شركاء حروب الشرق الأوسط.. هل ينتقل الحلف الأميركي البريطاني لمواجهة العدو في الشرق الأقصى؟

جاء اتفاق "أوكوس" الأمني في الوقت المناسب لكل من لندن وواشنطن، فكلاهما يحاول الخروج من مرحلة حرجة في تاريخه: إرث ترامب في أميركا، وارتدادات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست).

الرئيس الأميركي جو بايدن (يسار) مع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون خلال اجتماعهما قبل انعقاد قمة مجموعة السبع في 10 يونيو/حزيران 2021 (رويترز)

لندن- ترتبط مرحلة الغزو الأميركي لكل من العراق وأفغانستان، بالتحالف العسكري مع بريطانيا، وهو الذي قاد الحربين معا. وبانتهاء الانسحاب الأميركي من أفغانستان، يدخل العالم مرحلة جديدة من المواجهة على النفوذ بين الصين والولايات المتحدة.

وظل الثنائي جورج بوش وتوني بلير، حاضرين في الذاكرة لكونهما عَرابيْن ومهندسيْن للحروب في العراق وأفغانستان، بل يتهمها كثيرون بأنهم السبب الرئيسي في تدهور الأوضاع في البلدين.

ومؤخرا، يدخل الحلف الأميركي البريطاني مرحلة جديدة، بتوقيع اتفاقية "أوكوس" (AUKUS) الأمنية إلى جانب أستراليا، لتشييد غواصات نووية، الغرض منها مواجهة النفوذ الصيني. وكأن التاريخ يعيد نفسه، هكذا تعتقد الكثير من التحليلات الأميركية والبريطانية، فمرة أخرى تعود واشنطن ولندن بحلف عسكري لمواجهة تهديد جديد.

تصحيح خطأ أفغانستان

وصلت العلاقات الأميركية البريطانية إلى أدنى مستوياتها خلال مرحلة الانسحاب من أفغانستان، بسبب الانفراد الأميركي بالقرار، وعدم التنسيق مع المملكة المتحدة التي تعتبر الحليف الأقرب لواشنطن في تلك الحرب.

وظهرت للعلن حالة الاستياء العارمة من الإدارة الأميركية داخل البرلمان البريطاني، عندما اتهم نواب بريطانيون الرئيس الأميركي جو بايدن بأنه اتخذ القرار بشكل متسرع، وتخلى عن بلادهم ولم ينسق معها.

وتحدّثت مصادر عسكرية لصحيفة "التايمز" (The Times) البريطانية عن استبعاد القادة العسكريين البريطانيين من جلسات المفاوضات المهمة بين أميركا وطالبان، "وهكذا وجدنا أنفسنا في الظلام، لا نعرف ما يحدث عندما قرروا الانسحاب"، يقول أحد القادة في الجيش البريطاني للصحيفة.

وزادت حدة التوتر بين البلدين عندما رفض الرئيس بايدن المطالب البريطانية بتأجيل الانسحاب من مطار كابل. وقاومت واشنطن كل الضغوط القادمة من لندن لتأجيل الانسحاب أسبوعا، لضمان إجلاء المواطنين الغربيين من هناك. وبعد هذه الأزمة، وجِّهت اتهامات كثيرة لبايدن بأنه يدمر العلاقات الأمنية والعسكرية مع بريطانيا.

اتفاق أوكوس بين أميركا وبريطانيا وأستراليا يثير احتجاجات أوروبية وصينية (البحرية الملكية البريطانية)

إرث البريكست وترامب

وجاء الاتفاق الأمني الثلاثي بين بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا في الوقت المناسب لكل من لندن وواشنطن، فكلاهما يحاول الخروج من مرحلة حرجة في تاريخه: إرث ترامب في أميركا، وارتدادات اتفاقية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (البريكست).

وجرت رياح الاتفاق الأمني بما تشتهيه سفن رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الذي -ولأول مرة- يشاهد تراجع شعبية حزبه مقارنة بحزب العمال منذ سنة 2019، ليأتي الاتفاق ويكرس ما كان جونسون يروّج له منذ سنوات، وهو مشروع "بريطانيا العالمية" التي ستخرج من ضيق الاتحاد الأوروبي لرحابة العالم.

وتقدم الدوائر المقربة من جونسون الاتفاق الثلاثي على أنه من أكبر ثمار البريكست، حيث منح بريطانيا حرية التفاوض وعقد الصفقات الأمنية والعسكرية الضخمة بعيدا عن الاتحاد الأوروبي.

وظهر في التقرير الإستراتيجي لبريطانيا الذي يضع ملامح السياسة العامة للبلاد خلال العقدين المقبلين، أن الهدف الأول للمملكة هو الحفاظ على الولايات المتحدة كأول حليف للبلاد، وهذا ما يعززه اتفاق "أوكوس" الأمني.

ويساهم الاتفاق في عودة الحياة للحلف الإستراتيجي بين لندن وواشنطن، والذي تراجع تحت الشعار الذي أطلقه الرئيس ترامب "أميركا أولا". كما يخفف من غضب بريطانيا على الإدارة الأميركية بعد الانسحاب من أفغانستان.

الولايات المتحدة والصين في مواجهات تستدعي تحالفات دولية كبرى (غيتي)

عدو جديد

وكما وقف قبل 20 سنة كل من الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير لتقسيم العالم إلى محورين: مع أميركا وحلفائها أو ضدهما، فإن الرئيس الأميركي جو بايدن قال -خلال الإعلان عن صفقة الغواصات- إن نشرها سيكون حائلا بين عالم الحرية والديمقراطية وبين عالم القمع.

وبنفس اللغة تحدّث رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، وقال إن كل هذه التحركات هي لمواجهة تهديد قيم الغرب من ديمقراطية وحرية تعبير.

أما العدو الجديد هذه المرة فهو الصين، التي تتابع كل ما يحدث في المحيط الهندي والهادي وهي تعلم أنها تحركات موجهة ضدها. لينتقل مركز الصراع نحو الشرق الأقصى، وهو ما ترسخه التحركات العسكرية البريطانية التي تعود -لأول مرة منذ العدوان الثلاثي على مصر- إلى البحر الأسود والمحيط الهندي.

وبحسب تقارير إعلامية أميركية، فإن الاتفاق الأميركي البريطاني هو تقسيم للمهام، بحيث تقوم بريطانيا بمواجهة النفوذ الروسي، بينما تركز واشنطن في صراعها مع بكين.

في أفضل أحوالها

وفي المقابل، تقف الدول الأوروبية حائرة، وخصوصا دول الناتو التي لا تعرف بعد موقعها في هذه التحولات الجديدة، لدرجة أن فرنسا تبحث الانسحاب من الحلف، بحسب صحيفة نيويورك تايمز (New York Times).

وظهر تكريس الحلف البريطاني الأميركي خلال اللقاء الذي جمع بين رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والرئيس الأميركي جو بايدن في البيت الأبيض.

وأكد جونسون خلاله أن "مهمة أي رئيس وزراء بريطاني هي الحفاظ على العلاقات مع واشنطن في أفضل أحوالها"، مضيفا أنه "منذ عقد من الزمن لم تكن العلاقة مع واشنطن في أفضل أحوالها كما هي عليه الآن".

وبذلك، تعود ثنائية "واشنطن- لندن" من جديد لتتصدر المشهد في الصراع العالمي الذي سيكون مسرحه الشرق الأقصى، بعد أن كانا بطلي الصراعات في الشرق الأوسط منذ عقود.

المصدر : الجزيرة