يوم قصفت القاذفات الأميركية العراق بـ27 ألف طن من القنابل.. ما قصة عملية “السنجاب السري”؟

7 قاذفات عملاقة من طراز "بي- 52" انطلقت باتجاه العراق من قاعدة جوية بولاية لويزيانا الأميركية، وقطعت 14 ألف ميل (تقريبا 22,5 ألف كلم) خلال عملية "السنجاب السري" التي استغرقت قرابة 35 ساعة دون توقف.

TRACER FIRE LIGHTS THE SKY IN A FILE PHOTO OF THE FIRST ATTACK ON BAGHDAD IN THE GULF WAR.
بغداد أثناء تعرضها للقصف فجر 17 يناير/ كانون الثاني 1991 (رويترز)

تمثل عملية السنجاب السري (The Secret Squirrels) بداية انطلاق حرب التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد العراق لإخراجه من الكويت بحرب الخليج الثانية أو ما يعرف بعاصفة الصحراء في يناير/كانون الثاني 1991، وشهدت مشاركة قاذفات "بي- 52" (B-52 ) في أكبر حملة جوية منذ حرب فيتنام، وكان الهدف منها بحسب بيانات الجيش الأميركي تنفيذ ضربات جوية متتالية تؤدي إلى تدمير قدرات الجيش العراقي.

بدأت العملية فجر 16 يناير/كانون الثاني 1991 بضربات صاروخية مكثفة استهدفت منظومات الاتصالات والطاقة الكهربائية في العراق وانتهت في اليوم التالي، وبقيت تلك العمليات سرية حتى نهاية عام 1992 حينما تم الكشف عنها بعد منح أعضاء الطواقم الأوسمة والميداليات لدورهم في هذه الحرب.

7- يعزو العبو سبب اختيار قاعدة رامات خلال العملية إلى أهميتها الاستراتيجية - الجزيرة نت
العبو: الولايات المتحدة استخدمت صواريخ كروز لأول مرة بعملية "السنجاب السري" بالعراق (الجزيرة)

ضربة مباغتة

ويقول العقيد الركن عبد الجبار حامد العبو للجزيرة نت إن 7 طائرات من قاذفات بي- 52 غادرت قاعدة "باركسديل" بولاية لويزيانا جنوب الولايات المتحدة لتنفيذ المهمة، ويشير إلى أن أهمية تلك العملية تكمن في استخدام سلاح جديد يستخدم لأول مرة وهو صواريخ كروز التي ألحقت بطائرات "بي-52" لكونها تطلق من مسافات بعيدة وآمنة للطائرات لا تؤثر عليها الدفاعات الجوية، وبدقة أسلحتها الموجهة بواسطة الأقمار الاصطناعية.

ويتابع هذا الضابط المتقاعد بأن هذه العملية كان لها تأثير كبير على قطاعات الجيش العراقي لأنها استهدفت مواقع القيادة والسيطرة والمقرات العسكرية كوزارة الدفاع أو القصر الجمهوري ومقرات الحرس الجمهوري، واستهدفت بدالات الاتصالات من أجل شل الاتصالات ما بين القوات العراقية والقيادة، إضافة إلى استهداف بدالة في البصرة جنوب البلاد ومحطة توليد الطاقة الحرارية بمدينة الموصل (شمال).

ويبيّن بأن العملية لم تستهدف القوات العراقية بشكل مباشر وإنما استهدفت مواقع محطات الطاقة الكهربائية والبدالات الرئيسية إضافة إلى مقرات القيادة والسيطرة كمقر القيادة العامة للقوات المسلحة في القصر الجمهوري ومناطق أخرى كالمطارات والمقرات في قاعدة الرشيد وقاعدة المثنى وقرب مطار بغداد.

ويؤكد العقيد المتقاعد أن العملية لم تفاجئ الجيش العراقي مفاجأة تامة كالضربات التي حدثت في بقية الحروب، مثل الضربة الإسرائيلية تجاه المطارات المصرية أو المطارات السورية، لأن العراق كان يتوقع حدوث الضربة.

ويستدرك: لكن المفاجأة كانت باستخدام سلاح جديد لم يكن العراق له معرفة به، وهو صواريخ كروز التي تطير بارتفاعات منخفضة وأيضا تستخدم الأقمار الاصطناعية لتحديد الأهداف.

A U.S. B52 bomber takes off from RAF Fairford in Gloucestershire, March 21, 2003. The bombers took off from western England on Friday - the first to leave since the start of the war in Iraq. REUTERS/Darren Staples DS/ASA
قاذفة بي- 52 التي استخدمتها أميركا في قصف الأهداف العراقية (رويترز)

سبب التسمية

وحول سبب تسمية هذه العملية، يقول العبو إن لكل عملية عسكرية هناك اسما رمزيا لكي يجعل هناك نوعا من السرية على هذه العملية، فالولايات المتحدة استخدمت هذا الاسم نسبة إلى شخصية كرتونية انتشرت ستينيات القرن العشرين وتحمل اسم "السنجاب السري".

ويعرب العقيد الركن عن اعتقاده بأن تسميتها بهذا الاسم جاء لإعطائها نوعا من السرية حتى لا يفهم معنى العملية، فلو سميت مثلا عملية قصف العراق، فإنها تكون واضحة ومن الممكن تسريبها، ولكن أعطيت الاسم الرمزي لتكون غير مفهومة من قبل المتداولين لهذا الاسم.

ويضيف بأن رحلة القصف تلك تعد واحدة من أطول الرحلات الحربية حيث استغرقت حوالي 35 ساعة، حيث انطلقت من جنوب الولايات المتحدة ومرت من فوق المحيط الأطلسي ومضيق جبل طارق، وفوق البحر المتوسط كان هناك تزود بالوقود من قبل طائرات أميركية انطلقت من قاعدة جوية أميركية في إسبانيا، ثم استمرت طريقها إلى البحر الأحمر ومن ثم إلى الأراضي السعودية ومن فوق الأراضي السعودية أطلقت صواريخها.

ويتحدث العبو عن سلبيات صواريخ كروز المتمثلة بسرعتها البطيئة نسبيا، فقد استطاع العراق التصدي لها وإسقاط عدد منها بواسطة نيران الدفاع الجوي وخاصة الرشاشات الثقيلة.

*** للاستخدام الداخلي فقط *** الدكتور عادل محمد العليان
العليان: قاذفات عملاقة من طراز "بي- 52" شاركت بالهجوم وقطعت 14 ألف ميل (الجزيرة)

عملية معقدة

بدوره يقول أستاذ التاريخ السياسي الحديث والمعاصر الدكتور عادل محمد العليّان: مع نهاية المهلة التي منحها الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الأب للرئيس الراحل صدام حسين لسحب القوات من الكويت، انطلقت يوم 16 يناير/كانون الثاني 1991 "السنجاب السري".

ويضيف للجزيرة نت بأن 7 قاذفات عملاقة من طراز "بي- 52" انطلقت باتجاه العراق من قاعدة باركسديل الجوية بولاية لويزيانا الأميركية، وقطعت 14 ألف ميل (تقريبا 22,5 ألف كلم) خلال عملية استغرقت قرابة 35 ساعة من دون توقف، بهدف إطلاق الصواريخ الموجهة بنظام "جي بي إس" وبرأس حربي زنته أكثر من 450 كلغم على أهداف عراقية إستراتيجية، وبقيّت العملية غير معلنة لأكثر من عام.

ويلفت العليّان إلى أن القاذفات الأميركية ألقت خلال هذه العملية نحو 27 ألف طن من القنابل والمتفجرات على العراق، وقد عدّ استعمال هذه الطائرات خط الشروع الأول في هزيمة الجيش العراقي والتسريع بعملية انسحابه من الكويت.

وينقل عن أحد الضباط المتقاعدين بالجيش الأميركي، ممن شاركوا في العملية، قوله بأنها "كانت أطول رحلة جوية بموجب محدداتها الزمنية والرقمية، وكونها حددت المعيار في توجيه الضربات الجوية بعيدة المدى، فضلا عن مدى صعوبة القيام بمهام كهذه من الناحية الفسيولوجية وإعداد جسم الإنسان للطيران بنحو 30-40 ساعة بشكل متواصل".

صبحي ناظم توفيق
توفيق: صدام أخطأ عندما لم يوافق على سحب القوات من الكويت (مواقع التواصل)

خطأ إستراتيجي

من جانبه يصف الضابط العراقي المتقاعد والمؤرخ العسكري صبحي ناظم توفيق تلك الضربة الجوية بأنها افتتاحية حرب الخليج الثانية التي عرفت بعاصفة الصحراء، مع انتهاء مدة الإنذار التي منحتها واشنطن لبغداد باعتبارها زعيمة التحالف الدولي الذي شكل لمناهضة العراق.

ويشير توفيق -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن التحالف الدولي منح العراق 45 يوما فرصة لسحب قواته البرية من الكويت، لكن الرئيس صدام لم يستجب للطلب، "وهذا خطأ إستراتيجي أدى إلى دمار العراق، ولم تقم له قائمة منذ ذلك اليوم".

ويرى أن دمار وخراب العراق اليوم امتداد لتلك العملية التي استهدفت المواقع الإستراتيجية والبنى التحتية المدنية والتي كانت مؤثرة بشدة على المجهود الحربي، لأن منظومات الكهرباء والاتصالات أساس كل بلد، ولا يمكن تسيير شؤون الدولة من دونهما.

ويلفت إلى أن الإدارة الأميركية آنذاك أرادت من عملية "السنجاب السري" التأكيد على أن لديها طائرات قادرة على الإقلاع من قواعدها من داخل أراضيها والوصول إلى أي بقعة في العالم، وبالاعتماد على الإمكانات الأميركية الذاتية من دون الاعتماد على أحد.

كما أنها هدفت إلى إظهار إمكانياتها في تدمير البنى التحتية المدنية للبلدان ذات العلاقة بالمجهود الحربي، والتي تعتمد عليها الدول لكي تحرمها من مرتكزات حياتها اليومية والقيادية والاقتصادية، بحسب توفيق.

A view dated 08 March 1991 of damaged buildings and a communication tower in downtown Baghdad that were hit in February 1991 by an Allied air strike or missiles raid. Iraq's invasion of Kuwait 02 August 1990, ostensibly over violations of the Iraqi border, led to the Gulf War which began 16 January 1991. A US-led multi-national force repulsed Iraq from Kuwait and a cease-fire was signed 28 February 1991. (Photo credit should read GEORGES GOBET/AFP via Getty Images)
دمار هائل لحق بالبنية التحتية العراقية جراء الهجوم (الفرنسية-غيتي) 

النتائج

ويذكر العليّان بأن 70 طيارا من طواقم هذه مقاتلات "بي -52" شاركوا في "السنجاب السري" وتم تنفيذ نحو 1741 مهمة، واستطاعت الولايات المتحدة تحقيق أهدافها الرئيسية التي تمثلت في تدمير البنى التحتية والإستراتيجية للعراق وشل قدراتها الاقتصادية وإلحاق الأذى بالمجتمع من خلال انعكاس ذلك التدمير على الحياة اليومية للمواطن العراقي.

وينوه إلى أن هذه العملية أدت إلى تدمير محطات توليد الكهرباء في الموصل، وهي من المحطات العملاقة والحيوية بالنسبة للبلاد، فضلا عن بدالات الاتصال في البصرة وعدد من المحطات الحيوية الأخرى بما فيها معامل صناعة الأغذية وغيرها.

وينقل العليّان عن بعض المصادر المقربة من البيت الأبيض، ومنهم الكاتب والصحفي "بيار سالنجر" مؤلف كتاب "حرب الخليج.. الملف السري" قولهم إن "هذه العمليات السرية كانت قد استهدفت أيضا رأس النظام السياسي في العراق، وعددا من مقرات الحكم في بغداد، باعتبارها الفرصة المناسبة لسريتها من جهة، ولكثافة قوة النيران الموجهة من خلالها، على الرغم من أن هدف إسقاط نظام الحكم لم يكن يحظى بموافقة بوش الأب".

المصدر : الجزيرة