تقنين عمالة الأطفال بمصر.. حماية تشريعية أم انتهاك للبراءة؟

أطفال مصريون في جولة بنهر النيل (الجزيرة)

القاهرة – بينما كان أعضاء مجلس الشيوخ المصري يتناوبون -تحت قبة البرلمان- التعليق على المواد المنظمة لعمل الأطفال، ثم الموافقة عليها ضمن قانون العمل الجديد، كانت فرق الإنقاذ النهري تنتشل جثة طفلة لم تتجاوز 12 ربيعا فُقدت قبل أسبوع خلال حادث سير أثناء عودتها من العمل.

ففي الأسبوع الماضي، سقطت سيارة تقل 24 طفلا وبالغا في مياه نهر النيل، خلال عودتها إلى القرية التي يقطن بها الضحايا الذين يعملون في مزرعة دواجن بمحافظة المنوفية شمال غرب القاهرة، نظير مبلغ يتراوح بين 25 إلى 50 جنيها يوميا (الدولار يساوي 15.7 جنيها).

إثر ذلك الحادث توفي 7 أطفال، وتم انتشال جثثهم بعد ساعات، فيما انتظرت أسرة الطفلة شروق ياسر أسبوعا كاملا كي تطفو جثة ابنتها فوق مياه النهر، بالتزامن مع المناقشة البرلمانية لقانون العمل.

وشملت المواد -التي وافق عليها النواب الاثنين الماضي- حظر تشغيل الأطفال قبل بلوغ 15 عاما، مع جواز تدريبهم حتى يبلغوا 14 عاما بما لا يعيق مواصلة تعليمهم، مع إلزام صاحب العمل الذي يستخدم من هم دون الـ16 بمنحهم بطاقة تفيد عملهم لديه.

كذلك منع التشريع الجديد تشغيل الأطفال أكثر من 6 ساعات يوميا تتخللها فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة، بحيث لا يعمل الطفل أكثر من 4 ساعات متصلة، مع حظر العمل لفترات إضافية أو في أيام العطلات، وفي جميع الأحوال يمنع العمل بين الساعة السابعة مساء والسابعة صباحا.

وأثار القانون جدلا بين مؤيدين اعتبروه تقنينا لأمر واقع يصعب تجاهله خاصة في الريف والأحياء الفقيرة، ورافضين اعتبروه ترسيخا لانتهاك حقوق الأطفال.

تقنين ومحاربة

ثمة تناقض واضح داخل إطار المشهد الرسمي فيما يخص عمالة الأطفال؛ فمع مسار البرلمان لتقنين وضع الطفل العامل بمصر، تسير الحكومة في طريق آخر يحاول القضاء على ظاهرة تشغيل القُصّر بحلول عام 2025.

ووفق صحيفة الأهرام الحكومية، شكلت وزارة القوى العاملة لجنة مع مكتب منظمة العمل الدولية في مصر لتنفيذ الخطة الوطنية لمكافحة عمل الأطفال ودعم الأسر الفقيرة التي تضطر لتشغيل أبنائها.

ونقلت الصحيفة عن مروة صلاح عبده المنسقة الوطنية للجنة مكافحة عمل الأطفال تأكيدها الإسراع بالقضاء على عمل الأطفال، عبر تحديث قرار وزير القوى العاملة والهجرة رقم 118 لسنة 2003 بشأن تحديد نظام تشغيل الأطفال.

وأوضحت حرص وزارة القوى العاملة على تحديث ومراجعة القوانين والقرارات كافة، لمواكبة أحدث المعايير الدولية بشأن تحديد نظام عمل وتدريب الأطفال والظروف التي يتم فيها التشغيل، وكذلك الأعمال والمهن والصناعات التي يحظر تشغيلهم فيها وفقا لمراحل السن المختلفة.

وتُلزم المادة 80 من الدستور المصري الدولة برعاية الطفل وحمايته من جميع أشكال العنف والإساءة وسوء المعاملة والاستغلال الجنسي والتجاري، وتحظر تشغيله قبل تجاوز سن إتمام التعليم الأساسي وتشغيله في الأعمال التي تعرضه للخطر.

حجم العمالة

يصعب تقدير أعداد الأطفال العاملين بمصر وعدد ساعات عملهم يوميا خصوصا بالنظر إلى طبيعة الريف بالبلاد، حيث يشتغل كثير ممن دون الـ16 من دون حصر من جانب الحكومة أو مظلة حقوقية يمكنها تتبع الأطفال وظروف تشغيلهم.

ولم تقدم الجهات الرسمية المعنية إحصاءات بخصوص حجم عمالة الأطفال سوى قبل نحو 12 عاما، حين أظهر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن عدد الأطفال العاملين في الفئة العمرية من 5 إلى 17 عاما بلغ 1.59 مليون طفل بنسبة 9.3% من إجمالي الأطفال، وذلك وفقا للمسح القومي لعمالة الأطفال الذى أجراه الجهاز بالتعاون مع منظمة العمل الدولية خلال عام 2010 .

وفي يونيو/حزيران 2013، أصدر جهاز التعبئة والإحصاء بيانا بمناسبة اليوم العالمي لمحاربة تشغيل الأطفال، أوضح فيه أن 78.8% من جملة الأطفال العاملين هم من الذكور مقابل 22.2% إناث.

وذكر البيان أن 46.2% من إجمالي الأطفال العاملين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاما، وأن الأعمال الزراعية تستحوذ على 47% من إجمالي الأطفال العاملين يليه 14.1% يعملون حرفيين ثم 10.5% يعملون في الخدمات، ومحلات البيع.

وأوضح أن 82.2% من الأطفال العاملين يتعرضون لظروف عمل سيئة، و9.8% يقومون بتشغيل ماكينات أو معدات ثقيلة في العمل، بينما 16.9% من الأطفال يعملون لساعات أكثر من المسموح به، في حين يعمل 0.9% منهم بأنشطة أو مهن خطرة، و4.7% يتعرضون للإيذاء الجسدي و0.5% يتعرضون للتحرش الجنسي.

وبلغ عدد الأطفال في مصر حتى منتصف العام الماضي نحو 40.9 مليون طفل منهم 21.1 مليون ذكور بنسبة 51.6%، و19.8مليون إناث بنسبة 48.4%، فيما وصل عدد سكان مصر لنحو 102 مليون نسمة.

آثار سلبية

من جانبه، قال أحمد مصيلحي رئيس شبكة الدفاع عن الأطفال إن الأرقام التي تعلنها الحكومة حول عمالة الأطفال غير دقيقة، نتيجة عدم رصدها للأطفال العاملين في الريف والمنضوين في مشاريع خاصة بالأسرة نفسها.

وتحدث مصيلحي -في تصريحات صحفية- حول الآثار السلبية لعمالة الأطفال على المجتمع، معتبرا أن الطفل الذي يضطر للخروج إلى سوق العمل بمثابة مواطن فقد مشاعر الانتماء إلى الوطن.

وانتقد الناشط الحقوقي الدور الحكومي الذي يستهدف تحجيم جهود المجتمع المدني حيال هذه القضية، موضحا أن الاستهداف وصل إلى حد محاسبة المؤسسات الحقوقية على التقارير التي تصدرها وتتضمن معلومات تخالف التوجهات الرسمية.

إن ذلك التحجيم لعمل المجتمع المدني يقابله سلبية من جانب المجلس القومي للطفولة والأمومة، والذي أصبح -وفق مصيلحي- يقتصر عمله على إصدار البيانات متجاهلا مهمته الأساسية المتمثلة في رسم سياسات وخطط إستراتيجية تهدف إلى حماية الطفل، والرقابة على مختلف الوزارات المعنية برعاية الطفولة.

وبدوره، علق أحمد النجار -وهو رئيس مجلس إدارة صحيفة الأهرام السابق- على حادث مصرع أطفال خلال رحلة العودة من العمل، مطالبا بضرورة منع عمالة الأطفال.

وقال -خلال منشور له عبر موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك- إن منع عمالة الأطفال يقترن بكفالة الدولة لأسرهم الفقيرة، وإلا فإن المنع سيعني غلق سبل الحياة أمام تلك الأسر.

وتطرق النجار إلى مفهوم أولويات البنية التحتية، مشيرا إلى بناء جسور عديدة في أماكن لا تتسم بأي كثافة أو حاجة مرورية داخل المدن، في حين تحتاج مناطق أخرى بشكل مُلح لجسور وطرق، مستشهدا بحادثة غرق الأطفال الأخيرة، حيث إن الحادث يقف وراءه بالأساس غياب جسر يربط بين غرب محافظة المنوفية وجنوبها.

الفقر هو السبب

وفي مقال له حمل عنوان "حادث معدية منشأة القناطر وعمالة الأطفال في مصر"، ربط الناشط العمالي إلهامي الميرغني بين لجوء أسر مصرية لتشغيل أطفالها وارتفاع معدلات الفقر في البلاد.

وبلغت نسبة الفقر في مصر 29.7% في عام (2019- 2020)، وفق بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، علما أن تقارير دولية كانت قد تحدثت عن نسبة تصل إلى 60%.

وأشار الميرغني إلى دراسة أعدها مركز "الطفل العامل" حول حجم عمالة الأطفال في مصر، حيث قدرها المركز بنحو 3 ملايين طفل، يمثلون ثلث الشريحة العمرية الموجودة بالتعليم الأساسي، وهو ما يزيد على آخر التقديرات الحكومية بمقدار الضعف.

إلى ذلك، دعم الناشط العمالي رؤيته فيما يخص الربط بين الفقر وتشغيل الأطفال، بدراسة أعدتها سحر عبد الستار إمام أستاذة القانون ومقررة المجلس القومي للمرأة بمحافظة المنوفية، حول ظاهرة عمالة الأطفال في مصر.

وأوضحت الدراسة أن سوء الأحوال الاقتصادية في المجتمع المصري، وارتفاع نسبة الأمية، إلى جانب تدني مستوى التعليم على اختلاف أنواعه، فضلا عن نقص الوعي المجتمعي لدى الأسر المصرية بأهمية التعليم، وعدم الثقة في النظام التعليمي خاصة في ظل تزايد نسبة البطالة بين المتعلمين، كل ذلك شجع الأسر على الدفع بأبنائها في سن مبكرة للخروج لسوق العمل.

وأشارت إمام -في دراستها الصادرة عام 2017- إلى أن عمل الأطفال في مثل هذه الظروف أصبح بمثابة طوق نجاة لأسرهم، رغم المخاطر التي يتعرضون لها صحيا واجتماعيا ونفسيا، في ظل غياب الرقابة القانونية والمجتمعية على أرباب الأعمال، وعدم فاعلية القوانين القائمة، وعدم كفايتها لضمان احترام حقوق الطفل.

واختتم الميرغني مقاله بالتأكيد على استمرار عمالة الأطفال في ظل تنامي آليات الرأسمالية الساعية لتحقيق أقصى أرباح، ووجود تشريعات غير رادعة لأصحاب المشروعات الذين يستغلون الأطفال الفقراء، وقصور البرامج الحكومية التي تستهدف مساعدة الأسر المستحقة للمساعدة المادية.

المصدر : الجزيرة