جبهة ساخنة وآخر معقل للحكومة في الشمال.. ما هي الأهمية الإستراتيجية لمأرب اليمنية؟

Tribal fighter loyal to Yemen's government walks past an army tank at a position during fighting atainst Houthi rebels in an area between Yemen's northern provoices of al-Jawf and Marib
الجيش اليمني المسنود برجال القبائل يواجه ضغطا متزايدا من جماعة الحوثي قرب مأرب (رويترز)

يتقدم المتمردون الحوثيون باتجاه مدينة مأرب الإستراتيجية، وتتصدى لهم القوات الحكومية المدعومة من القبائل والتحالف العسكري بقيادة السعودية، ومن شأن سيطرة الحوثيين على المدينة أن تسهل امتدادهم إلى محافظات أخرى.

الثقل العسكري

يقول الباحث أحمد ناجي -من مركز مالكوم كير، كارنيغي للشرق الأوسط (Malcolm Carnegie Middle East Center)- إن مأرب "مركز الثقل العسكري" للحكومة في الشمال.

ويضيف "تحمل رمزية محورية في مسار الصراع في اليمن، فهي المنطقة التي لم يتمكن أنصار الله (الحوثيون) من السيطرة عليها رغم محاولاتهم الحثيثة منذ 6 سنوات، حتى قبل تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية" في الحرب بينهم وبين القوات الحكومية لدعم هذه الأخيرة 2015.

وسيعزز سقوط مأرب في أيدي الحوثيين موقعهم في أي مفاوضات محتملة مع الحكومة، كما قد يشكل ضربة كبرى للسعودية الداعمة للحكومة.

من يقاتل من؟

يحاول المسلحون الحوثيين السيطرة على المدينة، ويخوضون معارك مع القوات الموالية للحكومة اليمنية المدعومة من القبائل والتحالف العسكري بقيادة السعودية.

وفي وقت سابق، أكد محافظ مأرب سلطان العرادة أن "التحالف يقف الى جانب الجيش الوطني في الطيران والدعم اللوجستي"، مشددا على أنه "لولا وجود الطيران لربما كان الأمر مختلفا".

ويصف المتمردون الحوثيون جبهة مأرب بأنها "واحدة من أكبر الجبهات الرئيسية في الحرب العدوانية على اليمن"، مؤكدين أن مأرب "وعاء تحتشد فيه كل القوى والتنظيمات الظلامية من القاعدة وداعش والإخوان المسلمين".

ويرى العرادة بأن هذه مجرد "افتراءات"، معتبرا أنه "من المضحك أن يتحدث الإرهابي عن الإرهاب".

ولدى حزب "التجمع اليمني للإصلاح" المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين حضور قوي في مأرب.

ويقول ناجي "الإصلاح موجود في معظم محافظات الجمهورية، لكن الكثير من أعضائه نزحوا إلى مأرب كونها منطقة آمنة، ويقاتلون ضمن وحدات الجيش الحكومي والقبائل، لكن الإصلاح ليس كل مأرب وإنما أحد مكوناتها".

موقع إستراتيجي

وتقع مأرب على بعد نحو 120 كلم شرق العاصمة اليمنية صنعاء الخاضعة لسيطرة المتمردين، وتتصل بها عبر طريق سريع، كما أنها تقع على طريق سريع آخر يؤدي إلى جنوب السعودية.

ويعتبر موقع المدينة الصغيرة مهما ليس فقط لقربها من صنعاء، بل لأنها تعتبر منطلقا نحو مناطق الجنوب والشمال على حد سواء، بفضل مفترق الطرق الرئيسي الذي تتوزع منازلها على جوانبه.

وكان عدد سكان مأرب يتراوح بين 20 و30 ألف شخص قبل اندلاع النزاع في 2014، لكنه ارتفع إلى مئات الآلاف بعدما لجأ إليها نازحون من مناطق عدة في اليمن.

وتضم مدينة مأرب العديد من المواقع التاريخية، ويقول بعض علماء التاريخ إنها كانت في الماضي عاصمة مملكة سبأ التي تعود لألف عام قبل الميلاد، كما تحيط بها الوديان والجبال.

ملاذ آمن

وطالما اعتُبرت مدينة مأرب بمثابة ملجأ للكثير من النازحين الذين فروا هربا من المعارك أو أملوا ببداية جديدة في مدينة ظلت مستقرة لسنوات، ولكنهم أصبحوا الآن في مرمى النيران في ظل تصاعد القتال للسيطرة عليها.

وتشير الحكومة إلى وجود نحو 139 مخيما في مدينة مأرب والمحافظة التي تحمل الاسم ذاته، وقد استقبلت نحو 2.2 مليون نازح.

وأعربت الأمم المتحدة عن قلقها من تعريض مئات آلاف المدنيين للخطر جراء التصعيد العسكري الذي أجبر العديد من العائلات على الفرار نحو مخيمات جديدة كلما اقترب القتال من مخيماتهم.

النفط والغاز

وتعتبر محافظة مأرب غنية بالنفط بالإضافة إلى الغاز المسال، مما يضيف بعدا اقتصاديا مهما للصراع حولها.

وتوجد في مأرب مصفاة "صافر"، وهي واحدة من أصل اثنتين في اليمن، وأنشئت المصفاة عام 1986 بطاقة إنتاجية بلغت 10 آلاف برميل يوميا في حينه، بحسب موقع وزارة النفط والمعادن اليمنية.

وفي تقرير صادر في أواخر عام 2019 قالت الوزارة إن انتاجها يصل إلى 20 ألف برميل يوميا.

وتقوم مأرب بتزويد كل محافظات اليمن بالغاز حتى تلك الخاضعة لسيطرة الحوثيين.

ويؤكد ناجي وجود "بعد اقتصادي للمعركة"، قائلا "يهاجم الحوثيون بقوة سعيا للسيطرة على موارد مأرب المتمثلة بحقول النفط، خصوصا على منشأة صافر النفطية التي تمد مناطق كثيرة في اليمن بحاجتها من الوقود".

وأشار إلى أن "السيطرة عليها تعني الحصول على مورد اقتصادي" إضافي.

مستقبل اليمن

يرى خبراء أن معركة مأرب ستحدد مستقبل البلد الفقير.

ولن تؤدي سيطرة المتمردين على المدينة فقط إلى خسارة الحكومة المعترف بها دوليا آخر معاقلها في الشمال فحسب، بل ستؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي بالفعل.

بدورها، ترى إليزابيث كيندال الباحثة في شؤون اليمن في جامعة أكسفورد أن "خسارة مأرب لصالح الحوثيين ستغير مسار الحرب".

وتوضح كيندال أن خسارة مأرب ستكون "مسمارا آخر في نعش مطالبة الحكومة بالسلطة في اليمن. في المقابل، ستعزز موقف الحوثيين في أي محادثات سلام مرتقبة".

وفي زيارة قام بها إلى مدينة عتق عاصمة محافظة شبوة المجاورة لمأرب، أكد رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك أن "هذه المعركة ليست معركة شبوة ومأرب فقط، بل هي معركة كل اليمنيين".

وقال عبد الملك "مصير هذه المعركة سيحدد مستقبل اليمن لعشرات السنين".

المصدر : الفرنسية