شرقها سنوات طويلة، ما دام بوتين في سدة الحكم".

ويوضح للجزيرة نت أن "كييف تستطيع تحرير دونباس وفق سيناريو إقليم قره باغ، لكنها تدرك أن ذلك لن يحدث، لأن روسيا ستتدخل ضدها حتما، وعندها تشتعل حرب مباشرة صريحة، تكون مكلفة أكثر بالنسبة لروسيا، ومحل جدل كبير فيها".

هل التقت حاجة أوكرانيا مع مصالح أميركا؟

وبناء على فرضية وجود "مصلحة أوكرانية" في الحرب، يربط مراقبون بين "حاجة" أوكرانيا إلى تحرير أراضيها، و"مصالح" أميركا الإقليمية والدولية.

يدعم المحلل السياسي بوخوف هذه الربط بالقول "استفادت أوكرانيا من تفرغ الولايات المتحدة لإضعاف نفوذ روسيا والصين بعد الانسحاب من أفغانستان. الساحة الأوكرانية مثالية لهذا الغرض، وأعتقد أن هذا يفسر حجم الاهتمام الأميركي بدعم كييف، وسط معارضة دول رئيسية في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (NATO)".

وقد يفسر هذا الرأي "التناغم" التام في المواقف بين كييف وواشنطن، و"الجفاء" الأوكراني الألماني، على اعتبار أن برلين ترفض -حتى الآن- تسليح كييف، وترغب بحل سلمي يبعد خيار الحرب، وينقذ مشروع "نورد ستريم 2" لنقل الغاز الروسي مباشرة إليها.

صورة من تدريبات للقوات الأوكرانية نشرتها قيادة الأركان العامة على حسابها صفحتها في فيسبوك، وصفحة وزارة الدفاع (2)
من تدريبات للقوات الأوكرانية استعدادا لأي حرب قد تخوضها مع روسيا (مواقع إلكترونية)

أوكرانيا أكبر الخاسرين

لكن الأصوات الأوكرانية تكاد تجمع على رفض كل النظريات والفرضيات و"الادعاءات" الروسية، والتأكيد على أن أوكرانيا لا تريد الحرب، وأنها أول وأكبر الخاسرين فيها.

يقول المحلل السياسي فولوديمير شومكوف "هذا هراء. روسيا هي التي تخلق الحرب، وحشدت لها أكثر من 100 ألف جندي على كل الحدود مع أوكرانيا".

ويضيف موضحا للجزيرة نت "وكيف يمكن أن يكون لأوكرانيا مصلحة في حرب تهدد اليوم العاصمة كييف، وقد تسعى إلى تغيير نظام حكمها. مخاطر هذه الحرب تتجاوز حدود أوكرانيا وأوروبا، وربما قد تؤدي إلى حرب عالمية ثالثة".

ويدعم الإعلامي محمد زاوي هذا الرأي، بالقول للجزيرة نت "لا مصلحة البتة لأوكرانيا. التصعيد الراهن يهدد باقتطاع أجزاء جديدة منها؛ ولأن روسيا تدرك أنها لن تكون في نزهة، فلا يمكن استبعاد أن تلجأ إلى سياسة "الأرض المحروقة" التي تفضلها، كما فعلت في الشيشان وجورجيا وسوريا"، على حد قوله.

رفع ثمن الحرب

وفي سياق متصل، يرى محللون أن أقصى ما قد تستفيد منه أوكرانيا إذا وقعت الحرب فعلا، هو "رفع ثمنها" والاستعداد جيدا لهذا الغرض.

يقول الكاتب والمحلل السياسي دميترو بورتنيكوف: "ليس أمام الأوكرانيين إلا الصمود، ولكن أوكرانيا لن تستطيع النصر. بالصمود ودعم الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها من الدول، سيرتفع ثمن الحرب على الروس إلى أقصى درجة ممكنة، سواء بأعداد القتلى من الجنود، أو من خلال عقوبات قاسية يلوح بها الغرب".

ويردف قائلا: "أما إذا كانت أطماع روسيا تتجاوز حدود أوكرانيا، فأعتقد أن الأمور ستكون أعقد وأخطر بكثير، وباهظة الثمن بالنسبة للعالم أجمع".

المصدر : الجزيرة