مؤرخ ألماني: بلادنا دولة مهاجرين جسدت نموذجا نادرا للتضامن الإنساني

epa03904078 Syrian refugees family wait at the entrance of the International Organization for Migration (IOM) headquarters in Beirut, Lebanon, 10 October 2013. Over a hundred Syrian refugees mostly women and children were preparing to leave Lebanon on a flight to Germany the second to be part of a mass relocation programme. The group of 106 refugees the second of up to 4,000 people fleeing Syria’s civil war gathered near the IOM headquarters in Beirut ahead of their flight. EPA/WAEL
لاجئون سوريون في لبنان يستعدون للسفر إلى ألمانيا في إطار برنامج حكومي ألماني للهجرة (الأوروبية)

يرى المؤرخ الألماني جان بلامبر أن ألمانيا التي عرفت بكونها بلدا للهجرة إلى حدود القرن الماضي هي في واقع الأمر "دولة مهاجرين"، معتبرا أن موجة اللجوء الأخيرة التي شهدتها بلاده في العام 2015 شكلت نموذجا استثنائيا ونادرا للتضامن الإنساني.

وأكد بلامبر -في حوار مع صحيفة لاكروا (La Croix) الفرنسية- أن الألمان خلال القرن الـ19 هاجروا بشكل أساسي صوب الولايات المتحدة وروسيا، حيث بات حاليا أكثر من 50 مليون أميركي من أصول ألمانية.

لكن كل شيء تغير بعد الحرب العالمية الثانية -يضيف المؤرخ- حيث رُحّل نحو 12.5 مليونا من القوميين الألمان بين عامي 1945 و1948 من أوروبا الوسطى والشرقية، واعتبروا تجسيدا "للآخر" الأجنبي.

وبين عامي 1955 و1973 استقبلت ألمانيا 14 مليونا من "العمال الزوار"، 11 مليونا منهم عادوا لبلدانهم الأصلية، كما استقبلت ألمانيا الشرقية أكثر من 200 ألف مهاجر في ثمانينيات القرن الماضي.

بعد ذلك، وصل إلى البلاد 4.5 ملايين "من أصل ألماني" من وسط وشرق أوروبا، و230 ألف يهودي من الاتحاد السوفياتي السابق، بالإضافة إلى طالبي لجوء، ثم أخيرا حوالي مليون لاجئ في العام 2015، حيث أضحى الآن ربع المواطنين الألمان على الأقل -أو حوالي 20 مليون شخص- من أصول أجنبية حديثة، مع أحد الوالدين على الأقل مولود خارج ألمانيا.

ويرى بلامبر أن هذه الموجة الأخيرة من هجرة اللاجئين شكلت موقفا تضامنيا استثنائيا يحسب لألمانيا، حيث انخرط حوالي 10 ملايين ألماني في حركة اجتماعية مؤيدة للاجئين شملت كل قطاعات المجتمع، صغارا أو كبارا، يساريين أو يمينيين، تقدميين أو ليبراليين.

وقد مهد لهذا التضامن المجتمعي غير المسبوق -وفق المؤرخ- نشاط طالبي اللجوء والمجتمع المدني منذ تسعينيات القرن الماضي، فضلا عن قانون الجنسية الجديد الذي تم اعتماده عام 2000 تحت رعاية تحالف الديمقراطيين والاجتماعيين والخضر.

لكن لسوء الحظ -يضيف بلامبر- لا يزال اليمين المتطرف مهيمنا على الجدل في الرأي العام الألماني، ويصور خيار استقبال المهاجرين عام 2015 على أنه "خطأ كبير" رغم حصوله على دعم أغلبية الألمان.

كما لم يمنع ما جرى قبل نحو 7 سنوات تصاعد كراهية الأجانب والعنصرية ومعاداة السامية، حيث تم اغتيال 9 مهاجرين من قبل جماعة إرهابية متطرفة تدعى "الحركة الاشتراكية الوطنية السرية" "إن إس يو" (NSU) مطلع العقد الأول من القرن الـ21، والهجوم على كنيس مدينة هاله في 2019، وإنشاء "حزب البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف الذي برز في المشهد السياسي، خاصة بعد دخوله البرلمان الاتحادي (البوندستاغ) عام 2017.

ويعتقد بلامبر أن ألمانيا في ظل هذا الوضع مدعوة إلى أن تتطور نحو هوية جماعية مدنية تتجاوز التفاصيل الاقتصادية أو الديمغرافية، وهي التي لطالما تبنت تعريفا "عرقيا بيولوجيا" للأمة الألمانية، ويعتبر الوصول لمجتمع متنوع لا يضطر فيه المرء إلى التخلي عن تراثه الثقافي ليعتبر مواطنا كاملا الخيار الأكثر قابلية للتطبيق، وهي تجربة سبق للألمان أن اختبروها في خمسينيات القرن الماضي.

المصدر : لاكروا