بعد طول شك ولا مبالاة.. شبح الحرب يعود إلى شوارع أوكرانيا

يبدو أن إسراع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إلى نشر مقطع فيديو بعد ساعات من تصريحات بلينكن، دعا فيه إلى "الخوف دون هلع"، جاء بنتائج عكسية على الشارع، الذي انهمك بالبحث عن إجابات لأسئلة رئيسية: ماذا سيحدث وماذا سنفعل؟

محاولات الرئيس الأوكراني زيلينسكي (وسط) طمأنة الشارع جاءت بنتائج عكسية فأثارت الخوف في قلوب الأوكرانيين من حرب مقبلة (الجزيرة)

كييف- شيئا فشيئا، يصحو الأوكرانيون من حلم أمان واستقرار لم يتحقق، على وقع طبول حرب يحذر من اقترابها العالم أجمع، ويعد العدة لمواجهتها والحد من تداعياتها.

وحالة "الشك واللامبالاة" بكل ما يحدث، التي سادت الشارع الأوكراني خلال الأسابيع القليلة الماضية، تتحول اليوم إلى مخاوف حقيقية، أمام ما تبثه شاشات التلفزة من أخبار ومستجدات، وتراه الأعين من تحركات نشطة للآليات العسكرية صوب جبهات التدريب والقتال المتوقعة.

ورغم أن حركة الناس إلى أعمالهم طبيعية، حتى الآن، فإن حركة رجال وسيارات الأمن والإسعاف والطوارئ ليست كذلك؛ وتعكس واقعا مغايرا لما تحرص السلطات على تأكيده.

تطورات عززت المخاوف

مخاوف الشارع برزت بالإعلان، في 14 يناير/كانون الثاني الجاري، عن هجمات إلكترونية استهدفت مواقع حكومية وخدمية تضم بيانات ملايين المواطنين وعناوين حساباتهم.

ثم أقرت وزارة الداخلية بوجود مئات البلاغات الكاذبة حول قنابل في مؤسسات حكومية ومدارس ومحطات قطارات وغيرها من المناطق الحيوية.

وعززت المخاوف تصريحات وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، خلال زيارة جديدة أجراها إلى كييف قبل أيام، دعا فيها الأوكرانيين إلى الوحدة، والاستعداد لـ"أيام صعبة"، بعد تراجع فرص الحل الدبلوماسي، على ما يبدو.

ويبدو أن إسراع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إلى نشر مقطع فيديو بعد ساعات من تصريحات بلينكن، دعا فيه إلى "الخوف دون هلع"، جاء بنتائج عكسية على الشارع، الذي انهمك بالبحث عن إجابات لأسئلة رئيسية: ماذا سيحدث وماذا سنفعل؟

كيف يستعد الأوكرانيون لحرب محتملة؟

وتتفاوت نظرة الأوكرانيين إزاء الحرب المحتملة والاستعداد لها، بين من يتمسكون بالتهوين، وآخرين قد يصل بهم التهويل حد المبالغة؛ وهنا قد تلعب الأعمار دورا كبيرا في مواقف الناس.

في أحد المجمعات التجارية بالعاصمة كييف، يتجول الشاب سيرهي مع أصدقائه كالمعتاد، ويقول للجزيرة نت: "بتّ أدرك جدية وخطورة الأوضاع هذه المرة، وأنها ليست مجرد استعراض جديد للضغط وتحقيق مكاسب سياسية، ولا سيما بعد أن حشدت روسيا نحو 100 ألف من قواتها قرب الحدود، واندفع الغرب لتسليح أوكرانيا بهذا الاهتمام".

ويضيف "ولكن، ما العمل؟ أنا أتعامل مع الأمر بدم بارد، لأنني وكثيرين غيري، لا نستطيع فعل شيء، غير التمني بأن تمر الأزمة الراهنة كسابقاتها".

أما السيدة العجوز لودميلا، فتقول للجزيرة نت "أنا خائفة. لا أريد أن تصل الحرب إلى كييف، فلا مكان ألجأ إليه. آمل أن يتمكن شبابنا (في الجيش) من صد المعتدي. سأشتري قريبا كمية من الطحين والحبوب والزيت لتخزينها".

السلع متوفرة على رفوف المتاجر، وبكميات يبدو أنها كافية، وما من مظاهر "هلع" تذكر، وحول هذا تقول فالينتينا، الموظفة في أحد المجمعات التجارية، للجزيرة نت: "انتظروا نهاية الشهر، وسترون كيف أن الناس سيشترون المواد الأساسية لتخزينها".

وتابعت "عند كل تصعيد يحدث هذا، وفي بداية جائحة كورونا حدث أيضا. المجمعات باتت تأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار مسبقا، بشكل يوحي بأن الإقبال كبير، والعرض وفير، ما قد يخفي مبالغة بعض الزبائن بحجم عمليات الشراء والتخزين".

جد وهزل على مواقع التواصل

وفي وسائل التواصل الاجتماعي، لا يقل تفاعل الناس على الأحداث، وفيها تبرز جلية عودة مظاهر الحس الوطني، التي شهدت البلاد أوجها في بداية الأزمة المستمرة مع روسيا منذ 8 سنوات.

من ذلك عودة لغة التمجيد بالبلاد وقدرات "أبطالها" على مواجهة "الأعداء"، والدعوات إلى التكاتف الشعبي؛ وكل هذا يتزامن مع "يوم الوحدة"، الذي تحييه أوكرانيا في 22 يناير/كانون الثاني من كل عام.

لكن مواقع التواصل، بالمقابل، مليئة بمنشورات السخرية من تصريحات "الطمأنة" الرسمية، وبعضها تعتبر أن المسؤولين في "عالم آخر"، بعيدا عن الواقع.

ردا على فيديو الرئيس، الذي دعا فيه السكان إلى الهدوء وعدم الهلع، كتب سيرهي: "يؤكد لنا زيلينسكي أننا سنشوي اللحم هذا الصيف. أنا خائف بما أنه واثق. دلوني على أقرب وأرخص متجر لأشتري المؤن".

وكتب آخر، باسم مستعار: "عندما ينتشر الخوف في العالم كله، وتتسم سلطاتنا بهذه الثقة، فاعلموا أن الأمور تجري نحو الأسوأ. الحرب مقبلة".

استعداد الدفاع الشعبي

وغير بعيد عن المدن الرئيسية، وخاصة في كييف ومناطق شرق أوكرانيا، ثمة استعدادات وتدريبات عسكرية "تطوعية" في صفوف المدنيين، تذكر بأحداث عام 2014 وما تبعها.

يوضح الصحفي بافلو فيدوسوف بالقول: "مئات الشبان يلتحقون بمجموعات تطوعية، تُجري، بالتعاون مع إدارات المدن والشرطة وجنود سابقين، تدريبات على استخدام السلاح، وتنظيم شؤون حياة الناس أثناء الحرب".

ويتابع: "كثير من هذه المجموعات جاهزة في العاصمة كييف، ومدينة سومي، ودنيبرو، وماريوبول، وزابوريجا، وأوديسا، وكذلك في خاركيف، التي حذر الرئيس زيلينسكي من أنها قد تكون هدفا رئيسا لأي غزو روسي".

واعتبر فيدوسوف أن "الاستعدادات جاءت بناء على حجم المخاطر، ولذلك فهي الأكبر منذ بداية الأزمة".

المصدر : الجزيرة