في ذكرى وفاة المشير أبو غزالة.. لماذا أقاله الرئيس مبارك من منصب وزير الدفاع؟

الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك وخلفه عن اليمين المشير عبد الحليم أبو غزالة وزير الدفاع آنذاك (مواقع التواصل)
الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك وخلفه عن اليمين المشير عبد الحليم أبو غزالة وزير الدفاع آنذاك (مواقع التواصل)

القاهرة – في أبريل/نيسان 1989 فاجأ الرئيس الأسبق حسني مبارك المصريين بإصدار قرار نص على إقالة وزير الدفاع المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة من منصبه، وحتى وفاة الرجل في مثل هذه الأيام من عام 2008 لم يتضح السبب الحقيقي وراء هذا القرار وسط تفسيرات وتكهنات يذهب بعضها إلى تخوف مبارك من الشعبية الكبيرة للمشير داخل صفوف الجيش، وخشيته أن يقوم بانقلاب ضده، في حين يتحدث آخرون عن دور للقائد العسكري في تطوير برنامج صواريخ مصري أثار استفزاز الولايات المتحدة.

وتوفي أبو غزالة في السادس من سبتمبر/أيلول عام 2008، بإحدى مستشفيات القاهرة عن عمر 78 عاما بعد معاناة مع مرض السرطان، أعقبت سنوات طويلة قضاها بعيدا عن الأضواء والإعلام بعد إبعاده عن منصبه.

لكن اسم الرجل عاد على استحياء في السنوات الأخيرة إذ أطلق اسمه على دفعة تخرج لطلاب كليات عسكرية، وكذلك على محور مروري في القاهرة، ورأى ذلك البعض تكريما تأخر كثيرا من النظام السياسي لأحد أركانه ولواحد من أهم رواد العسكرية المصرية.

 

النشأة

ولد أبو غزالة في 15 يناير/كانون الثاني 1930 في قرية زهور الأمراء بالدلنجات في محافظة البحيرة، وشارك في حرب فلسطين عام 1948 وكان لا يزال طالبا بالكلية الحربية، وتخرج في 1949، وكان الأول على الدفعة التي ضمّت أيضا الرئيس لاحقا، حسني مبارك.

في 1951 التحق بسلاح المدفعية في سيناء، وكان من الضباط الأحرار الذين قاموا بالاستيلاء على السلطة في يوليو/تموز 1952، وسافر إلى الاتحاد السوفياتي للدراسة في معهد المدفعية والهندسة وأكاديمية ستالين في أوائل الستينيات، ليحصل على إجازة القادة التي تعادل الدكتوراه.

من النكسة إلى النصر

عقب نكسة يونيو/حزيران عمل أبو غزالة في المدفعية، وقاد مدفعية إحدى التشكيلات الضاربة على جبهة غرب القناة، وأصبح قائدا لمدفعية الجيش الثاني في حرب أكتوبر/تشرين الأول، ثم رئيسا لأركان المدفعية عقب الحرب عام 1974.

اختير ليكون الملحق العسكري لمصر في الولايات المتحدة، حيث حصل أيضا على دبلوم الشرف من كلية الحرب الأميركية في 1979، وعيّن مديرا للمخابرات الحربية، ثم رئيسا لأركان حرب الجيش المصري.

في 1981 عُيّن وزيرا للدفاع والإنتاج الحربي بعد مصرع وزير الدفاع الأسبق أحمد بدوي في حادث سقوط مروحية غامض غربي مصر، ورقّي إلى رتبة المشير في أبريل/نيسان 1982، ثم عيّن نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للدفاع، حتى ترك وزارة الدفاع في أبريل/نيسان 1989 في ملابسات مثيرة للجدل، وعيّن مساعدا لرئيس الجمهورية.

أشرف المشير على التصنيع الحربي، في مرحلة ما بعد السلام مع إسرائيل، وقام بإنشاء المدن العسكرية لإيواء القوات، ونفذ أوامر مبارك بتنويع مصادر السلاح، فضلا عن تنفيذ مشروعات الخدمة الوطنية لتخفف اعتماد القوات المسلحة على الدولة، وانتعشت في عهده صادرات مصر العسكرية تزامنا مع الغزو السوفياتي لأفغانستان واندلاع حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران.

أسعد لحظات حياته

في كتاب "المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة-مسيرة حياة" للباحثة أميرة فكري، يذكر اللواء عباس منصور أن العقيد أبو غزالة قائد الجناح في المدفعية بمدرسة المدفعية اختير فى 29 يونيو/حزيران 1967 لقيادة بعض ألوية المدفعية حتى نوفمبر/تشرين الثاني لتبدأ مرحلة إعادة بناء الجيش المصري عقب نكسة يونيو/حزيران ورفع الروح المعنوية للضباط وصف الضباط والجنود.

ويضيف عباس أن إستراتيجية أبو غزالة تضمنت الالتزام بالهدوء، وعدم جر العدو إلى معارك لإتاحة الفرصة للبناء، مع تجهيز الدفاع على جبهة القناة والوصول به إلى الدرجة التى تمكنه من منع العدو من القيام بعمليات هجومية ناجحة.

ينقل الكتاب عن أبو غزالة قوله إن أسعد لحظات حياته عندما أعطى الأمر لمدفعية الجيش الثاني ببدء التمهيد النيراني خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول، "هذه في ذاكرتى أسعد لحظة لي في هذه الحرب وإنني أتذكرها ليس فقط بالساعة بل بالدقيقة".

وصفه فيديو لوزارة الدفاع بأنه أحد رواد العسكرية في العصر الحديث، وأنه تصدى ببسالة وقوة لمحاولات الجيش الإسرائيلي بناء جسر على قناة السويس في 17 أكتوبر/تشرين الأول 1973، وتقديرا لدوره البطولي منحه الرئيس أنور السادات وسام نجمة الشرف العسكرية.

كما يذكر العسكري السابق لواء سمير فرج في مقال بجريدة الأهرام أن المشير كان صاحب حس وطني عال، ويحسب له أنه بعد انسحاب إسرائيل من سيناء، وقرار الجنرال شارون هدم مستعمرتهم ياميت، التي أقيمت قرب رفح، قام المشير بإنشاء مصانع كاملة للمشروبات والعصائر وزيت الزيتون، في مكان المستعمرة الإسرائيلية نفسه، وهي تلك المنتجات السيناوية الموجودة في الأسواق حتى اليوم، "للتأكيد أن مصر لم يهزمها شارون".

مبارك يعزل المشير

في 16 أبريل/نيسان 1989 استدعي المشير أبو غزالة لمقابلة الرئيس مبارك بالزي المدني، فأثار ذلك دهشته، وهناك قابل مبارك الذي طلب منه أن يقسم اليمين ليكون مساعدا له، وأقسم اللواء يوسف صبري أبو طالب اليمين خلفا للمشير في منصب وزير الدفاع، وكلف مبارك أبو غزالة بحمل مظروف مغلق إلى الرئيس صدام حسين في العراق، وفقا للكاتب الصحفي محمد الباز في كتابه "المشير-قصة الصراع بين مبارك وأبو غزالة".

وبعد 6 أشهر من إقالة أبو غزالة، أعلن مسؤولون أميركيون أن مصر أنهت تعاونها مع العراق والأرجنتين في مجال تكنولوجيا الصواريخ، وفي فبراير/شباط 1993 اعتزال أبو غزالة كل عمل سياسي وعسكري، وفقا لـ"بي بي سي" (BBC).

وتقول جريدة الأهرام الرسمية إن الرواية الأكثر تأكيدا لعزل أبو غزالة هي إرضاء الولايات المتحدة، وخوف مبارك من شعبيته، لا سيما بعد محاولته تصنيع سلاح الردع العربي، وهو برنامج سرّي لصناعة الصواريخ الباليستية بالتعاون مع الأرجنتين وبدعم عراقي لمشروع برنامج صاروخ بدر 2000 (كوندور 2)، لكن المخابرات الأميركية "اكتشفت تهريب أجزاء الكربون الأسود الذى يساعد على الدفع ويستخدم في صناعة الصواريخ من أميركا خلافًا لقوانين حظر التصدير، وحاول الحصول على برامج تكنولوجيا الصواريخ الأميركية بطريقة عُدّت غير شرعية".

صراع قوى

في حين يقول مدير مكتبة الإسكندرية مصطفى الفقي -الذي عمل على امتداد سنوات سكرتير المعلومات للرئيس مبارك- إن المشير كان عسكريا مشرفا، يحترم قائده الرئيس مبارك احتراما مطلقا، كما كان مثقفا رفيعا الشأن.

وأضاف الفقي -في لقاء تلفزيوني مع الإعلامي عمرو أديب- أن أبو غزالة ترك منصبه "بسبب صراع قوى"، وأنه كان يمثل منافسا قويا للنظام بعد أحداث الأمن المركزي، يتحدث الإنجليزية على نحو لافت، وله شعبية كبيرة جدا في الجيش، وأن النظام تعلم بعد تجربة عبد الحكيم عامر أنه لا ينبغي لقائد الجيش أن يحظى بشعبية كبيرة.

حب الناس

تحت عنوان "أزمة مبارك مع والدي بسبب حب الناس له"، نشرت جريدة الأخبار المصرية حوارا مع طارق النجل الأكبر للمشير، قال فيه إن مبارك كان يرى أبو غزالة رجلا فذا، أحدث طفرات في القوات المسلحة لم تحدث من قبل، حاصدا حب الناس، ولو تركه مبارك فترة إضافية كان سيحدث طفرة كبيرة في اقتصاد مصر.

وهناك رواية أخرى أقل تداولا وردت في حوار مع أحد أصدقاء أبو غزالة، إذ كشف اللواء محمد فريد حجاج أن المشير أبو غزالة أتيحت له أكثر من فرصة للوصول إلى الرئاسة، منها ما حدث بعد انتشار الجيش في سائر أنحاء مصر بعد أحداث الأمن المركزي عام 1986، حيث ذهب إليه بعض الوزراء وطلبوا منه أن يخلع رئيس مصر آنذاك حسني مبارك، وينصب نفسه رئيسا للبلاد.

ويضيف حجاج -في حوار مع مجلة الأهرام العربي في سبتمبر/أيلول 2012 عن خروج المشير عن منصبه في وزارة الدفاع- أن المشير هو من تقدم باستقالته، وكانت هذه هي المرة الثالثة التي يتقدم فيها باستقالة، وتضمنت استقالته -في 5 ورقات خطية- "اعتراضه على كثير من الأمور التي تحدث، كالأوضاع الاقتصادية، وسيطرة الحزب الوطني، وغياب الديمقراطية، إلى درجة أن رئيس الوزراء آنذاك عاطف صدقي عندما قرأها أصابه الهلع، وأرسلها إلى الرئاسة التي حاولت إقناعه بالتراجع عن قرار الاستقالة، وعرضت عليه منصب مساعد الرئيس فوافق".

المصدر : الإعلام المصري + الجزيرة