كل ما تحتاج معرفته عن تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان

بالتزامن مع سيطرة حركة طالبان على كامل أفغانستان ودخولها العاصمة كابل عاد إلى الساحة وبقوة تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان كجزء من ساحة التنظيم في ما تعرف بولاية خراسان، بعد أن توارى عن المشهد إثر معارك شرسة مع الحركة، وهو ما يستدعي التعريف بهذا التنظيم، تاريخه وواقعه

Afghan security forces keep watch at the site of a huge blast near the entrance of Kabul's international airport, in Kabul on August 10, 2015. A huge blast struck near the entrance of Kabul's international airport on August 10 during the peak lunchtime period, officials said, warning that heavy casualties were expected. 'The explosion occurred at the first check point of Kabul airport,' said deputy Kabul police chief Sayed Gul Agha Rouhani. AFP PHOTO / SHAH Marai
التفجير المزدوج عند مدخل مطار كابل كان فاتحة عودة تنظيم الدولة للنشاط ضد طالبان بعد سيطرتها على كل أفغانستان (غيتي)

كابل – بالتزامن مع سيطرة حركة طالبان على كامل أفغانستان ودخولها العاصمة كابل عاد إلى الساحة وبقوة تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان كجزء من ساحة التنظيم في ما تعرف بولاية خراسان، بعد أن توارى عن المشهد إثر معارك شرسة مع الحركة.

عودة تنظيم الدولة تستدعي التعريف بنشأته وفكره ومناطق نفوذه وعلاقته بحركة طالبان، وفرص بسط نفوذه في أفغانستان، وهو ما يجيب عنه هذا التقرير بصيغة سؤال وجواب.

كيف نشأ تنظيم الدولة في أفغانستان؟

لم يمر وقت طويل على ظهور تنظيم الدولة في العراق عام 2014 حتى أعلن التنظيم تشكيل ولاية خراسان في 10 يناير/كانون الثاني 2015، وانضم إليه منشقون عن حركة طالبان باكستان فأعلن حافظ سعيد خان أحد القادة المنشقين بيعته لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، وعينه البغدادي أميرا لولاية خراسان، كما عين عبد الرؤوف خادم نائبا له.

وتضم ولاية خراسان في تشكيل تنظيم الدولة كلا من أفغانستان وإيران وباكستان والجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى.

ودخل عناصر تنظيم الدولة إلى الأراضي الأفغانية واستقروا في المناطق المتاخمة لباكستان في ولاية ننغرهار، وتمكنوا خلال فترة وجيزة من الاستيلاء على مديريات عدة مثل آتشين، وده بالا، وكوت، وبتي كوت وغيرها، ونجحوا في طرد عناصر حركة طالبان من تلك المديريات، ومع مرور الزمن توسعت رقعة سيطرة التنظيم فوصلت إلى مديريات خوجياني وشيرزاد وبعض المناطق في مديرية بهسود وجبرهار.

هل كان لأجهزة الاستخبارات دور في دعم تنظيم الدولة بأفغانستان؟

كان مشهورا على الألسنة في العام 2015 والسنوات التي تلتها أن سر توسع تنظيم الدولة في ولاية ننغرهار يكمن في مساعدة جهاز الاستخبارات الأفغانية "إن دي إس" (NDS) للتنظيم، وكانت ثمة شائعات تقول إن بعض قيادات تنظيم الدولة في أفغانستان مثل الشيخ عبد الرحيم مسلم دوست (سجين سابق في غوانتانامو) كان يتنقل بسيارات جهاز الاستخبارات الأفغانية ويسكن في بعض دور الضيافة التابعة لهذا الجهاز.

ومما يقوي مصداقية شائعات تمتع تنظيم الدولة بحماية الاستخبارات الأفغانية توزيع منشورات التنظيم في مدن مثل كابل وجلال آباد بكميات كبيرة وبحرية كانت مثيرة للاستغراب، خاصة أن المدن الكبيرة كانت تحت السيطرة الأميركية، وكان جهاز الاستخبارات الأفغانية يعمل تحت الإشراف المباشر للاستخبارات الأميركية، الأمر الذي كان يعده بعض المراقبين قرينة واضحة لتورط أجهزة الاستخبارات الأميركية في إيجاد وتقوية تنظيم الدولة في أفغانستان.

وكان محمد حنيف أتمر مستشار الأمن القومي السابق في حكومة الرئيس الأفغاني المنصرف أشرف غني متهما بتبني فكرة دعم تنظيم الدولة، واستخدامه ضد حركة طالبان ظنا منه أنه بعد التخلص من الحركة من السهل القضاء على التنظيم، لأنه لا جذور له في المجتمع الأفغاني.

هذا وكانت تقارير -في ذلك الوقت- تتحدث عن وجود بيوت تابعة لجهاز الاستخبارات الأفغانية في ضاحية شيربور بوسط كابل يقطن فيها عناصر من تنظيم الدولة مهمتهم القيام بهجمات انتحارية داخل العاصمة كابل.

حافظ سعيد مسؤول ولاية خراسان في تنظيم الدولة ا لإسلامية (الجزيرة)

من هم أبرز قيادات تنظيم الدولة في أفغانستان؟

تنظيم الدولة نشأ على الأراضي الباكستانية، ثم انتقل إلى أفغانستان، ومن أبرز قياداته:

  • الحافظ سعيد خان، وهو باكستاني من منطقة أوركزي القبلية، وكان من قيادات حركة طالبان باكستان، ثم انشق عنها وبايع زعيم تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي، فعينه الأخير أميرا لولاية خراسان.
  • الشيخ عبد الرحيم مسلم دوست، وهو من سكان مديرية كوت بولاية ننغرهار في شرقي أفغانستان، ومن العلماء السلفيين، وكان عضوا نشطا في منظمة جماعة الدعوة إلى القرآن والسنة السلفية بقيادة الشيخ جميل الرحمن، ثم انضم لحركة طالبان، وسجن في غوانتانامو، وبعد الإفراج عنه اختلف مع حركة طالبان فانضم لتنظيم الدولة.
  • الشيخ عبد الرؤوف خادم، من ولاية هلمند، وكان عضوا في حركة طالبان، ثم انضم لتنظيم الدولة، وبناء على بعض الروايات فقد زار العراق والتقى بزعيم تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي، وبعد عودته بأيام قتل في ولاية فراه.

ما هي الأسس الفكرية لتنظيم الدولة في أفغانستان؟

تنظيم الدولة -كما هو معروف- ذو توجه سلفي، وفي أفغانستان يعتمد التنظيم السلفية كمنهج في العقيدة والعمل، وهذا من أهم أسباب الخلاف بينه وبين حركة طالبان.

ومن سلوكيات تنظيم الدولة التي تدل على النهج السلفي للتنظيم إزالة المباني من القبور في المناطق التي كان يسيطر عليها، كما أنه يتمتع بدعم علماء الدين السلفيين والمدارس الدينية ذات الاتجاه السلفي، خاصة في الولايات الشرقية مثل ننغرهار وكونر ونورستان.

ويرى المراقبون أن المدارس الدينية التي تسير على النهج السلفي تعتبر محاضن لتجنيد أعضاء محتملين لتنظيم الدولة، وفي هذا السياق قامت الحكومة السابقة باعتقال بعض العلماء السلفيين، مثل الشيخ متوكل إمام وخطيب في كابل، والشيخ عبد الظاهر داعي والشيخ معروف راسخ ويعملان مدرسين في كلية الشريعة بجامعة كابل، وهناك أنباء غير مؤكدة أن حركة طالبان أعادت اعتقال هؤلاء الشيوخ الثلاثة قبل يومين.

ما هي مناطق نفوذ تنظيم الدولة في أفغانستان؟

تعتبر ولايتا ننغرهار وكونار في شرقي أفغانستان والمتاخمتان للحدود الباكستانية أبرز مناطق نفوذ تنظيم الدولة في أفغانستان، وتليهما ولاية نورستان ذات الأغلبية السلفية من حيث السكان، وهناك عناصر للتنظيم أو مؤيدون له في أوساط بعض دارسي العلوم الدينية من ذوي النزعة السلفية في ولايات بدخشان وجوزجان وبلخ وقندوز ولغمان وهراة.

وثمة نقطة مهمة بالنسبة لمدى نفوذ تنظيم الدولة في أفغانستان -والذي يعتبر ضعيفا مقارنة بحركة طالبان وتيارات دينية أخرى كجماعة التبليغ والصوفية- وهي أن تنظيم الدولة ذو نزعة سلفية واضحة، في حين أن أغلبية الشعب الأفغاني يتبعون المذهب الحنفي في الفقه، ويتبع أغلب العلماء وطلاب العلوم الدينية في أفغانستان عقيدة الأشاعرة والماتريدية في مسائل الاعتقاد، لذلك يعد التنظيم جسما غريبا في نسيج المجتمع الأفغاني، ولا شك أن هذا يحد من دائرة نفوذه وقبوله داخل المجتمع الأفغاني.

 ما موقف طالبان من تنظيم الدولة؟

حاولت حركة طالبان منع تنظيم الدولة من الانتشار وبسط نفوذه في أفغانستان في بدايات ظهوره، وسعت لإقناع قياداته بأنها تقوم بواجب الجهاد في أفغانستان، مما لا يبقي مجالا لتنظيم آخر لفتح جبهات للجهاد ضد قوات الاحتلال المتمثلة في قوات الولايات المتحدة الأميركية والدول المتحالفة معها، لكن تنظيم الدولة طالب قيادات طالبان بمبايعة خليفته أبو بكر البغدادي، وعندما فشلت محاولات الإقناع السلمي نشبت اشتباكات وحروب دامية بين طالبان وداعش، خاصة في ولاية ننغرهار، وكان النصر في البداية للتنظيم حيث نجح عناصره في طرد مقاتلي الحركة من مناطق واسعة مثل شينوار وكوت وبتي كوت وخوجياني في ننغرهار، ولكن بعد فترة تقهقر التنظيم أمام مقاتلي طالبان وانكمشت سيطرته في منطقة أتشين.

وحسب بيانات حركة طالبان ووفقا لأقوال سكان المناطق التي كانت تقع فيها اشتباكات بين الحركة وتنظيم الدولة، كانت القوات الحكومية والطائرات الأميركية تقصف قوات طالبان عندما كانت تقترب من هزيمة التنظيم.

كما أن المروحيات الحكومية كانت في بعض المناطق تنقذ عناصر تنظيم الدولة المحاصرين من قبل طالبان مثلما حدث في ولاية جوزجان، حيث نقلت مروحيات تابعة للجيش الأفغاني المدعوم من القوات الأميركية عناصر التنظيم مع عائلاتهم وتم إسكانهم في بيوت الضيافة التابعة للاستخبارات الأفغانية في مدينة شبرغان بولاية جوزجان، وقد اعترفت السلطات الأمنية الأفغانية بذلك بصورة ضمنية في حينه.

وترى حركة طالبان في تنظيم الدولة جماعة منحرفة عقديا وباغية يجب قتالها واقتلاع جذورها من أفغانستان، ومع سيطرة الحركة على كافة الأراضي الأفغانية يرى كثير من المراقبين أنه لا مجال لتنظيم الدولة في البقاء بأفغانستان إلا إذا كان ثمة مخطط من قبل بعض القوى العالمية لإحياء التنظيم ودعمه بالأفراد والأسلحة والمال لزعزعة حكم طالبان وتحويل أفغانستان إلى ملاذ للمنظمات المسلحة لاستخدامها ضد دول في المنطقة.

ماذا يمتلك تنظيم الدولة من أفراد وعتاد؟

تقدر بعض التقارير عدد مقاتلي تنظيم الدولة في حدود 5 آلاف مقاتل، فيما يشير تقرير للأمم المتحدة صدر في منتصف يوليو/تموز الماضي إلى أن عدد مقاتلي التنظيم في أفغانستان يتراوح بين 500 و1500 مقاتل، وهناك تقرير آخر للأمم المتحدة نشر في يونيو/حزيران الماضي يقدر عدد المقاتلين الأجانب في أفغانستان بما بين 8 آلاف و10 آلاف مقاتل، دون أن يشير إلى عدد مقاتلي تنظيم الدولة.

ومن الصعب الاعتماد على تلك التقارير والتأكد من صحتها، لأن تنظيم الدولة لا يعلن عن عدد قواته ونوعية العتاد الذي يملكه، وفي غياب المعلومات الدقيقة يبقى المجال مفتوحا للتخمينات، وفق التقارير التي تعود إلى مصادر استخبارية.

لكن الذي لا شك فيه أن تنظيم الدولة -حتى هذا الوقت- لا يملك الأسلحة الثقيلة مثل المدافع والدبابات، وليس له في الأراضي الأفغانية مراكز ومقرات وجبهات علنية.

هل تتحول أفغانستان إلى قبلة جديدة لقادة وأنصار التنظيم؟

يرى مراقبون أن تحول أفغانستان إلى مركز لتجمع قيادات وعناصر تنظيم الدولة في عهد حكم حركة طالبان ممكن في حالة واحدة، وهي وجود إرادة استخباراتية إقليمية ودولية لإحياء التنظيم، ودعمه بالعنصر البشري والسلاح والمال، واستخدامه لأهداف وإستراتيجيات، منها زعزعة استقرار أفغانستان، وإضعاف حكم طالبان، وتصفية حسابات بين قوى دولية وعالمية على مسرح أفغانستان مثلما حدث خلال العقود الأربعة الماضية.

المصدر : الجزيرة