هدم 12 ألف منزل ومنشأة في 5 أعوام.. التجريف والتحريش سياسة إسرائيل لتهجير بدو النقب

التجريف والتحريش يهدف للتضييق على السكان وقطع أي تواصل جغرافي بين القرى البدوية، عبر زرع المستوطنات والمزارع الفردية فوق الأراضي العربية التي تواجه التهويد الزاحف.

سكان القرى مسلوبة الاعتراف بملكيتهم 800 ألف دونم.
يملك سكان القرى التي لا تعترف بها إسرائيل أراضي بمساحة 800 ألف دونم (الجزيرة)

القدس المحتلة- تجاوز الشيخ سليمان الأطرش العقد الثامن من عمره دون أن يستقر في منزل يؤوي عائلاته بقرية الأطرش في النقب، التي تخوض معركة التصدي لعمليات التجريف والتحريش (زراعة الأشجار الحرشية) للأراضي، التي شرعت بها السلطات الإسرائيلية في المنطقة المعروفة بـ"نقع بئر السبع" وتضم 6 قرى غير معترف بها إسرائيليا.

لا يتذكر الشيخ الأطرش العام الذي ولد فيه، لكنه متأكد أنه أكبر من إسرائيل، حيث كان طفلا -وهو أصغر أخوته- عند وقوع النكبة عام 1948، حيث ضمته والدته إلى حضنها حين اقتحم عناصر العصابات اليهودية قرية الأطرش القريبة من مدينة بئر السبع، وتحصنت مع أطفالها أسوة بالكثير من عائلات العشيرة في الخيام تمكسا بأرضهم في النقب.

الشيخ سليمان الأطرش: عمري أكبر من إسرائيل.
الشيخ سليمان الأطرش: عمري أكبر من إسرائيل (الجزيرة)

بلغ التعداد السكاني للبدو في النقب عام 1948 أكثر من 100 ألف نسمة، نزح غالبتهم قسرا، حيث هجّرتهم العصابات اليهودية إلى قطاع غزة وسيناء والأردن، بينما بقي 11 ألف نسمة تم تجميعهم بمنطقة أسمتها إسرائيل "السياج".

تمتد مساحة النقب 14 ألفا و230 كيلومترا مربعا، أي ما نسبته 68% من مساحة فلسطين 48 البالغة 20 ألفا و770 كيلومترا مربعا، وقدّرت مساحة الأرض التي كان يعيش عليها البدو قبل النكبة بـ4 ملايين دونم، وفقا لقانون الأراضي العثماني عام 1858، والمرسوم البريطاني بشأن الأرض البور عام 1921، بينما يعيشون اليوم على 300 ألف دونم.

قوات معززة من الشرطة الإسرائيلية تقتحم أراضي الأطرش لتجريفها.
قوات معززة من الشرطة الإسرائيلية تقتحم أراضي الأطرش لتجريفها (الجزيرة)

 أعمال التجريف

مع مطلع هذا العام الذي تحل فيه الذكرى 74 للنكبة، شرعت المؤسسة الإسرائيلية في وضع اليد ومصادرة 800 ألف دونم من ملكية السكان البدو في القرى المسلوبة الاعتراف، وذلك من خلال استئناف أعمال التجريف من قبل جرافات "الصندوق الدائم لإسرائيل" (كاكال)، لأراضي قرية الأطرش الممتدة على مساحة 45 ألف دونم ويقطنها 7 آلاف نسمة.

في معركة كر وفر امتدت 3 أيام على أراضي قرية الأطرش، بين الشبان والوحدات الخاصة من الشرطة الإسرائيلية التي وفرت الحماية والحراسة للجرافات التي دمرت المحاصيل الزراعية وجرفت مئات الدونمات تمهيدا لتهجيرها، تنقّل الشيخ الأطرش في ساحة المواجهة لعله يشكل درعا وحصنا للأطفال والفتية الذين كانوا ضحية اعتداءات وقمع واعتقال الشرطة الإسرائيلية.

ورغم عمره المتقدم، فإن الشيخ الثمانيني بدا بقوة الشباب يتنقل بين المتضامنين والمدافعين عن الأراضي، فهمه الأكبر حماية الفتية والأطفال من بطش الشرطة الإسرائيلية.

يقول الشيخ الأطرش للجزيرة نت "هذه أراضينا قبل قيام إسرائيل، ونملك أوراق طابو (ملكية) من العهد العثماني، وسندات اعتراف بملكيتنا للأراضي من الانتداب البريطاني، لكن إسرائيل تريد احتلال أراضينا وتهجيرنا".

الاستيطان الأخضر تحريش عشرات آلاف الدونمات من أراضي البدو بالنقب.
الاستيطان الأخضر يتضمن تحريش عشرات آلاف الدونمات من أراضي البدو بالنقب (الجزيرة)

مخطط التهجير

ويستذكر الشيخ الأطرش -الذي يملك 300 دونم ورثها عن والده ودأب على زراعتها وتربية المواشي فيها- عقودا من المعاناة والتضييق التي شملت هدم منازل الصفيح وتدمير المحاصيل الزراعية ورشها بالمواد الكيمياوية وتسميم المواشي. فيقول "كافة سياسات السلطات الإسرائيلية الهادفة لتشريدنا ومصادرة أراضينا فشلت، ولم تنل من عزيمتنا وصمودنا، وهي رسالة نورثها لأولادنا وأحفادنا بالصمود والبقاء في الأرض".

ورغم هذا الصمود، يبدي الشيخ الثمانيني تخوفه مما يحمله المستقبل لأحفاده، قائلا "لا أحد يعلم كيف ستتطور الأحداث في النقب الذي يعيش سكانه مخطط التهجير والتركيز على أقل مساحة من الأرض، صامدون فوقها وسندفن بترابها، فلن نرحل..".

يجسد الشيخ الأطرش -الذي يقطن مع أسرته في منزل من الصفيح- الواقع الذي يعيشه سكان 35 قرية لا تعترف بها إسرائيل، البالغ عددهم 150 ألف نسمة، من أصل 300 ألف عربي يسكنون النقب، حيث يخوض السكان معركة الحفاظ على الوجود، مع إطلاق الحكومة الإسرائيلية مشروع "الاستيطان الأخضر" في قلب التجمعات السكنية البدوية، بإقامة 12 مستوطنة جديدة وعشرات المزارع الفردية لليهود.

معركة النقب

رغم النكبة، يقول رئيس حركة "المواطن" في النقب عبد أبو كف "لم تحسم إسرائيل المعركة في صحراء النقب، فالسكان البدو يواصلون معركة صمودهم في أرضهم، ويخوضون عقودا من النضال للتمسك بآخر ما تبقى لهم من أراض، ويرفضون تجميعهم وتركيزهم على أقل مساحة من الأرض".

ويوضح أبو كف للجزيرة نت أن تجريف الأراضي بالقرى المسلوبة الاعتراف هو وجه آخر للتهجير البطيء للسكان البدو، وسلبهم أراضيهم وتوظيفها للمشاريع الاستيطانية والتهويدية، قائلا إن "المؤسسة الإسرائيلية أعلنت الحرب على البدو في النقب، فما يحدث هو تطهير عرقي، عبر الهدم، والتجريف، والاقتلاع وتشريد السكان في العراء، بغية إجبارهم على السكن في البلدات الثابتة".

رئيس حركة "المواطن" في النقب عبد أبو كف: إسرائيل أعلنت الحرب على سكان النقب.
عبد أبو كف: إسرائيل أعلنت الحرب على سكان النقب (الجزيرة)

وسعيا منها لفرض السيادة على أراضي البدو ومصادرتها وتجميع السكان على أقل مساحة من الأرض، يقول أبو كف "أعلنت السلطات الإسرائيلية في مطلع سبعينيات القرن الماضي عن مرسوم تسوية الأراضي وتسجيلها بملكية الدولة"، كما أقامت 9 بلدات وقرى ثابتة لتجميع وتركيز البدو، وهي: رهط، واللقية، وكسيفة، وحورة، وتل السبع، وعرعرة النقب، وشقيب السلام، ومجلس القيصوم، ومجلس واحة الصحراء.

واليوم، يقول أبو كف "تسيطر البلدات الإسرائيلية والمجالس الإقليمية اليهودية في النقب على 12 ألف كلم مربع، وهو ما يشكل 86% من مساحة النقب، ولم يتبق للسلطات المحلية العربية المعترف بها إلا جزء صغير من مساحته لا يتعدى 150 ألف دونم ومثلها للقرى مسلوبة الاعتراف، وهو ما يشكل قرابة 2% من مساحة النقب".

السلطات الإسرائيلية تخطط لمصادرة 800 ألف دونم بملكية البدو في النقب.
السلطات الإسرائيلية تخطط لمصادرة 800 ألف دونم بملكية البدو في النقب (الجزيرة)

التهويد الزاحف

من جانبه، يستعرض رئيس المجلس الإقليمي للقرى غير المعترف بها عطية الأعسم، المخططات الإسرائيلية على حساب الوجود العربي في القرى المسلوبة الاعتراف التي يملك سكانها أكثر من 800 ألف دونم، حيث ترفض إسرائيل الاعتراف بملكيتهم الأراضي وتتجه نحو مصادرتها وتوظيفها للاستيطان والمنشآت والقواعد العسكرية ومشاريع البنى التحتية.

ويحذر الأعسم -في حديثه للجزيرة نت- من تداعيات عمليات تجريف الأراضي في النقب، وخاصة في القرى المسلوبة الاعتراف في منطقة "السياج".

ويؤكد أن التجريف والتحريش للأراضي يهدف للتضييق على السكان وقطع أي تواصل جغرافي بين القرى البدوية، عبر زرع المستوطنات والمزارع الفردية فوق الأراضي العربية التي تواجه التهويد الزاحف.

ويوضح الأعسم أن عمليات التجريف والتحريش للأراضي تضاف إلى عمليات الهدم التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية، حيث هدم بين الأعوام 2015 إلى 2020 أكثر من 12 ألف منزل ومنشأة سكنية في القرى المسلوبة الاعتراف، بينما تم الإعلان عن إقامة 12 مستوطنة جديدة وعشرات المزارع الفردية لليهود.

ويشير إلى أن السلطات الإسرائيلية تستهدف الوجود العربي في النقب، وتعتمد سياسة التهجير الزاحف مع سكان القرى المسلوبة الاعتراف بغية إجبارهم على الهجرة القسرية وتجميعهم في البلدات القائمة على أقل مساحة من الأرض. مشددا على أن الإجماع في النقب هو على رفض أي تسوية، والإصرار على الاعتراف الإسرائيلي بالقرى المسلوبة الاعتراف، وتثبيت ملكية المواطنين البدو لـ800 ألف دونم.

المصدر : الجزيرة