بين صراع النفوذ والاختراقات الخارجية.. تساؤلات ليبية حول اشتباكات طرابلس ومخاوف من تجددها

طرابلس – أثارت الاشتباكات المسلحة جنوبي طرابلس تساؤلات عن الوضع الأمني بالعاصمة بعد مرور أكثر من عام على آخر اشتباكات شهدتها المدينة بين قوات حكومة الوفاق الوطني وقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

وعقد رئيس حكومة الوحدة الوطنية، وزير الدفاع عبد الحميد الدبيبة جلسة مساءلة بحضور قادة عسكريين وقد غاب عنها رئيس الأركان العامة محمد الحداد وآمر منطقة طرابلس العسكرية عبد الباسط مروان، وقد أفضت إلى تشكيل رئاسة الأركان العامة لجنة تقصي حقائق بشأن اشتباكات طرابلس.

وقبل ساعات أعلن "اللواء 444 قتال" اختطاف أحد أفراده حيا وقتله والتنكيل بجثته من قبل "جهاز دعم الاستقرار" بعد ساعات من إعلان وقف إطلاق النار ورجوع الهدوء إلى طرابلس.

واندلعت المواجهات عندما شن مسلحون تابعون لجهاز دعم الاستقرار هجوما ليل الجمعة على مقر اللواء 444 قتال بمعسكر التكبالي بمنطقة صلاح الدين جنوبي طرابلس، بهدف السيطرة على المقر الرئيسي للواء 444 الذي يقوده النقيب محمود حمزة.

ويأتي هذا الهجوم بدعم من آمر منطقة طرابلس العسكرية عبد الباسط مروان والقيادي في كتيبة ثوار طرابلس هيثم التاجوري وآمر اللواء الرابع العقيد خليفة أبو ناب وآمر كتيبة 42 عبد الحكيم الشيخ.

وأنشأت حكومة الوفاق الوطني السابقة جهاز دعم الاستقرار برئاسة عبد الغني أبوالقاسم الككلي المعروف بـ"غنيوة"، وينوبه 3 أشخاص: آمر كتيبة ثوار طرابلس أيوب أبوراس، والقيادي في ثوار الزاوية الغربية حسن أبو زريبة، والقائد الميداني في القوة الوطنية المتحركة موسى مسموس.

ويسيطر غنيوة الككلي على منطقة أبو سليم وهي من أكبر الأحياء كثافة بالسكان في طرابلس، كما يتهم الككلي بارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان ضد مدنيين ومسؤولين والسيطرة على مؤسسات الدولة.

في المقابل، يتمركز اللواء 444 قتال في مناطق مختلفة جنوبي طرابلس في السواني وقصر بن غشير وصلاح الدين ووادي الربيع وخلة الفرجان والسبيعة والسايح وخارج طرابلس في ترهونة وبني وليد وسوق الخميس مسيحل والقريات.

ويستمد محمود حمزة قوة اللواء 444 قتال من منطقة سوق الجمعة أحد أكثر أحياء طرابلس نفوذا، كما أن أفراد اللواء 444 ينتمون لمختلف المدن الليبية، إضافة إلى قوة الردع الخاصة التي كان حمزة أحد قادتها الفاعلين، وهي فرقة خاصة ومجهزة بأحداث الأسلحة ومدربة على الاقتحام وصد أي هجمات تستعين بها قوة الردع الخاصة عند الحاجة.

وفي خريطة التحالفات داخل طرابلس، تقف بعض كتائب مصراتة وقوة النواصي وقوة الردع الخاصة مع اللواء 444 قتال لإيقاف توغل جهاز دعم الاستقرار، بالإضافة إلى أن قوات المنطقة الغربية -أكبر قوامها من مدينة الزنتان- ستدعم اللواء 444 قتال، إذا حدثت أي حرب نظرا لخلافات سابقة مع غنيوة الككلي. وفي المقابل، تدعم مجموعات مسلحة من مدينة الزاوية الغربية جهاز دعم الاستقرار.

عشوائية القرارات

ويرى الخبير العسكري عادل عبد الكافي أن عشوائية قرارات حكومة الوفاق الوطني السابقة ونقل تبعية بعض التشكيلات المسلحة إلى القائد الأعلى للجيش وضرب الهيكلية الأمنية عرض الحائط هو من أسباب هذه الاشتباكات الحالية.

وأكد عبد الكافي -في تصريح للجزيرة نت- أن استمرار غياب المجلس الرئاسي ووزير الدفاع ورئاسة الأركان عن إعادة هيكلة الجيش وتحديد مهام الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية سيفاقم الوضع الأمني في العاصمة.

وأردف قائلا "قد نشهد مزيدا من الاشتباكات المسلحة والفوضى داخل طرابلس إلى أن يتم معالجة الإشكاليات بشكل نهائي عبر توضيح مهام كل جهاز ومنع التداخل في الاختصاصات ونطاق عمل كل الأجهزة الأمنية والعسكرية وتبعيتها".

سوء تفاهم

من جانبه يرى رئيس مركز إسطرلاب عبد السلام الراجحي أن الاشتباكات بطرابلس سببها سوء تفاهم، بدليل أن المشكلة حلت في ساعات قليلة وتم وقف إطلاق النار.

وأضاف الراجحي -للجزيرة نت- للأسف طريقة حل الإشكاليات الأمنية ما زالت تعتمد على القوة وردة الفعل العنيفة، ولا يوجد إدارة محترفة وسلوك قانوني ومؤسساتي لاتباعه من جميع القوى الأمنية والعسكرية.

واعتبر الراجحي أن أحد أسباب نشوب الاشتباكات هو ضعف المجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى للجيش، وضعف وزارة الدفاع ورئاسة الأركان العامة، خصوصا بعد تعديل التبعية الإدارية الأخيرة لبعض الأجهزة الأمنية.

وأكد الراجحي أن اعتماد المجلس الرئاسي ووزير الدفاع على لجنة 5+5 المشتركة -التي اتضح أنها تعاني من الصراع داخلها- لتنظيم مؤسستي الجيش والشرطة هو خطأ فادح.

اختراق خارجي

أما المحلل السياسي عبد الله الكبير فشدد على وجود أياد خارجية اخترقت بعض التشكيلات المسلحة، وقررت تحريكها لإحداث فوضى في العاصمة تهدف من خلالها توجيه رسالة للحكومة.

وأضاف -في تصريح للجزيرة نت- أن تطور الصراع محتمل خاصة إذا استمرت حالة الغموض حول الانتخابات، حيث ستسعى هذه الفصائل إلى تعزيز نفوذها للحصول على مزيد من المكاسب وابتزاز الحكومة.

وأكد الكبير أن عدم معالجة أوضاع هذه الفصائل المسلحة بجدية، ووضع خطط لتفكيكها بحزم وإرادة قوية، وضم أفرادها إلى مؤسسات الدولة هو سبب رئيسي في تغولها وزيادة نفوذها.

المصدر : الجزيرة