منعطف خطير.. من يقف وراء الرسائل السياسية "العقابية" في بغداد؟ وما الهدف منها؟

تفجيران بعبوتين صوتيتين هزا ليل بغداد أول أمس الأحد، واستُهدف منزل نائب بتحالف "تقدم" السني ومقرين لتحالف "تقدم" و"عزم" بقنابل. وسبق هذه الهجمات هجوم بقنبلة صوتية على مقر للحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد.

Explosions target banks in Baghdad, injure 2
شخصان جرحا في تفجيرين استهدفا أول أمس الأحد مصرفين يملكهما رجال أعمال مقربون من سياسيين أكراد وسط بغداد (الأناضول)

شهدت بغداد في الأيام الماضية سلسلة هجمات ضد مقرّات أحزاب ومصالح سنية وكردية لم توقع ضحايا، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عنها، ويرى سياسيون ومحللون أنها "رسائل سياسية" مثيرة للقلق، خصوصا أنها تأتي في سياق خلافات بشأن الحكومة المقبلة.

وفي بلد يُعتمد فيه -منذ الغزو الأميركي للبلاد والإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003- على نظام المحاصصة بين القوى السياسية النافذة، لا تخرج تلك التفجيرات عن سياق العنف الذي جاء عقب الانتخابات النيابية المبكرة التي جرت في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في ظل توتر ناتج عن الخلافات حول تشكيل حكومة جديدة، لا سيما بين المكونات الشيعية، التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر من جهة، وما يعرف بالإطار التنسيقي الذي يضمّ القوى الشيعية البارزة الأخرى، وفق محللين.

وهزّ تفجيران بعبوتين صوتيتين -في وقت متأخر من ليل أول أمس الأحد- بغداد، وأسفرا عن جرح شخصين، وقالت السلطات الأمنية العراقية إنهما استهدفا مصرفين يملكهما رجال أعمال مقربون من سياسيين أكراد وسط العاصمة العراقية.

قبل ذلك، استُهدف منزل نائب في تحالف "تقدم" السني بزعامة رئيس البرلمان المنتخب لولاية ثانية محمد الحلبوسي، بتفجير بقنبلة صوتية، وسبقه استهدافان في الليلة نفسها لمقرين لتحالف "تقدم" و"عزم" بزعامة خميس الخنجر السنيين. وسبق هذه الهجمات هجوم بقنبلة صوتية على مقر للحزب الديمقراطي الكردستاني في بغداد، كما أفاد الإعلام المحلي.

الشمري أكد بأن وضع العراق كاد أن يكون أكثر هشاشة لو ردت واشنطن على الضربات الإيرانية في حينها - الجزيرة نت
الشمري أكد أن وضع العراق كاد أن يكون أكثر هشاشة لو ردت واشنطن على الضربات الإيرانية في حينها (الجزيرة)

ضغط سياسي

ويرى رئيس مركز التفكير السياسي والمحلل السياسي العراقي إحسان الشمري أن تلك "الهجمات جزء من الضغط السياسي"، مضيفا "هي تفجيرات برسائل سياسية"، لكنها أيضا "تفجيرات عقابية للقوى التي اشتركت مع زعيم الكتلة الصدرية مقتدى الصدر بتشكيل الأغلبية في البرلمان".

ولم تكشف التحقيقات الأمنية عن الجهات المنفذة لتلك الهجمات، إلا أن مصدرا أمنيا وضعها في السياق السياسي نفسه. وقال "الهجمات التي حصلت الأحد وقبله، تحمل رسائل سياسية من الأطراف الخاسرة بالانتخابات لتعطيل تشكيل الحكومة".

مؤامرة

وبينما حصدت الكتلة الصدرية على العدد الأكبر من مقاعد البرلمان (73 مقعدا من إجمالي 329)، فإن الإطار التنسيقي يقول إنه تمكن من تشكيل الكتلة الأكبر من 88 نائبا عبر تحالفات تجعله الأَولى بتسمية رئيس للحكومة.

وأدى هذا الإعلان إلى مشادات بجلسة البرلمان الأولى في التاسع من يناير/كانون الثاني الجاري، مع تأكيد كل طرف أنه يملك الكتلة البرلمانية الأكبر. وتوقفت الجلسة لنحو ساعة، وحين استؤنفت، قاطعتها قوى الإطار التنسيقي اليوم الثلاثاء بحجة أن مجرياتها لم تكن دستورية.

وانتخب محمد الحلبوسي زعيم تحالف "تقدم" (37 مقعدا) رئيسا للبرلمان، مع نائبين للرئيس، أحدهما من الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني والآخر من الكتلة الصدرية.

وتعكس هذه التشكيلة التحالف بين الصدر والقوى السنية وحزب البارزاني، وتمهد لتشكيل حكومة أغلبية لا يزال الصدر مصرا عليها.

ومنذ أن صدرت نتائج الانتخابات النيابية قبل 3 أشهر، رفضت القوى المنضوية في تحالف "الفتح" بزعامة هادي العامري -والتي تراجعت حصتها البرلمانية من 48 نائبا في البرلمان السابق إلى 17 في البرلمان الجديد- نتائج الانتخابات بشكل قاطع، وندّدت بـ"تزويرها"، ونظمت مظاهرات في المنطقة الخضراء المحصنة وسط بغداد، حيث مقرات حكومية ودبلوماسية، وصلت الى حدّ محاولة اقتحامها.

وترى الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية لهيب هيجل أن "المقلق هو أن قوى الإطار التنسيقي الشيعية تحاول الترويج لفكرة أن كل ما يحصل الآن هو مؤامرة لإحداث فتنة داخل البيت الشيعي، وهذا خطاب مقلق، لأنهم لا يقرون بهزيمتهم في الانتخابات، بل يدعون للعنف".

منعطف خطير

وفيما يتوقع أن تنظر المحكمة الاتحادية العليا غدا الأربعاء في قضية طعن بدستورية الجلسة الأولى، تتواصل المحاولات على الجبهة السياسية من أجل "ردم الهوة" في البيت الشيعي.

وبرز ذلك في لقاء ضمّ الصدر وهادي العامري زعيم تحالف "الفتح" وفصيل "بدر" المنضوي في الحشد الشعبي، صدر في أعقابه بيان للإطار التنسيقي شدّد فيه على عزمه "الاستمرار في الحوار مع القوى السياسية للوصول الى حل يخرج البلد من المنعطف الخطير الذي يمر فيه".

وترى هيجل في ذلك محاولة من الصدر "للتقارب مع العامري مع تهميش قوى أخرى داخل الإطار التنسيقي لديه خلاف معها لا سيما قيس الخزعلي زعيم فصيل عصائب أهل الحق (المنضوي ضمن الحشد)، ورئيس الوزراء الأسبق وزعيم تحالف دولة القانون نوري المالكي".

وتضيف "بالتأكيد لا تفضل إيران هذا السيناريو لكن قد تقبل به… لا سيما إذا ضمّ ما يكفي من القوى الشيعية، لا سيما بعض فصائل الحشد الشعبي". وسيقود هذا السيناريو "إلى حملة قاسية للتشكيك بالحكومة المقبلة ووضع العقبات أمامها" من القوى المستبعدة.

ويتزامن ذلك مع زيارة غير معلنة لإسماعيل قآني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني إلى النجف أول أمس الأحد، كما أفادت وسائل إعلام محلية.
ويرى الشمري في هذه الزيارة محاولة "لردم الهوة بين القوى الشيعية لمنع مزيد من التدهور والانزلاق نحو الاقتتال المحدود".

وتعتبر هيجل أن استمرار العنف و"الرسائل" أمر محتمل جدا، مع "استبعاد حرب مفتوحة" بين القوى الشيعية.

المصدر : الفرنسية