مسار محفوف بالدين والفساد والتشرذم الطائفي.. هل يتمكن ميقاتي من العبور بلبنان إلى بر الأمان؟

نجيب ميقاتي عاد لقيادة الحكومة وسط أسوأ أزمة سياسية واقتصادية في تاريخ لبنان (الفرنسية)

تعهدت الحكومة اللبنانية الجديدة بأن تعالج أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخ البلاد، ويتعين عليها القيام بإصلاحات حددتها جهات مانحة مثل صندوق النقد والبنك الدوليين.

وفي المقابل، من المنتظر أن يحصل لبنان على مساعدات بمليارات الدولارات عندما يقوم بهذه الإصلاحات.

والبديل هو الغرق أكثر في ركود يشكل أكبر تهديد لاستقرار لبنان منذ الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد بين عامي 1975 و1990.

وأخفقت حكومات متعاقبة في تنفيذ تغييرات بسبب نظام المحاصصة الطائفية في لبنان.

وقال مفاوض لبناني سابق في محادثات صندوق النقد إن "محادثات صندوق النقد الدولي لن تكون نزهة في الحديقة.. سيكون من الصعب جدا الوفاء بالشروط المسبقة".

والكثير من الإصلاحات تتعلق بالنظام المالي والمصرفي الذي يقع في محور الانهيار الاقتصادي الذي بدأ في أواخر 2019 وأصاب بنوك لبنان بالشلل إلى حد كبير.

وتكمن الأسباب الأساسية في عقود من الاقتراض لدولة ينتشر فيها الفساد وأغلبه من بنوك تعتمد على تدفق مستقر للدولارات من الخارج للإبقاء على دوران عجلة النظام المصرفي. وبدأت الأزمة في التفاقم عندما تباطأت تلك التدفقات.

وظهرت أسعار متعددة للصرف الأجنبي محل الربط الثابت لسعر العملة المحلية بالدولار الذي دعم النظام المالي على مدى عقدين.

وتشمل توصيات صندوق النقد الدولي إعادة ترتيب المالية العامة، وإعادة تأهيل البنوك، وإعادة هيكلة الدين العام.

خطة متعثرة

كما يوصي الصندوق أيضا بالاعتراف بالخسائر المسبقة في البنوك الخاصة والمصرف المركزي بطريقة تحمي صغار المودعين وتؤسس لأنظمة نقدية وأسعار صرف موثوق بها بما يشمل توحيد أسعار الصرف المتعددة مصحوبا بقيود رسمية على رؤوس الأموال.

وقال ناصر سعيدي، وهو خبير اقتصادي بارز ووزير سابق، إن حجم الخسائر في مصرف لبنان أمر حيوي، إذ لا يمكن وضع أي برنامج مالي أو خطة لأي حزمة مالية للبنان من دون معرفة حجمها.

كما يريد المانحون أن يروا إصلاحات تؤدي إلى تحسين الشفافية ومكافحة الفساد.

وإحدى نقاط التركيز هي قطاع الطاقة، فعلى الرغم من أنه يستنزف خزائن الدولة، فإنه فشل بشكل مخيب للآمال في توفير الكهرباء.

والكثير من الإصلاحات حددتها خارطة طريق فرنسية العام الماضي، بما في ذلك تدقيق محاسبي للمصرف المركزي.

ورسمت الحكومة السابقة خطة تعاف مالي قدرت الخسائر بنحو 90 مليار دولار في القطاع المالي، وهو رقم أقره صندوق النقد الدولي.

لكن ورغم أن مجلس الوزراء يضم الكثير من اللاعبين الرئيسيين في الساحة السياسية اللبنانية، فإنهم كلهم تقريبا يعارضون الخطة ويشككون في حجم الخسائر.

ويقول بعض الزعماء السياسيين إن ودائع البنوك يجب ألا تُمس حتى وإن كان انهيار العملة قد دمر قيمة المدخرات بنسبة تبلغ 80%.

كما تعثرت محاولات لإجراء تدقيق جنائي في حسابات المصرف المركزي وسط خلافات بشأن قوانين السرية المصرفية.

وحاولت حكومة رئيس الوزراء السابق حسان دياب تطبيق إصلاحات في قطاع الطاقة وبناء قدرات جديدة لتوليد الكهرباء.

لكن هذا المسعى قوضته اعتراضات من كتلة الرئيس الذي أراد أن تُبنى محطة كهرباء في منطقة مسيحية.

ملامح الانهيار

واستقال دياب بعد 7 أشهر من توليه المنصب في أعقاب انفجار مرفأ بيروت، الذي أودى بحياة المئات ودمر جزءا كبيرا من العاصمة.

ومع دق مسؤولي الدولة ناقوس الخطر بشأن انهيار لبنان أو تشرذمه، يعتقد البعض أن جسامة الأزمة يجب أن تشجع السياسيين على اتخاذ قرارات رفضوها أو عارضوها في السابق.

وقال المفاوض السابق إن إحدى المشكلات الأساسية التي سيكون على ميقاتي حلها هي اعتراضات المصرف المركزي على توزيع خسائر القطاع المالي.

وأضاف أنه إذ بدأت حكومة ميقاتي مفاوضات ناجحة مع صندوق النقد الدولي الآن، فإنها لن تتلقى على الأرجح تمويلا قبل بداية العام المقبل.

ووزير المالية الجديد يوسف خليل كان مسؤولا كبيرا في المصرف المركزي ومقربا من محافظه المخضرم رياض سلامة، واختاره لحقيبة المالية رئيس البرلمان نبيه بري، وهو شيعي وأحد أعمدة النظام القائم منذ عقود.

وقال المستشار المالي في بيروت مايك عازار إنه لإعادة "هيكلة النظام المصرفي، على سبيل المثال، هناك الكثير من العمل الدؤوب الذي يجب القيام به على مستوى معين في كل بنك على حدة، هناك عمل ضخم لم يُنجز بعد".

وأشار عازار إلى أنه على مدى العامين المنصرمين، تزايدت خسائر القطاع العام مع استمرار الاقتصاد في الانكماش، مما أضعف قدرته على امتصاص الصدمات.

وأضاف أن خسائر المصرف المركزي والدين الحكومي بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي بلغت أكثر من 700%.

المصدر : رويترز