هل يحرك بيان مجلس الأمن مياه أزمة السد الإثيوبي الراكدة؟ (سؤال وجواب)
القاهرة- بعد أسابيع من الجمود ألقى مجلس الأمن الدولي حجرا في مياه ملف سد النهضة الإثيوبي الراكدة، إذ اعتمد أمس الأربعاء بيانا رئاسيا يحث مصر وإثيوبيا والسودان على استئناف المفاوضات تحت مظلة الاتحاد الأفريقي، للتوصل إلى اتفاق ملزم ومقبول بشأن ملء وتشغيل السد خلال فترة زمنية معقولة.
وتزامن البيان الرئاسي الدولي مع حراك رسمي ودبلوماسي ارتبط بملف السد كان أبرزه مباحثات مصرية إسرائيلية توصلت إلى "تفاهمات حول السد"، واحتجاج سوداني على معلومات إثيوبية "غير دقيقة وغير مكتملة حول ملء السد ألحقت أضرارا كبيرة بالسودان في غياب التنسيق"، فيما زار الخرطوم وأديس أبابا -أمس- وزير خارجية الكونغو الديمقراطية كريستوف لوتوندول، لبحث استئناف المفاوضات، ومن المتوقع أن تمتد جولته إلى القاهرة.
وبينما اعتبرت أديس أبابا بيان المجلس الدولي غير ملزم طالبتها القاهرة والخرطوم بامتلاك الإرادة السياسية الجادة لإنجاح الوساطة الأفريقية.
وترصد الجزيرة نت في هذا التقرير تساؤلات حول مدى التأثير الحقيقي للبيان الدولي على ملف السد، ومدى دعمه موقف مصر والسودان بشكل جاد أم أن الأمر مجرد تحرك شكلي، وكذلك التساؤل عن مدى قدرة الاتحاد الأفريقي على رعاية فشل فيها على مدار سنوات، وهل ثمة دور أميركي إسرائيلي لإعادة الزخم الدولي حول الملف؟ وما هي المسارات المصرية المحتملة بعد البيان الدولي؟
ماذا يعني البيان الدولي؟ وما تأثيره الحقيقي على ملف السد؟
للإجابة عن ذلك، يرى وزير الري المصري الأسبق محمد نصر علام أن بيان مجلس الأمن يفتقد الكثير من قواعد حل المشكلات الدولية أو الرغبة الحقيقية لنزع فتيل الأزمة.
وفي تصريحات للجزيرة نت أشار علام إلى أن البيان ليس فيه قوة إلزام للتوصل إلى حل في ملف السد، كما أنه لا يحمل إطارا زمنيا للحل، وليس به شجب لأي تصرفات منفردة، أو تحديد لقواعد القانون الدولي من عدم إضرار أو عدم الاعتراف من جانب واحد بالاتفاقيات الدولية.
ورأى علام أن الصياغة عامة لإرضاء جميع الأطراف دون أدنى رغبة دولية لنزع فتيل الأزمة، وسط انشغال العالم بأزمتي أفغانستان وإيران، ودون إعطاء أهمية حقيقية لقرارات الجامعة العربية، وسط انقسام عربي واضح.
كما هاجم الوزير المصري السابق حلفاء مصر (الغرب) بسبب عدم إبدائهم اهتماما حقيقيا بمساندة بلاده، مضيفا "وقد يكون هناك دعم أو على الأقل عدم اعتراض على محاولات وضع عقبات وقلاقل أمام مصر، خاصة مع محاولاتها الناجحة للعودة إلى قلب الحدث في العديد من الأحداث الجارية"، على حد قوله.
وبينما يشير الأكاديمي المصري حسن نافعة (أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة) إلى أن ما صدر هو بيان رئاسي وليس قرارا من المجلس يرى أنه كان من الواضح أن الأخير يواجه مشكلة كبيرة، فهو لا يريد أن يكون تدخله بملف السد سابقة يمكن الاستناد عليها لاحقا بفتح الباب أمام مشكلات مياه الأنهار التي تعرض عليه، وبالتالي يرى نفسه ليس الجهة المختصة لحل مثل هذه النزاعات.
وفي تصريحات للجزيرة نت، أوضح نافعة أن مجلس الأمن كان يدرك أن لملف السد جانبا أمنيا، وأن تفاقم النزاع حوله من الممكن أي يؤدي إلى صدام مسلح، لذلك أراد إرضاء كل الأطراف وحثها على الاستمرار في التفاوض، وفي الوقت نفسه لا يبدو منحازا لأي فريق من ثلاثي الأزمة.
وأضاف أن البيان استجاب لمطالب إثيوبيا بأن يكون الحل تحت المظلة الأفريقية، واعتبر أن إعلان المبادئ الموقع عام 2015 هو أساس التسوية، وهذه كلها كانت مطالب إثيوبية.
هل سيدعم البيان موقف مصر والسودان بشكل جاد أم أن الأمر شكلي؟
يتفق خبراء ومحللون سياسيون مصريون تحدثوا للجزيرة نت على أن البيان الرئاسي بشكله الحالي لا يمثل دعما للموقف المصري، بل هو مجرد تحرك شكلي.
وفي هذا الصدد، أكد الأكاديمي والمحلل السياسي خيري عمر أن البيان لا يختلف عن المناقشات التي أجريت في جلسة مجلس الأمن قبل أشهر، موضحا أن البيان أشار إلى أهمية التوصل إلى اتفاق ملزم، ولكن طبيعة البيان الرئاسي لمجلس الأمن والقرارات الدولية قليل منها ينفذ، وبالتالي لا يوجد فرق بين بيان يعبر عن المجلس أو بيان رئاسي.
وفي تصريحات للجزيرة نت، شدد عمر على أن الموقف الأساسي لتنفيذ ما يصدر عن مجلس الأمن يتوقف على قوة الدولة الفاعلة.
وتبقى الدلالة الرئيسية على البيان الرئاسي -وفق عمر- تتمثل في أن مجلس الأمن يؤكد على أن بيانا بهذا الشكل لا يشكل سابقة على تناول هذه القضايا، وأنه غير معني بالأزمات المائية، وهو بالتالي يغلق الباب أمام مصر والسودان وبقية الدول التي تشهد أزمات مائية باللجوء إليه مرة أخرى.
وبحسب عمر، كان البيان الرئاسي متوقعا في صيغته التي صدر بها، حيث إن التدخل يكون في حالة التهديد الفعلي لو شُنت حرب مثلا، فيما في المراحل الأولى من النزاعات هو غير معني بها، في تقدير سياسي تختلف عليها الدول الأعضاء.
واتفق مع الرأي السابق المحلل السياسي نافعة، مشددا على أن البيان "شكلي أكثر منه محاولة فعلية لتحريك الأزمة تجاه الحل، وأن تحرك المجلس مرتبط بتوازنات سياسية، وبالتالي ليس له صفة ملزمة، حيث إن البيان الرئاسي أقل تأثيرا من القرار".
وذكر أن قرار مجلس الأمن إذا لم يُتخذ وفقا للفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة لا يكون مصحوبا بآلية للتنفيذ، وبالتالي يصبح قليل الفاعلية، مشيرا إلى مئات القرارات التي اتخذها المجلس دون أن تنفذ، على غرار القرارات الصادرة عن الصراع العربي الفلسطيني.
وشدد نافعة على أنه يجب ألا تنتظر بلاده من بيان المجلس حلا للأزمة، قائلا إن العبرة موقف الدول من القرارات الدولية، وهل تحترمها أم لا.
ماذا عن الموقف المصري الرسمي من عودة المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي؟
بحسب نافعة، فإن مصر لم تكن ترفض الرعاية الأفريقية لمفاوضات السد، لأنها تعاونت وحضرت جلسات كثيرة، لكنها كانت تؤكد أنه لا يمكن الاستمرار في هذه العملية بهذه الطريقة، كما كان السودان يطالب بمشاركة أطراف أخرى كشاهد ومحرك لهذه التسوية.
وأضاف أن الموقف المصري من رعاية الاتحاد الأفريقي لم يكن عدم ثقة فيه، لكن لأن الاتحاد كمنظمة لا يملك من وسائل الضغط ما يلزم إثيوبيا بتوقيع اتفاق ملزم، وهذه هي المشكلة.
وهل ينجح الاتحاد الأفريقي في ما فشل فيه على مدار سنوات؟
يستبعد الأكاديمي نافعة نجاح الاتحاد الأفريقي في رعاية المفاوضات من جديد، موضحا أن الأمر كله مرتبط بإرادة إثيوبيا في شعورها بأن هناك ضغطا حقيقيا، وأن الأزمة من الممكن أن تتحول إلى صدام مباشر.
وهو ما اتفق معه أيضا الأكاديمي خيري عمر، قائلا: لا أتوقع نجاح الرعاية الأفريقية، لأن بنية الاتحاد السياسية ضعيفة وليس هناك مقترحات محددة بالحل، لتباين الموقف المصري الإثيوبي ووجود فجوة كبيرة بينهما، حيث يتعلق الموقف الإثيوبي بمسألة السيادة على الأرض والمياه، فيما يتعلق موقف مصر بالحقوق المنصفة.
ما تداعيات عدم تحديد سقف زمني للمفاوضات؟
يعتبر نافعة أن تحديد سقف زمني للمفاوضات أحيانا يكون أمرا غير واقعي، لأن الجوانب الفنية قد تستلزم وقتا أطول من 6 أشهر، وبالتالي تجنب مجلس الأمن تحديد سقف زمني حتى لا يضع الأطراف أمام ضغط، وحتى لا يتم إعلان الفشل في حال تجاوز هذا السقف الزمني.
لكنه أكد في الوقت ذاته أن نص البيان على التفاوض في فترة زمنية معقولة اعتراف من المجلس بأن الأمور لا يمكن أن تترك هكذا مثلما كان جرى عليه الحال في السابق، وهذا في مصلحة كل الأطراف، والهدف منه أن يكون الموقف أكثر مرونة.
بدوره، قال مدير المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية في القاهرة العميد خالد عكاشة إن بيان مجلس الأمن يمكن أن يقود إلى حالة من التفاؤل الحذر.
وأوضح عكاشة في تصريحات متلفزة أمس الأربعاء أن البيان تضمن سقفا زمنيا معقولا للتوصل إلى هذه الاتفاقية.
وأكد أن الإشارة إلى السقف الزمني أمر يصب في صالح مصر والسودان، باعتبارهما سجلا تحفظات على أفق التفاوض المفتوح الذي لم يكن محددا بجدول زمني محدد، ولا سيما أن الجانب الإثيوبي كان يمارس قدرا من التسويف.
هل ملف السد ما زال حساسا لمصر؟ أم أن الأمور أصبحت أهدأ بعد مرور الملء الثاني؟
بحسب نافعة، هدأت أزمة السد في الفترة الأخيرة، لأن عملية الملء الثاني لخزان السد لم تكتمل، موضحا أن إثيوبيا تقول كلاما غير صحيح، لأنها لم تستطع سوى تخزين 4 مليارات متر مكعب أو أقل في الملء الثاني الذي كانت تأمل فيه تخزين 13 مليار متر مكعب، وبالتالي لم يحدث ضرر ملموس بالنسبة لمصر، لذا أصبحت الأمور أقل حدة عند بداية الملء.
لكنه توقع تصاعد الأزمة في المرات القادمة، لأن عمليات الملء ستتوالى، وفي كل مرة ستبدأ فيها إثيوبيا عملية الملء ستتصاعد الأزمة ما لم تشعر أديس أبابا أن الأمر جاد، وأن مصر والسودان قد يذهبان إلى القوة العسكرية.
ما هي المسارات المحتملة أمام مصر بعد البيان الدولي؟
يتوقع نافعة مواصلة مصر ضغطها من أجل أن تغير إثيوبيا موقفها، مشيرا إلى أنه في كل مرة ستلجأ أديس أبابا إلى عملية الملء ستتصاعد حدة الأزمة.
وأوضح أنه حينما تستشعر مصر أن الملء سيلحق ضررا حقيقيا بها فإنها تتحرك في مختلف الاتجاهات، مع عدم استبعاد العمل العسكري في حال أصرت إثيوبيا على العناد في المسألة.
من جهته، أكد عمر أن المسارات الدبلوماسية هي المرجحة حتى الآن، ومسألة الاستعداد والدخول في حرب غير مرجحة، موضحا أن هذا النمط من الصراعات سيطول، وليس هناك نظام قانوني واضح في حوض النيل، كما سيثير اللجوء إلى حرب نزاعات أخرى، وعلى الجانب الآخر يبقى مستوى التنمية في الدول الأفريقية لا يساعد على الإدارة الشاملة للمياه، سواء باحتجازها أو استخدامها في التنمية.
هل هناك دور أميركي إسرائيلي لإعادة الزخم الدولي حول الملف؟
ردا على ذلك، يؤكد عبد الله الأشعل أستاذ القانون الدولي مساعد وزير الخارجية الأسبق أنه من المفترض وجود دور أميركي إسرائيلي في إعادة الزخم الدولي حول ملف السد، لكنه شدد في تصريحات للجزيرة نت على أن بيان مجلس الأمن يبدو في مجمله ضد الموقف المصري.
وقال الأشعل إن بيان المجلس "لم يقر مشروع القرار التونسي، إنما هو بيان باهت حول السد تبنى فيه الموقف الإثيوبي"، مشيرا إلى أن الدول الدائمة العضوية أيدت جميعها أديس أبابا.
كما لم يستبعد وجود دلالة وسياق بين صدور البيان الدولي والتصريحات الأميركية السابقة عن السد، وكذلك التقارب المصري الإسرائيلي وتأكيد السيسي خلال لقائه رئيس الوزراء نفتالي بينيت قبل أيام أنه وجد تفاهما معه حيال ملف السد.
وبالعودة إلى الموقف الأميركي من مفاوضات السد، فإنه سبق أن أكدت واشنطن أن الاتحاد الأفريقي هو المكان المناسب لمعالجة النزاع، وأنها مستعدة لتقديم الدعم السياسي والتقني، وأنه يمكن التوصل إلى حل متوازن ومنصف لملء وتشغيل السد من خلال الالتزام السياسي من كافة الأطراف.
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أعلن الاثنين الماضي أنه وجد "تفاهما مشتركا" مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت حول سد النهضة، وذلك على هامش أول لقاء للجانبين في مدينة شرم الشيخ المصرية.
كما ذكرت قناة "كان" الإسرائيلية أن السيسي دعا بينيت إلى المساعدة في حل أزمة سد النهضة ضمن "صفقة" لإحلال الهدوء في غزة، ولم تتضمن تصريحات السيسي مثل هذا الطرح.
وعادة ما تربط السرديات الشعبية والإعلامية المصرية الموقف الإسرائيلي من سد النهضة بالتآمر ودفع دول أعالي النيل كإثيوبيا إلى تنفيذ مشروعاتها المائية لتهديد ومحاصرة مصر، مع الإشارة إلى قيام إسرائيل بالإسهام في تمويل وتشييد هذه السدود.