ما الحمولة السياسية لأول شحنة محروقات إيرانية تدخل لبنان عبر سوريا؟

انتقل حزب الله إلى موقع صانع الحل، بعد محاولة واشنطن تصويره كأصل لمشكلة الانهيار اللبناني. وعليه، تراجعت مصلحة أميركا في ترك لبنان ينهار كوسيلة للضغط على حزب الله.

أنصار حزب الله يحتفلون بوصول شحنات الوقود الإيراني إلى لبنان عبر سوريا باعتباره انتصارا سياسيا للحزب وسوريا (رويترز)

بيروت – بعد أقل من شهر على إعلان الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، انطلاق أول سفينة إيرانية محملة بالمشتقات النفطية، دخل لبنان مرحلة استشراف التبعات السياسية والإقليمية، مع عبور عشرات صهاريج الوقود الإيراني، اليوم الخميس، الحدود البرية من سوريا نحو لبنان. ووصلت الحمولة الأولى بعد تفريغها بمرفأ بانياس السوري، تفاديا لإحراج الدولة اللبنانية، كما قال نصر الله.

وعلى وقع احتفالات شعبية محدودة، دخلت الصهاريج محافظة البقاع، وسط صمت رسمي، وستصل لاحقا سفن أخرى، وتتولى شركة "الأمانة" للمحروقات مهام الاستقبال والتفريغ والتخزين والتوزيع.

وفي عام 2019، وضعت واشنطن شركة "الأمانة" على لائحة الإرهاب، وفرضت عليها عقوبات، ويقول مديرها العام أسامة عليق للجزيرة نت، إن الشركة استنفرت لوجستيا لتحقيق "أهداف أكبر عملية ستريح اللبنانيين من شح المحروقات".

وعلى مدار شهر ونصف، ستقدم الشركة المازوت للفئات المستهدفة الراغبة كهبات، إلى المستشفيات الحكومية ودور العجزة والأيتام وغيرها، وسيباع بالليرة بأسعار تقل عن الأسعار المعتمدة رسميا، لفئات أخرى.

وقال عليق إن البواخر القادمة ضخمة، وتتجاوز حمولة الواحدة 40 مليون لتر، وستفرغ بنحو 10 مستودعات، ولدى الشركة أيضا نحو 32 محطة وقود، وستضمن التوزيع العادل، بين المناطق والطوائف. وتزامنت العملية مع وصول الوقود العراقي، وقبلها توقيع اتفاقية نقل الغاز المصري والكهرباء الأردنية عبر سوريا إلى لبنان بضوء أخضر أميركي.

غير أن الوقود الإيراني ينطوي على دلالات سياسية مترامية الأبعاد، وفق كثيرين، وسط تخبط القوى السياسية بين محاور إقليمية تتصارع تارة وتناور تارة أخرى.

رسائل الوقود الإيراني؟

زمنيا، تذكر مصادر لبنانية قريبة من حزب الله، أنه خاض مواجهة حدودية مع إسرائيل قبل الإعلان عن إبحار الباخرة، فأرسى قواعد جديدة للاشتباك، ثم نفذ دعواته بكسر الحصار عن لبنان عبر التوجه شرقا ونحو إيران.

وتشير المصادر للجزيرة نت، إلى أن حزب الله يتعامل مع الوقود الإيراني كخليط بين قواعد الاشتباك والحاجة للخطوة، "لأنه غير قادر على ترك بيئته، تعاني من شح المحروقات".

وهنا، يعتبر حسام مطر، الأكاديمي والباحث في العلاقات الدولية، أن حزب الله يستكشف نوعا جديدا من العمل عبر الانخراط بالشأن الاقتصادي خارج مسار الدولة، وقد تفتح أفقا بمجالات أخرى. ويجد مطر، في حديث للجزيرة نت، أن حزب الله ترجم بالعملية نجاحه على مستويات عدة:

أولا، ثبّت مقاربته الإستراتيجية بالاندماج مع المحيط العربي، وتحديدا عبر سوريا، وضرورة الانفتاح على إيران للبحث عن حلول، بدل ربط لبنان حصرا بالغرب وأميركا والخليج.

ثانيا، يتعاطى حزب الله مع خطوته، كضرورة اقتصادية، وكخطوة هجومية من موقع الدفاع المستجيب للضغوط الأميركية.

ثالثا، يسعى حزب الله لتطوير خطوته بمسار إستراتيجي بين لبنان وإيران، وفق مطر، ربطا بأمرين: مدى نجاح عملية استيراد المحروقات الإيرانية، ومراقبة السلوك الأميركي حيال التطور.

انعكاسات حكومية

ويتساءل كثيرون عن تأثير الوقود الإيراني على الحكومة الجديدة، وعلاقاتها مع دول الخليج والمجتمع الدولي، ويذهب مراقبون لاعتباره جزءا من تسوية كبرى أفرجت عن تشكيل الحكومة بعد نحو 13 شهرا.

ويشير الكاتب والمحلل السياسي خلدون الشريف إلى أن قرار استقدام الوقود الإيراني اتخذ قبل تأليف حكومة ميقاتي، مما يجعله عاملا غير مؤثر عليها راهنا. وقد يصبح مؤثرا إذا استمر لفترة طويلة، وفق الشريف، لأن خلق آلية شراء وتوزيع خارج أطر الدولة والحكومة غير صحي إطلاقا.

ويلفت الشريف للجزيرة نت، إلى أن مسألة المحروقات الإيرانية ذات أهمية مركزية لحزب الله، ويريد عبرها تعزيز حضوره اللبناني بمحافظاته، وتكريس القبول بدور إيران مقابل غياب واضح من القوى السياسية والطائفية الأخرى.

وقال إن الحزب هو المستفيد الأول مع حلفائه، لأنه يملأ فراغ الدولة والقوى المعارضة له، مستغربا غياب وزارة الطاقة عن مشهد استيراد الوقود الإيراني، بينما يسعى الناس لتأمين أمور حياتية أساسية بغض النظر عن مصدرها.

من جهته، يعتبر الأكاديمي والباحث السياسي فادي الأحمر، أن استيراد الوقود الإيراني لن يؤثر على الحكومة، بعد موافقة أميركية غير مباشرة، لمجرد مرور الناقلات قناة السويس من دون اعتراض طريقها.

وقال إن قبول أميركا تشكيل حكومة بمشاركة حزب الله، وسبقها اتصال رئاسي بين إيران وفرنسا، يعني قبولا بتسيير مصالح وأهداف حزب الله.

أمّا حسام مطر، فيرى أن شحنة الوقود ستنعكس إيجابا على حكومة ميقاتي، لأنها ترجمت تحولا بالمقاربة الأميركية، "بعد دخول حزب الله منافسا قويا لسدّ فراغ الدولة وعجزها عن توفير المحروقات".

وبرأي مطر، انتقل حزب الله إلى موقع صانع الحل، "بعد محاولة واشنطن تصويره كأصل لمشكلة الانهيار اللبناني". وعليه، تراجعت مصلحة أميركا في ترك لبنان ينهار كوسيلة للضغط على حزب الله، مما سينعكس ارتياحا على عمل الحكومة، وفق مطر، مضيفا أن الحكومة ستستفيد من ارتياح سوق المحروقات تزمنا مع رفع الدعم عنها، وبالتالي ستتراجع عمليات الاحتكار والاستهلاك المحلي.

صور أول شحنة وقود إيرانية تدخل لبنان عبر سوريا الصور خاصة / جنى الدهيبي
حزب الله يملأ فراغ الدولة بإدخاله أول شحنة وقود إيرانية إلى لبنان عبر سوريا (الجزيرة)

ميزان القوة والضعف

يرى الأكاديمي حسام مطر أن حزب الله أضعف الضغوط الأميركية على سوريا، التي انفتحت أمامها آفاق جديدة، بخرق جدار العزلة والعقوبات، كما أثبت أن الحصار الأميركي سبب أساسي لانهيار لبنان.

ويتوقع مطر أن تكثف سوريا وحلفاؤها الضغوط بمجالات أخرى، للانخراط مع العالم الخارجي، وتعزيز مكاسبها الداخلية بالتفاهم مع روسيا وإيران.

وتوازيا مع ذلك، يذكر فادي الأحمر أن أميركا كرست تغاضيها عن ملفين أساسيين بالتفاوض مع إيران؛ وهما برنامج الصواريخ الباليستية، ونفوذ إيران بالمنطقة، مقابل التركيز على الملف النووي.

ويقول إن أميركا تلعب بأوراق قوة خصومها، مما يعزز مكاسب إيران وحزب الله، و"قد يعمل على توسيع مروحة الاستيراد الإستراتيجي". ويعتبر أن إلصاق لبنان بالمحور الإيراني، نتيجة طبيعية للانكفاء العربي عن لبنان.

ويوضح خلدون الشريف أن العلاقات الرسمية بين لبنان وإيران لم تكن سيئة، لكن الأخيرة تسعى لسد الفراغ العربي الذي تركته السعودية ودول الخليج، بعد أن تبين أن اليد العليا بلبنان هي لحزب الله وإيران، بينما الأولوية السعودية تكمن في وقف الاعتداءات العسكرية على المملكة من قبل حلفاء إيران من الحوثيين.

ويرجح الشريف أن يكون الوقود الإيراني علاجا مؤقتا بالمسكنات، ويضعه بخانة "استعراض القوة استيرادا وتبرعا وتوزيعا، لتعظيم دور حزب الله ودور إيران في لبنان".

ويقول إنها "مسألة شراء وقت واستقرار يخدم مصلحة اللبنانيين من جهة، ويخدم أجندة الحزب الذي يسعى للاستقرار الداخلي، مقابل التفرغ لإدارة معاركه العديدة على جبهات واسعة".

المصدر : الجزيرة