سحق الثورة وأنقذ الأسد.. كيف غير التدخل الروسي ميزان القوى في سوريا؟

تسبب التدخل الروسي في استعادة النظام السوري مدينة حلب وتهجير وآلاف المدنيين (الجزيرة)

إدلب – لم يكن أشد المتشائمين يشك في أن مسألة سقوط النظام السوري قبل تاريخ 30 سبتمبر/أيلول 2015 باتت أمرا حتميا أمام ضربات المعارضة السورية العسكرية وخسارته أكثر من ثلثي مساحة سوريا وتقهقر قواته للدفاع عن مراكز المدن الكبرى والعاصمة دمشق، قبل أن تقلب روسيا المعادلة رأسا على عقب.

فقبل 6 سنوات من تاريخ اليوم، كان النظام السوري يسيطر على نحو 22% فقط من الأراضي السورية، بينما كانت المعارضة السورية تنتزع من الأراضي والمساحات الجغرافية الواحدة تلو الأخرى معتمدة على نموذج حرب العصابات وقتال الشوارع، في نموذج غير تقليدي لمواجهة جيش النظام.

لكن التدخل العسكري الروسي شكل نقطة تحول فاصلة في تاريخ الثورة السورية وغير موازين القوى على الأرض، إذ زجت موسكو بقوتها العسكرية الهائلة لتدفع المعارضة السورية إلى التراجع وخسارة مناطق إستراتيجية لم يكن النظام السوري يجرؤ على الاقتراب منها طوال أيام الثورة ومعاركها.

بداية التدخل

رغم أن روسيا كانت تدعم النظام السوري بالسلاح منذ بداية الصراع العسكري مع المعارضة السورية المسلحة، فإنها لم تنخرط فعليا في القتال لصالحه إلا في نهاية سبتمبر/أيلول 2015 بذريعة الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، ونفذ حينها سلاح الطيران الحربي الروسي أولى غاراته على مناطق عدة تابعة للمعارضة السورية في حلب وحمص وإدلب.

وبحسب مصادر المعارضة السورية، فإن الغارات الروسية الأولى استهدفت عناصر جيش العزة، أحد تشكيلات المعارضة السورية المسلحة في ريف حماة وقتل خلال الغارات أكثر من 30 من عناصره.

ويرى المدير العام لمركز جسور للدراسات، محمد سرميني، أن التدخل الروسي في سوريا جاء بناء على تحريض وتشجيع إيراني قاده القائد السابق لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، وفقا للرواية الإيرانية التي نُشرت بعد مقتل سليماني، كما أن العديد من المؤشرات أظهرت موافقة أميركية -ضمنية على الأقل- على هذه المشاركة.

وقال سرميني -في حديث للجزيرة نت- إن روسيا بدأت تدخلها بشكل استعراضي باستخدام القصف الجوي الشديد، الذي أدى إلى رفع عدد الضحايا من المدنيين بشكل كبير، لكنه ساعد في كسر كل القوى المعارضة للنظام، وغير فعليا من مسار الأحداث في سوريا منذ ذلك الحين.

اتبعت القوات الروسية سياسة الأرض المحروقة في سوريا لاستعادة المناطق من المعارضة السورية (الجزيرة)

سقوط المدن والتهجير

ومع الانخراط الواسع لسلاح الجو الروسي في حرب النظام السوري ضد المعارضة، بدأت الأخيرة في موقف ضعف وتراجع عن مناطق إستراتيجية شمالي وجنوبي سوريا، على وقع سياسة الأرض المحروقة التي حولت المدن السورية إلى أنقاض.

ويعتبر التدخل الروسي أحد أبرز أسباب خسارة المعارضة السورية مدينة حلب التي توصف بأنها عاصمة الشمال، حيث نفذ الروس حملة عسكرية واسعة النطاق لتغطية هجوم النظام البري على الأحياء الشرقية للمدينة عام 2016 باستخدام الأسلحة المحرمة دوليا.

وتسببت الحملة في مقتل وجرح الآلاف ودمار هائل في البنى التحتية للمدينة، وانتهت بانسحاب المعارضة السورية من المدينة نحو الريف الغربي والشمالي، إضافة إلى تهجير آلاف المدنيين من منازلهم ضمن -ما وصفت بأنها- أوسع حملة تهجير قسري لمعارضي النظام السوري.

وتوالى سقوط المدن والمناطق، وأصبح التهجير القسري بالحافلات الخضراء عنوانا للسنوات القادمة من عمر التدخل الروسي.

ويصف المحلل العسكري العقيد عبد الجبار العكيدي سقوط حلب بيد النظام بأنه دفع إلى سقوط العديد من المناطق التي كانت بحوزة المعارضة مثل أحجار الدومينو، جراء الدعم العسكري الروسي الكثيف من قاعدة حميميم وطيران السوخوي الروسي.

وأشار العكيدي -في حديث للجزيرة نت- إلى أن روسيا منعت سقوط النظام السوري عسكريا عبر استعادة عدة مناطق بتقديم الدعم اللوجستي الواسع لقواته.

ففي عامي 2017 و2018، خسرت المعارضة السورية معاقل مهمة في دمشق وريفها في الغوطة، وارتكب الروس مجازر دامية في مدن دوما وحرستا وعربين وغيرها، قبل أن يستخدم النظام السوري السلاح الكيماوي لإجبار المعارضة على الاستسلام والخروج إلى الشمال السوري.

القصف الروسي العنيف خلف دمارا واسعا في مدينة حلب وأجبر المعارضة على الانسحاب منها (الجزيرة)

حصيلة دامية

وفي أحدث تقرير ميداني للدفاع المدني السوري صدر يوم 20 سبتمبر/أيلول الجاري وحمل اسم "لا بوادر لوقف قتل وتهجير السوريين" تزامنا مع ذكرى التدخل العسكري الروسي في سوريا، وثق الفريق الانتهاكات بحق المدنيين على مدار 6 سنوات.

وبحسب التقرير، فإن أكثر من 12 ألف مدني في سوريا قتلوا وجرحوا على يد القوات الروسية منذ تدخلها العسكري هناك، وتحديدا خلال الفترة الممتدة من 30 سبتمبر/أيلول عام 2015 وحتى 20 سبتمبر/أيلول الجاري.

وبلغ عدد الهجمات الروسية بحسب توثيقات الدفاع المدني السوري 5586 هجوما، وهذه ليست كل الهجمات وإنما فقط ما استجابت له فرق الدفاع المدني.

وتركزت الهجمات الروسية -وفق الدفاع المدني- على مراكز المدن ومنازل المدنيين والمرافق الحيوية، حيث استهدفت 68% من تلك الهجمات منازل المدنيين بواقع 38 هجوما، في حين كانت الحقول الزراعية بالمرتبة الثانية بنسبة 16% من الهجمات بنحو 885 هجوما.

كما بلغت نسبة الهجمات الروسية على المحال التجارية 6% بواقع 33 هجوما، ثم المشافي والمراكز الطبية بواقع 70 هجوما، ومراكز الدفاع المدني بـ60 هجوما، والأسواق الشعبية بـ53 هجوما والمدارس 46 هجوما، و23 هجوما استهدف مخيمات تأوي نازحين، و35 هجوما استهدف مساجد وأماكن عبادة، و18 هجوما استهدف أفرانا، إضافة إلى عشرات الهجمات التي استهدفت مباني عامة ومحطات وقود وغيرها من المرافق.

مستقبل التدخل الروسي

ومع توسيع قواعدها العسكرية في سوريا وإبرام عقود استثمار اقتصادي في مناطق سيطرة النظام السوري، تبدو روسيا بأنها لن ترحل في وقت قريب من سوريا، وبحسب المؤشرات والتطورات السياسية والميدانية فإن الوجود الروسي باق إلى أمد طويل.

ويعتقد محمد سرميني أن روسيا جاءت إلى سوريا من أجل أن تبقى، وهو ما ينطبق على التدخل الإيراني أيضا؛ فكلاهما استثمر سياسيا وعسكريا واقتصاديا في الوصول إلى الوضع الحالي، إلا أنهما لم يحصدا النتائج الفعلية لهذا التدخل، وتحتاجان إلى عدّة عقود قبل تحقيق هذه النتائج.

ووفق سرميني، فإن روسيا سوف تعمل على تثبيت نظام سياسي صديق في سوريا، على أن يتسم نظام الحكم هذا بالاستقرار السياسي والمجتمعي، بما يضمن عدم تعرّضه لاهتزازات كبيرة في المستقبل تؤثر على المصالح الروسية.

المصدر : الجزيرة