انفتاح كابل على بكين.. ما المصالح التي تجمع عمامة المولوي بالتنين الشيوعي؟

تجد أفغانستان طالبان والصين مصالح مشتركة واسعة تقرب بينهما (الفرنسية)

كابل – بعد 20 سنة من القتال، تمكنت حركة طالبان الأفغانية من السيطرة على أفغانستان، وأعلنت حكومتها التي سمتها "حكومة تصريف أعمال". وكان فتح المكتب السياسي لحركة طالبان في الدوحة عام 2013 نقطة انطلاق مهمة في تاريخ حركة طالبان، إذ وفر لها مجالا رحبا للعمل السياسي، والتواصل مع دول المنطقة والعالم.

وتعد مفاوضات حركة طالبان مع الولايات المتحدة الأميركية، التي قادت إلى توقيع اتفاقية الدوحة، أكبر إنجاز سياسي للحركة، فلقد مهدت هذه الاتفاقية الطريق لانسحاب القوات الأميركية وقوات حلف الشمال الأطلسي (الناتو) من أفغانستان، وسقوط حكومة الرئيس المنصرف أشرف غني وعودة حركة طالبان إلى الحكم.

تمكنت حركة طالبان عبر مكتبها السياسي في الدوحة من إجراء لقاءات ومحادثات مع ممثلي مختلف الدول والمنظمات، كما زارت وفود الحركة دولا عدة، في محاولة من قيادات الحركة لمد جسور العلاقات مع العالم، على الرغم من إعلان حركة طالبان منظمة إرهابية محظورة، وإدراج أسماء أبرز قياداتها في القائمة السوداء من قبل منظمة الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية ودول الإتحاد الأوروبي.

تطور سريع للعلاقة

كانت روسيا والصين من الدول التي نجحت حركة طالبان في مد جسور علاقة قوية معها، وهذا ما أكده تصريح المتحدث باسم طالبان: "الصين دولة جارة لنا، وتجمعنا معها علاقات جيدة، وكذلك الأمر بالنسبة لروسيا".

وشهدت علاقات حركة طالبان مع الصين تطورا تدريجيا منذ فتح المكتب السياسي لطالبان في قطر، وبدأت العلاقات من لقاءات بين مسؤولي الطرفين، وتطورت إلى زيارات سرية لقيادات حركة طالبان للصين، وبلغت تلك العلاقات أوجها حينما ترأس الملا عبد الغني برادر رئيس المكتب السياسي للحركة وفدا رفيع المستوى في زيارة إلى الصين، في شهر يوليو/تموز الماضي، وقوبل بحفاوة واستقبال رسمي من الحكومة الصينية، إذ أجرى الوفد الطالباني محادثات مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي.

وقد وصف وانغ يي حركة طالبان بأنها "قوة عسكرية وسياسية مهمة في أفغانستان"، وقال إن الحركة ستلعب "دورا مهما في إحلال السلام بالبلاد، وفي المصالحة وإعادة الإعمار". وأوضحت تلك التصريحات أن الصين تتوقع وصول طالبان إلى الحكم في أفغانستان وتستعد للتعامل مع الحكام الجدد في كابل.

دور قطر وباكستان

ولا شك أن كلا من دولة قطر -لكونها الدولة المضيفة للقيادات السياسية لحركة طالبان- وباكستان بحكم علاقاتها الوطيدة مع الحركة، لعبتا دورا مهما في تسهيل العلاقات بين حركة طالبان والصين، خاصة باكستان التي تجمعها روابط اقتصادية وعسكرية متينة مع بكين، إضافة إلى توتر علاقات البلدين مع الهند، التي لها عداوة تاريخية مع باكستان، ولديها مشاكل حدودية معقدة مع الصين تصل في بعض الأحيان إلى الاشتباكات الحدودية المسلحة.

وبعد سيطرة طالبان على الحكم في كابل، أكد الجانب الصيني في مناسبات مختلفة بأن الصين تحترم خيارات الشعب الأفغاني، وتتعامل مع الواقع السائد في أفغانستان، وكان من الواضح من التصريحات أن الصين حريصة على التعامل مع حكومة حركة طالبان والاعتراف بها.

هل تملأ الصين الفراغ الأميركي في أفغانستان؟

الصين، كما يرى رئيس تحرير صحيفة "غلوبال تايمز" الصينية هو شيجين "تقيم علاقاتها على أساس المنفعة المتبادلة"، ويشير إلى أن "الصين في حال ذهابها إلى أفغانستان لن تسعى لملء أي فراغ، انطلاقا من سياساتها الخارجية، التي ترفع شعار احترام خيارات شعوب جميع البلدان".

ومما يؤكد رغبة الصين في إقامة علاقات قوية مع أفغانستان في ظل حكم طالبان أن الصين -مثل روسيا- لم تغلق سفارتها في كابل عقب سيطرة طالبان على الحكم، خلافا لموقف الولايات المتحدة والدول الأوروبية، بل في بادرة بروتوكولية ذات دلالات مهمة، التقى السفير الصيني لدى كابل وانغ يو نائب رئيس الوزراء الأفغاني الجديد المولوي عبد السلام حنفي.

الأهداف الصينية

السؤال المطروح، ما مغزى العلاقات المتنامية بين حركة طالبان والصين؟ وما الأهداف التي تريد الصين تحقيقها من وراء العلاقات مع حكومة طالبان، بالرغم من التباعد -بل والتناقض- الأيديولوجي بين الصين، التي يقودها حزب شيوعي ماركسي ملحد، والحكومة الجديدة في أفغانستان بقيادة حركة طالبان الإسلامية؟

وبدراسة متأنية للسير التدريجي للعلاقات الصينية الطالبانية، يتبين أن الأهداف الأساسية للعلاقات الصينية مع حركة طالبان يمكن تلخيصها في 3 محاور رئيسة، كما يقول هو شيشينغ مدير معهد جنوب آسيا "الصين ستستفيد من اتصالاتها مع حركة طالبان محاولتها التأثير في 3 جوانب رئيسة: السياسة، والاقتصاد والأمن".

ويرى معهد جنوب آسيا -التابع لمعهد الصين للعلاقات الدولية الحديثة- أن تطورات الوضع في أفغانستان سيكون لها تأثير غير مباشر في آسيا الوسطى وباكستان والشرق الأوسط، مما سيؤثر بعد ذلك على استقرار حدود الصين، ومشروع "الحزام والطريق" والمنطقة والعالم، مضيفا أن الصين يتعين عليها المشاركة في عملية إعادة إعمار أفغانستان في المستقبل.

محاور العلاقات الصينية الأفغانية في عهد طالبان

وفي المحور الأول، تريد الصين حث حركة طالبان وحكومتها على منع الحركات الإسلامية للشعب الأيغوري المسلم في تركستان الشرقية (شينغيانغ) -خاصة الأجنحة المسلحة لتلك الحركات- من اتخاذ الأراضي الأفغانية -في ولاية بدخشان وجبال بامير المتاخمة لإقليم شينغيانغ- منطلقا لضرب أهداف داخل الإقليم الخاضع للصين.

وفي المحور الثاني، ترغب الصين في الاستثمار بأفغانستان بهدف الإسهام في استخراج الثروات الطبيعية والمعادن، مثل الحديد والنحاس واليورانيوم والليثيوم، وغيرها، التي تم اكتشافها بكميات كبيرة في أفغانستان، وتقدر قيمتها مبدئيا -حسب مصادر أميركية- بأكثر من 3 تريليونات دولار.

ويبدو أن حركة طالبان لديها رغبة مماثلة، وترحب بالاستثمار الصيني في أفغانستان، فقد وصفت حركة طالبان الصين بأنها "دولة صديقة"، ورحبت بها لإعادة إعمار أفغانستان وتنميتها. وقال الناطق باسم الحركة سهيل شاهين -في تصريحات صحفية- إن حركته ستضمن سلامة الاستثمارات الصينية في أفغانستان، كما صرح متحدث آخر لطالبان بأن الحكومة الجديدة في أفغانستان ستعتمد على الأموال الصينية في النهوض باقتصاد البلد.

وفي المحور الثالث، تهدف الصين -وهي جارة لأفغانستان- للاستفادة من الموقع الجيوإستراتيجي لأفغانستان لصالح مشروع "الحزام والطريق" الذي ترى الصين فيه تحقيقا لأهدافها الإستراتيجية في بسط نفوذها السياسي والاقتصادي في المنطقة، خاصة في جنوب آسيا وآسيا الوسطى، في سياق التنافس الصيني الأميركي من جانب، والتنافس الصيني الروسي من جانب آخر.

ماذا تريد طالبان من الصين؟

أما حركة طالبان وحكومتها، فتريد من الصين الحماية والدعم السياسيين في المحافل الدولية، في مواجهة عراقيل محتملة قد تضعها الدول الغربية أمام أفغانستان، كما تنتظر من بكين الدعم الاقتصادي والاستثمار في مشاريع إعادة البناء والتنمية. ولا يستبعد المراقبون تشكيل محور جديد للتحالف الإقليمي بين الصين وباكستان وأفغانستان ودول أخرى في المنطقة.

المصدر : الجزيرة