مع إعادة ترسيم العلاقات.. هل تنجح القاهرة وأنقرة في تخطي عقبة الملف الليبي؟

لقاء سابق بين وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو (يمين) ونظيره المصري سامح شكري (مواقع التواصل الاجتماعي)

القاهرة – رغم التصريحات الرسمية المبشرة من مصر وتركيا بعودة العلاقات الثنائية فإن إعادة ترسيم العلاقات من جديد لا تخلو من عقبات في مسارات متفرقة، وظهر هذا واضحا عندما رجح رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إمكانية استئناف العلاقات خلال العام الجاري، لكنه ربط ذلك بحل ما وصفها بالقضايا العالقة، وعلى رأسها الملف الليبي.

ومؤخرا، أنهت مصر وتركيا مباحثات الجولة الثانية على مستوى نائبي وزيري الخارجية في العاصمة التركية أنقرة، وأكدا -في بيان مشترك- رغبتهما في اتخاذ مزيد من الخطوات الإضافية لإحراز تقدم في القضايا العالقة وعودة العلاقات الدبلوماسية.

وبدأت مباحثات ثنائية بين البلدين في مايو/أيار الماضي، حيث زار وفد تركي مصر وأجرى مباحثات على مستوى نائبي وزيري الخارجية، وصفت بـ"المشاورات الاستكشافية"، وقالت عنها مصر إنها كانت صريحة ومعمقة.

ووفق المسؤولين المصريين، فإن الأزمة الليبية تمثل أهم القضايا الرئيسية العالقة مع تركيا، إذ عادة ما تشير مصر إلى أن "وجود مرتزقة وقوات أجنبية في ليبيا" -في إشارة إلى الوجود التركي- يمثل عائقا لتحقيق التقدم على صعيد توحيد المؤسسات الليبية.

في المقابل، تؤكد تركيا أن وجودها العسكري في ليبيا شرعي استنادا إلى اتفاقيات موقعة مع الحكومة الليبية السابقة (الوفاق الوطني).

وترصد الجزيرة نت تساؤلات حول تداعيات الملف الليبي وأزماته على المساعي المصرية التركية نحو تطبيع العلاقات بين البلدين، وهل ينجح البلدان في تخطي عقبة هذا الملف المتأزم من سنوات، بما قد يفضي إلى تشكيل تحالف ثنائي يلقي بظلاله على ملفات شرق البحر المتوسط وحقول الغاز وترسيم الحدود البحرية؟

إلى أين وصلت الأوضاع في ليبيا؟ وما مدى ارتباطها بمصر وتركيا؟

لا تزال مصر أبرز الداعمين للواء المتقاعد خليفة حفتر وبرلمان طبرق في الشرق الليبي، في وقت تعد تركيا داعما رئيسيا لرئيس الحكومة الليبية الجديدة عبد الحميد الدبيبة الذي استضافته القاهرة في فبراير/شباط الماضي عقب توليه منصبه، وهو ما بدا مؤشرا على تغيير إستراتيجيتها في ليبيا بالتعاون مع السلطات الجديدة في طرابلس.

والثلاثاء الماضي، استقبل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اللواء المتقاعد خليفة حفتر ورئيس برلمان طبرق عقيلة صالح في القاهرة، وبعد يومين استقبل الدبيبة، لكنه حرص على الإشارة إلى رفض بلاده "كافة أشكال التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي الليبي، فضلا عن تعزيز تماسك المؤسسات الوطنية الليبية وتوحيد الجيش الوطني الليبي".

وتتركز الجهود الدولية حاليا -بما فيها المصرية والتركية- على تهدئة وتسوية الأزمات في ليبيا، وإنهاء الانقسام السياسي، والإشراف على المرحلة الانتقالية إلى حين حلول موعد الانتخابات المقررة مع نهاية العام الجاري، في حين لا تزال قضية وجود القوات الأجنبية والمرتزقة من أبرز القضايا الرئيسية بين البلدين.

ووفق رئيس الوزراء المصري، فإن "الأزمة الليبية تعد إحدى أهم القضايا الرئيسية في العلاقات مع تركيا"، مشيرا في حوار مع وكالة بلومبيرغ إلى أن بلاده تطالب بعدم التدخل في شؤون ليبيا.

ما هي معضلات الأزمة الليبية بين القاهرة وأنقرة؟

بدوره، يرى الباحث المصري المختص في الشأن الليبي علاء فاروق أن الملف الليبي يمثل إحدى أبرز العراقيل القائمة بين البلدين، وتحديدا وجود عناصر القوات التركية -سواء كانوا فنيين أو عسكريين- في العاصمة طرابلس ومدينة مصراتة.

وفي تصريحات للجزيرة نت، أوضح فاروق أن القوات التركية في ليبيا أزمة تؤرق الحكومة المصرية، لكون القاهرة ترى في هذا الوجود تهديدا لأمنها القومي أو محاولة للضغط من جانب تركيا من الناحية العسكرية.

ووفق الباحث المصري، فإن الأزمة الليبية وانعكاساتها على العلاقات المصرية التركية تتلخص في اختلاف الرؤى، حيث لا ترى مصر فوارق بين القوات التركية في الغرب الليبي وبين القوات الأجنبية الأخرى والمرتزقة، لكن أنقرة تتذرع وتتمترس خلف الاتفاقية الأمنية مع حكومة طرابلس التي سبق أن صدقت عليها الأمم المتحدة.

وأضاف أن الاتفاقية البحرية الموقعة بين أنقرة وحكومة الوفاق الوطني (السابقة) تؤرق أيضا القاهرة في البحر المتوسط رغم تأكيد خبراء على الاستفادة المصرية من هذه الاتفاقية، مستدركا بالقول "لكن عندما يكون هناك صدام سياسي بين رؤساء الدول تظهر ردود الفعل والمواقف من منظور سياسي أكثر من كونها من زاوية المصالح".

ووفقا للكاتب والباحث التركي، عبد الله أيدوغان فإن بقاء الملف الليبي شائكا بين الأطراف الليبية محليا ينعكس على العلاقات المصرية التركية، مشيرا إلى أن مصر لا تزال تدعم الطرف الشرقي، فيما تدعم تركيا الغرب، إضافة إلى عدم تسوية ملفات عالقة على غرار ميزانية الدولة ومراكز القوى المختلفة بين حفتر وحكومة طرابلس وبرلمان طبرق.

وفي تصريحات للجزيرة نت، أضاف أيدوغان أن ليبيا من المرتقب أن تشهد انتخابات برلمانية ورئاسية نهاية العام الجاري، لكن حتى الآن الأرضية الدستورية والقوانين غير جاهزة رغم المساعي الدولية لحث أطراف الأزمة الليبية على إجراء الانتخابات في موعدها.

كيف يمكن لمصر وتركيا الخروج من معضلة "المرتزقة والقوات الأجنبية"؟

وعن انعكاسات الوجود الأجنبي والمرتزقة في ليبيا، قال السفير المصري فرغلي طه مساعد وزير الخارجية الأسبق إن معظم الليبيين يطالبون بخروج المرتزقة والقوات الأجنبية، لكن ربما أجنحة طرابلس ترغب في بقاء تركيا تخوفا من "الجيش الليبي" تحت قيادة حفتر في الشرق.

وبالنظر إلى الصراعات الدائرة وعدم التوافق السياسي التام بين أطراف الأزمة الليبية حتى الآن -بحسب طه- فإن مصر حريصة على استقرار ليبيا وضمان عدم تهديد الأمن القومي المصري من أراضيها، مشيرا إلى أنه إلى جانب القوات التركية هناك قوات روسية وعناصر أميركية وأخرى فرنسية.

وأشار الدبلوماسي المصري السابق إلى مصالح مختلفة لكل أطراف الصراع داخليا وإقليميا، موضحا أن حل مسألة القوات الأجنبية ليس من السهولة بمكان في ظل عدم التوافق الليبي.

بدوره، يقول الباحث علاء فاروق إن الخروج من هذه المعضلة يتطلب ليونة في المواقف الصلبة عبر سحب تركيا العسكريين المقاتلين، وتحديدا من الغرب الليبي، على أن تبقي فقط الخبراء الفنيين العسكريين، مشيرا إلى أن القاهرة قد تقبل بذلك كحل وسط.

وأضاف فاروق أن تركيا ربما تشترط على مصر المساعدة في إخراج المقاتلين الروس (الفاغنر) الموجودين حول حفتر، وربما تلعب أنقرة بهذه الورقة في الفترة المقبلة.

وعلى الجانب الآخر، رأى الباحث التركي أيدوغان أن مشكلة القوات الأجنبية والمرتزقة في ليبيا يمكن حلها بتفاهم تركي روسي أكثر مما هو تفاهم تركي مصري، مشددا على أن هذه القضية ملف شائك وفيه إشكالية كبيرة لوجود الطرف الروسي (المحرك لقوات فاغنر) على الأراضي الليبية لدعم حفتر، إضافة إلى مرتزقة الجنجويد السودانيين وآخرين من تشاد وبعض الدول الأفريقية الأخرى.

وتوقع أيدوغان أنه طالما بقي الفاغنر الروس في الشرق فستبقى بقية القوات الأجنبية في الغرب الليبي، موضحا أن المرتزقة والقوات الأجنبية ليسوا المعضلة الرئيسية فحسب بين مصر وبلاده.

وأضاف أن هناك أطرافا متداخلة ومتنوعة في ملف المرتزقة، لكن تم قبل ذلك سحب مرتزقة من هنا وهناك، مشددا على أن حل ملف القوات الأجنبية على الأراضي الليبية في يد أنقرة وموسكو أكثر من أي دولة لها مصالح أخرى في ليبيا، بما في ذلك مصر.

لكنه أشار إلى أن بلاده وروسيا ليستا على وفاق على طول الخط، فيما يبقى رئيسا البلدين على تفاهم في ملفات وعدم وفاق في ملفات أخرى، وفقا لما تقتضيه مصالح البلدين.

ما تداعيات التقارب المصري التركي في ليبيا على غاز شرق المتوسط؟

يشتبك الملف الليبي بصورة مباشرة بأزمة غاز شرق المتوسط وترسيم الحدود البحرية بين أكثر من دولة لها امتداد بحري على البحر المتوسط الذي يشهد منذ سنوات أزمة مزمنة في ترسيم الحدود البحرية والاقتصادية، نظرا لكونه منطقة غنية بالغاز ويعد حوضا مائيا ضيقا تتقاطع فيه حدود عدة دول بحريا.

ومنذ بوادر التقارب المصري التركي تتخوف اليونان وقبرص وإسرائيل من أن تكون مراجعة الحدود البحرية أمرا مطروحا على طاولة المباحثات، خاصة مع وجود اتفاق ليبي تركي يمنح مصر مساحة أكبر من الحدود البحرية وما فيها من ثروات للغاز الطبيعي.

وسبق أن اتفق محللون سياسيون مصريون وأتراك -في تصريحات للجزيرة نت- على أن التقارب بين البلدين يعزز فرص نجاحهما في النزاع البحري، مما قد يفضي في النهاية إلى تكتل ثنائي في مواجهة تحالفات شرق المتوسط المتناقضة.

هل ينجح البلدان في تخطي أزمة الملف الليبي؟

وفي هذا الصدد، يرى الدبلوماسي السابق فرغلي طه أن تركيا تريد من مصر أساسا غاز شرق المتوسط، بمعنى تسهيل مشاركتها وضمان حصة أو ضمان اختراق لتحالف مصر مع اليونان وقبرص في استغلال الغاز، مشيرا إلى عدم وجود مشكلة في التجارة والاستثمار بين البلدين.

وأشار طه إلى الأوراق التي يمتلكها كل طرف، فلمصر أيضا مطالب تتعلق بقيادات وعناصر إخوانية موجودة في تركيا، والتي لم يتبين بعد نتائج المباحثات المصرية التركية بشأن معظم الأمور الخلافية أو مصالح كل طرف.

وعن قدرة البلدين في تخطي أزمة الملف الليبي أو أن تمثل ليبيا أرضية انطلاق لتحالف مصري تركيا، قال طه "لا أتوقع نتائج ملموسة سريعا، ربما فقط إعادة تبادل السفراء، ومن الصعوبة بمكان تشكيل تحالف، ليس للظروف الراهنة ولكن لعلاقات مصر مع اليونان وقبرص وتعقد الأزمتين الليبية والسورية وتدخل تركيا فيهما".

في المقابل، رأى فاروق أن هناك إمكانية لنجاح البلدين في تخطي أزمة الملف الليبي عن طريق عدم التصلب في المواقف والتعنت في المفاوضات بين الدولتين، بحيث يمكنهما التعاون أكثر من الصدام.

وطرح أن تدشن اتفاقية ثلاثية في المتوسط بين تركيا وليبيا ومصر، والتنسيق أكثر من الصدام في المنطقة الوسطى بليبيا، وتحديدا الجفرة وسرت، ومساعدة البلدين لليبيا بأن تمر بسلام في المرحلة الانتقالية، وعقد الانتخابات في موعدها نهاية العام الجاري.

بدوره، ذهب أيدوغان إلى أنه رغم بقاء الملف الليبي من أبرز معضلات التقارب المصري التركي فإنه كان يمثل بداية التحول والحوار والتفاهم في العلاقات بين البلدين، إلى جانب ملف شرق المتوسط منذ مشاورات مخابرات البلدين التي مهدت إلى زيارتي مبعوثي خارجيتي البلدين المتبادلة في مايو/أيار الماضي في القاهرة ثم سبتمبر/أيلول الجاري بأنقرة.

وتوقع أن تدفع المباحثات المصرية التركية الأخيرة إلى عودة العلاقات الدبلوماسية، وأن تتم تسمية سفراء بين البلدين قريبا.

المصدر : الجزيرة