استقرار الحكومة مقابل تعديلات دستورية.. هل تنجح مقايضة السلطة الماليزية والمعارضة؟

تحظى الدورة البرلمانية الحالية باهتمام شعبي وسياسي خلافا لسابقاتها، حيث لم يكن البرلمان عنصرا فاعلا في الحياة السياسية الماليزية بسبب تفاهم الحكومات مع مؤسسة الملك، وما دأبت عليه الحكومات السابقة من الحصول على غالبية الثلثين عموما.

البرلمان الماليزي يستأنف أعماله دون ضمانات بعدم عودة الأزمة السياسية
البرلمان الماليزي يستأنف أعماله دون ضمانات بعدم عودة الأزمة السياسية (الجزيرة)

كوالالمبور- تباينت تقييمات الساسة والمراقبين في ماليزيا لاتفاق الحكومة والمعارضة في البرلمان، وأثره على مستقبل الديمقراطية واستقرار الحكومة الجديدة. وبحسب تصريحات المسؤولين، فإن مذكرة التفاهم التي وقعت الاثنين (13 سبتمبر/أيلول) بين الائتلاف الحاكم وتحالف "الأمل" المعارض، تهدف إلى إخراج البلاد من أزمة كورونا وتحفيز الاقتصاد. لكن آخرين اعتبروها طوق نجاة من المعارضة لحكومة مشكوك في قدرتها على الحفاظ على دعم الأغلبية الضيقة في البرلمان.

واعتبر رئيس الوزراء الجديد إسماعيل صبري الاتفاق تاريخيا، لما يتضمنه من تحوّل في الإدارة وإصلاحات قضائية وبرلمانية. بينما أكد زعيم المعارضة أنور إبراهيم أنها ستبذل ما في وسعها لما فيه الخير للشعب والبلاد.

لكن إبراهيم استدرك -في تصريحات نشرها على صفحته بفيسبوك- أن الاتفاق لا يعني التوقيع للحكومة على بياض، وخاصة فيما يتعلق بالميزانية المقبلة.

رئيس الوزراء إسماعيل صبري وصف الاتفاق مع المعارضة في البرلمان بأنه تاريخي (مواقع التواصل)

تحالفات هشة

وبينما اعتمدت الحكومة السابقة على تعطيل البرلمان بموجب حالة الطوارئ المعلنة في يناير/كانون الثاني الماضي لتحاشي سحب الثقة منها، فإن مراقبين شككوا في نجاة الحكومة الجديدة من المصير الذي آلت إليه حكومتان سابقتان منذ الانتخابات العامة في 2018، بسبب ضعف التأييد البرلماني والتناقضات بين أركان الحكومة والمعارضة.

واستبعد المحلل السياسي عبد الرحمن عثمان أن يتمكن رئيس الوزراء من إرضاء جميع الأحزاب في البرلمان لمدة طويلة، ولا سيما أن الأغلبية التي حصل عليها هناك لا تتجاوز 3 مقاعد.

وقال عثمان للجزيرة نت إن الحكومة التي شُكّلت بداية الشهر الجاري تحتاج إلى معجزة لتستمر حتى نهاية فترة البرلمان منتصف عام 2023، وتوقع انهيارها بعد استنفاد كل حزب غرضه منها.

ويؤيد ذلك نفي مسؤولين في حزب المنظمة الملايوية القومية المتحدة (أمنو)، الذي يقود الحكومة، أن يكون الاتفاق تراجعا عن مواقفه التقليدية، والمتمثلة برفض الشراكة مع زعيم المعارضة أنور إبراهيم أو حزب العمل الديمقراطي الذي تهيمن عليه الأقلية الصينية في المعارضة.

في هذه الأثناء، غرّد مسؤول الاتصال في تحالف "الأمل" المعارض فهمي فاضل، قائلا: "إن التحالف سيبقى في المعارضة وإن البرلمان لن يُحل قبل 31 تموز/يوليو 2023". لكن المحلل عثمان يعتقد أن الخلاف سيتجدد مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي، نظرا لوجود 3 كتل حزبية متنافسة، اثنتان منها في الحكومة والثالثة تمثل المعارضة.

عبد الرحمن عثمان: حكومة صبري تحتاج إلى معجزة لتستمر حتى نهاية فترة البرلمان منتصف عام 2023 (الجزيرة)

تعهد بتعديلات دستورية

ورأى القيادي في حزب العمل الديمقراطي توني باو أن صبري استفاد من تجربة سلفه محيي الدين ياسين الذي سعى للاتفاق مع المعارضة في الوقت الضائع، رغم إدراكه أنه لا يملك أغلبية مريحة.

ودافع باو عن مذكرة التفاهم بقوله إنها جنّبت رئيس الحكومة الجديد الخضوع لمطالب الفاسدين من قيادة حزبه. مشيرا في ذلك إلى رئيس الوزراء الأسبق نجيب عبد الرزاق وإلى زاهد حميدي رئيس "أمنو". وفي المقابل، حصلت المعارضة على تعهد بإجراء إصلاحات مهمة منها تعديلات دستورية.

وأيّد المحلل السياسي عبد الرحمن عثمان الانتقادات للاتفاق باعتباره تحييدا للمعارضة، وإخلالا بالنظام السياسي القائم على المحاسبة، ولا سيما أن البرلمان على أبواب مناقشة الميزانية السنوية المتوقع طرحها الشهر المقبل.

ولا يستبعد عثمان انفراط التحالف الحاكم بعد إقرار الميزانية، وعودة الأحزاب إلى انقساماتها. وقال إن المعارضة سايرت رغبات الملك الذي أكد مرارا على أنه يريد استقرارا سياسيا يفسح المجال أمام انتعاش اقتصادي.

مؤسسة الملك

وبدا الاتفاق استجابة لإرادة الملك عبد الله أحمد شاه الذي حذّر البرلمانيين من المقامرة بمصير الشعب، وشدد -لدى افتتاحه الدورة الرابعة للبرلمان- على الحاجة إلى استقرار سياسي من أجل التعافي من الجائحة والنهوض الاقتصادي.

وتراجع القصر الملكي عن تصريحات سابقة طالب فيها رئيس الوزراء الجديد بالحصول على ثقة البرلمان من خلال التصويت، وذلك بعد أن استجوب الملك غالبية أعضاء مجلس النواب قبيل تكليف رئيس الحكومة.

وفسّر مراقبون تراجع الملك بشأن التصويت على الثقة، كي لا تُسجّل سابقة تعتبر فيها ثقة الملك بمن يختاره لرئاسة الوزراء غير كافية.

وينص الدستور الماليزي على أن للملك الحق المطلق في اختيار من يرى فيه القدرة على قيادة مجلس النواب، بما يعني ثقة النواب لتشكيل الحكومة.

وذكّرت تصريحات الملك بدعمه حكومة رئيس الوزراء السابق محيي الدين ياسين، والانتقادات التي وجّهت حينها إلى تدخلات مؤسسة الملك المباشرة في السياسة، مثل طلبه العام الماضي من المعارضة تمرير الميزانية رغم تحفظات المعارضة بخصوص الحزم الاقتصادية التي قدمتها الحكومة لمواجهة أزمة كورونا، والتي تُقدّر بأكثر من 170 مليار دولار، دون أن تُعرض على البرلمان للتدقيق في مصادرها وإنفاقها.

Malaysia's members of parliament attend a session of the lower house of parliament, in Kuala Lumpur
تحظى الدورة البرلمانية الحالية باهتمام شعبي وسياسي واسع نظرا لخصوصية الأزمة السياسية التي تمر بها ماليزيا (رويترز)

سوابق تاريخية

من ناحية أخرى، تحظى الدورة البرلمانية الحالية باهتمام شعبي وسياسي بالغ خلافا للفترات البرلمانات السابقة، حيث لم يكن البرلمان عنصرا فاعلا في الحياة السياسية الماليزية بسبب تفاهم الحكومات مع مؤسسة الملك من ناحية، وما دأبت عليه الحكومات السابقة من الحصول على غالبية الثلثين. ويجمع المراقبون على أن تحديد هوية رئيس الوزراء لم يعد حكرا على حزب بعينه كما كان الحال مع "أمنو" سابقا.

ولم تتوقف السوابق التاريخية التي شهدها البرلمان الحالي عند هزيمة تحالف الجبهة الوطنية الذي حكم ماليزيا منذ استقلالها عام 1957، ووصول المعارضة إلى السلطة لأول مرة، بل تعداها لتشهد البلاد 3 حكومات في 3 سنوات، هي حكومات مهاتير محمد، ومحيي الدين ياسين، وإسماعيل يعقوب.

ولأول مرة منذ 1969، تشهد البلاد حالة طوارئ تسببت في تعطيل البرلمان لأكثر من 7 أشهر. ولم ينقذه من الحل التلقائي سوى جلسة استثنائية لم تكتمل، إذ ينص الدستور على حل البرلمان تلقائيا إذا تجاوزت المدة بين جلستين 6 أشهر.

وإذا ما قدر لاتفاق الحكومة والمعارضة النجاح، فإن ماليزيا ستشهد زيادة أكثر من 6 ملايين ناخب في الانتخابات المقبلة بسبب خفض سنّ الانتخاب من 21 إلى 18 عاما. إلى جانب تعديلات دستورية مرتقبة، أبرزها منع رئيس الوزراء من تقلد المنصب أكثر من ولايتين، وإقرارا قانون يحظر على أعضاء البرلمان تغيير ولائهم السياسي بعد انتخابهم والانتقال من حزب لآخر.

وسمح الاتفاق بإشراك المعارضة في صنع السياسات العامة لأول مرة في تاريخ البلاد، بإشراكها في خطة التعافي من جائحة كورونا.

المصدر : الجزيرة