7 أعوام من سيطرة الحوثيين على صنعاء.. اليمن مقسم ويغرق في مستنقع الحرب

بسيطرة الحوثيين على صنعاء واندلاع المعارك، انتهى دور الأحزاب السياسية، وعزز التدخل الإقليمي من الخلافات في السلطة، مما خلف قوى سياسية مدعومة بالسلاح. وصار القرار في الملف اليمني بيد قوى خارجية.

Tribal fighter loyal to Yemen's government stands on the roof of a pick-up truck as he uses binoculars to look at at Houthi positions in an area between Yemen's northern provoices of al-Jawf and Marib
مقاتل موالٍ للحكومة اليمنية يراقب مواقع الحوثيين بمنطقة تقع بين مناطق الجوف ومأرب شمالي البلاد (رويترز)

الجزيرة نت- لا تغيب مشاهد اقتحام الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح للعاصمة صنعاء، يوم 21 سبتمبر/أيلول 2014، عن ذاكرة الجندي بسام عبد الواحد، الذي كان يتمركز في مقر "الفرقة الأولى مدرّع" ويقودها أشد العسكريين عداوة للجماعة الحوثية، نائب الرئيس حاليا، علي محسن الأحمر.

يصف عبد الواحد وقائع "اليوم الأسود" كما يسمّيه، ويقول للجزيرة نت "كان الأمر مخيفًا وكارثيًّا، وكأنها القيامة، لم ندرِ ما نفعل، كل همّنا أن ننجو بأرواحنا". وبينما عبد الواحد يغادر صنعاء للمرة الأخيرة، كان الحوثيون وحلفاؤهم قد سيطروا عليها بشكل كامل.

وبسيطرتهم على عاصمة البلد الأفقر بالجزيرة العربية، تفجّر القتال المحتدم منذ 7 سنوات، وبدأ واحد من فصول المأساة الإنسانية التي تصنفها الأمم المتحدة بالأشد في العالم.

يمنيون يتلقون مساعدات غذائية بعد أن دمرت النيران مخيمهم بقرية الدريهمي جنوبي الحديدة الساحلية (الفرنسية)

بلد متشرذم

ورغم توصّل الأطراف السياسية في اليمن إلى اتفاق "السلم والشراكة" برعاية الأمم المتحدة، والذي قضى بإشراك الحوثيين في الحكم، إلا أن الأخيرين لم يلتزموا به وحاصروا منزل الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي فرّ إلى مدينة عدن ومنها إلى العاصمة السعودية الرياض.

ومع تقدم الحوثيين نحو عدن في مارس/آذار 2015، قادت السعودية تحالفا عسكريّا هدف لإعادة هادي للحكم وإنهاء "انقلاب الحوثيين".

وبعد 7 أعوام تشرذمت البلاد إلى ما يصفه مراقبون بـ "دويلات صغيرة" تخوض حروبا ضد بعضها، وقد عمّقت الحرب بالوكالة والتدخل الإقليمي من تقسيم البلاد.

ويفرض الحوثيون، المتهمون بتلقي الدعم من إيران، سيطرتهم على صنعاء ومعظم المحافظات التي تضم الجزء الأكبر من السكان. وتخوض قواتهم معارك مستمرة للسيطرة على مدينة مأرب، المعقل الأخير للحكومة شمالي البلاد.

ويرى عبد السلام محمد رئيس مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية (غير حكومي) أن إيران هي الطرف الوحيد الذي لديه إستراتيجية واضحة في اليمن من خلال دعم الحوثيين للسيطرة على نفوذ أكبر وحسم الحرب.

وفي الجنوب يفرض المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو فصيل نشأ عام 2017 بدعم وتمويل إماراتي، سيطرته على مدينة عدن وعدد من المحافظات إضافة لجزيرة سقطرى.

كما تسيطر القوات المشتركة التي يقودها طارق صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، بدعم إماراتي أيضا، على الجزء الجنوبي من الساحل الغربي للبحر الأحمر.

أما الحكومة اليمنية المقيمة في الرياض فتستميت قوات الجيش التابعة لها للحفاظ على مدينة مأرب وأجزاء من مدينة تعز، إضافة إلى محافظات شبوة وحضرموت والمهرة، شرقي البلاد.

قوة الحوثيين

وفي حين تعصف الخلافات والاضطرابات والقتال بالمناطق التي لا تخضع لهم، أعاد الحوثيون تموضع عملياتهم العسكرية من الدفاع إلى الهجوم، وشنوا هجمات على مأرب والبيضاء ومعظم خطوط التماس.

ويعود ذلك إلى تطور الجماعة عسكريا وسياسيا، وانقسام التحالف المفترض أن يكون مناهضا لها، واندلاع القتال في صفوفه منتصف 2019. ومنذ ذلك الحين شن الحوثيون هجمات حساسة داخل اليمن وعلى السعودية.

ويقدّر الكاتب السياسي شاكر أحمد أن جماعة الحوثيين حددت هدفها وهو الذهاب إلى الحرب بعيدا عن أية اعتبارات إقليمية ودولية. ويُعدّ هذا أحد مصادر قوتها، في حين رهنت الحكومة قرارها لاعتبارات كثيرة بينها التحالف العربي، وكذلك المحادثات مع مبعوثي الأمم المتحدة.

وانعكست قوة الحوثيين العسكرية على طاولة المفاوضات، حيث وضعت الجماعة مؤخرا شروطا مسبقة للدخول في أية مفاوضات يقودها المبعوث الأممي المعيّن حديثًا إلى اليمن هانس غروندبرغ.

ويصرّ الحوثيون على فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة ووقف الغارات الجوية التي تشنها مقاتلات التحالف قبل وقف تقدمهم العسكري نحو مدينة مأرب، التي تضم أكثر من مليوني نازح، حسب تقديرات للحكومة اليمنية.

وأفشلت هذه الاشتراطات، في مايو/أيار الماضي، آخر جولة للمبعوث الأممي السابق إلى اليمن مارتن غريفيث، الذي عبّر عن أسفه لعدم إحداث أي تقدم يُذكر في سبيل إنهاء الحرب المستعرة في البلاد.

ورغم خسائرهم الكبيرة، إلا أن الحوثيين يصرون على التقدم نحو مدينة مأرب، معقل الحكومة، والتي تحوي آبار النفط والغاز، حيث ستسمح لهم السيطرة، في حال حدوثها، بالتقدم نحو الجنوب عبر محافظة شبوة وأبين ومن ثم إلى عدن.

Smoke billows from the site of Saudi-led air strikes in Sanaa, Yemen
منذ سيطرة على العاصمة صنعاء تفجّر القتال المحتدم منذ 7 سنوات (رويترز)

التدخل الإقليمي

وفرضت الإمارات العضو الفاعل في التحالف، إلى جانب السعودية، سيطرتها على عدد من المواقع العسكرية، إذ تتمركز قواتها في جزيرة ميون عند مضيق باب المندب، وجزيرة سقطرى، ومنشأة بلحاف الغازية، أكبر منشأة اقتصادية في اليمن.

ويقول الخبير عبد السلام محمد، للجزيرة نت، إن هذه الإستراتيجية المتضاربة التي تتعلق بالوصول إلى الموانئ في اليمن ومنابع النفط والغاز، وضرب حزب الإصلاح المشارك في الحكومة، خدمت بشكل أو بآخر إستراتيجية إيران في اليمن ووسعت نفوذها.

فشل وفساد

من ناحية أخرى، فقد الرئيس هادي، والتحالف الداعم له، التأييد من اليمنيين وشكّل بنظرهم معضلة لحل الأزمة في البلاد، ليثير ذلك جدلا حول ضرورة تشكيل مجلس رئاسي قد يكون بديلًا لهادي ويشمل الحوثيين.

ويقول الكاتب شاكر أحمد إن إطالة أمد المعركة أفرغت زخمها، كما ولّدت حالات فساد داخل أروقة الحكومة الشرعية، وهو ما أصبح حديث الشارع اليمني خلال الفترة الأخيرة، لتنهار الدولة على جميع الأصعدة.

وخلال الأسبوع الأخير، شهدت البلاد احتجاجات غاضبة ومنددة بانهيار العملة المحلية التي سجلت أدنى قيمة لها تاريخيا، وبتدهور الخدمات الأساسية.

ويقول عبد السلام محمد إن التدهور الاقتصادي، وفشل إدارة الدولة والفساد المستشري في السلطة، عزّز من قوة المليشيات والأطراف الموازية للدولة، على الجانب السياسي والعسكري.

الاحتجاجات في اليمن
جانب من احتجاجات شعبية بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية في اليمن (الجزيرة)

أحزاب شكلية

وبسيطرة الحوثيين على صنعاء واندلاع المعارك، انتهى دور الأحزاب السياسية، كما أن التدخل الإقليمي عزز من الخلافات في السلطة التي انضمت لها الأحزاب اليمنية، مما خلف قوى سياسية أخرى مدعومة بالسلاح.

وباتت الأحزاب السياسية شكلية فقط، وينحصر دورها في بيانات نادرة، في الوقت الذي صار قرار الملف اليمني بيد قوى خارجية ومن اختصاص الأمم المتحدة.

غير أن التغير الأبرز كان في مقتل الرئيس علي صالح أواخر 2017 على يد حلفائه الحوثيين الذين دعمهم بقوة للسيطرة على صنعاء، كما انشطر حزبه الذي حكم البلاد 33 عاما إلى 3 أجنحة.

المصدر : الجزيرة