تزوج السندريلا وأيد أبو إسماعيل وانتقد عادل إمام.. الوجه الآخر للشوان أشهر جواسيس مصر بإسرائيل

الجاسوس المصري أحمد الهوان المشهور باسم جمعة الشوان (الصحافة المصرية)

القاهرة- "شكرا لحسن تعاونكم معنا"، بهذه الرسالة أنهت المخابرات المصرية فصلا في حياة أحد أشهر جواسيسها، بعد تمكنه من اختراق نظيرتها الإسرائيلية (الموساد) 11 سنة متواصلة، متقلدا خلالها مناصب رفيعة، وكان ضيفا على كبار قادة تل أبيب، ليعود في النهاية إلى بلاده حاملا "البطة السمينة".

هو أحمد محمد عبد الرحمن الهوان، المعروف بـ"جمعة الشوان"، والمولود في السادس من أغسطس/آب 1939، وعاش بصفة أشهر جواسيس مصر في إسرائيل، حتى رحل عن عالمنا في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2011.

وبعيدا عن عالم الجاسوسية، كانت للرجل أوجه أخرى، إذ ارتبط اسمه بالفنانة الراحلة سعاد حسني "سندريلا الشاشة المصرية"، وكان مؤيدا للإطاحة بحكم الرئيس الراحل حسني مبارك، وكذلك "بحكم الإخوان"، كما أيد الداعية السلفي حازم أبو إسماعيل الذي ترشح للرئاسة في أول انتخابات بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011.

جسدت مصر حياته في عمل درامي باسم "دموع في عيون وقحة"، لعب بطولته الممثل عادل إمام، لكن "الهوان" كان يتمنى أن يجسد الشخصية أحد الفنانين فريد شوقي أو محمود مرسي، كما نشب خلاف بينه وبين عادل إمام بسبب تهكم "الزعيم" عليه في أول لقاء بينهما.

ثأر قديم

في مدينة السويس (شمال شرق) ولد "الهوان" وشبَّ، وعمل في تجارة المراكب الشراعية البحرية، فتعلم بدرجات متفاوتة 9 لغات، أبرزها الإنجليزية والفرنسية واليونانية، وذلك بالاختلاط مع الأجانب عابري قناة السويس، التي كانت بؤرة للهجوم الإسرائيلي في حرب 1967، المعروفة بـ"النكسة".

خلال قصف للطيران الإسرائيلي، تعرضت زوجته "فاطمة" لفقدان البصر، ليضطر هو وأسرته إلى الهجرة من السويس إلى القاهرة، ضمن عمليات التهجير التي شملت مدن القناة، حسب ما روى في مذكراته.

تعددت النساء في حياة الهوان؛ فرفيقة بداية الكفاح "فاطمة" انفصل عنها، بعد معرفتها بأنه على علاقة بعميلة الموساد في سبعينيات القرن الماضي "جوجو"، ليتزوج لاحقا بطليقة الفنان الراحل سيد زيان، ويعيشان معا عقدين من الزمن.

وخلال رحلاته من اليونان إلى العواصم الأوروبية الأخرى، تعرف الهوان -حسب ما ذكر في أكثر من لقاء صحفي- على عدد كبير من الفتيات الإسرائيليات، كما تمكن من تجنيد "جوجو" لحساب مصر، وكانت تمده بمعلومات عن الموساد والجيش الإسرائيلي.

وعن "جوجو" قال الشوان -في مذكراته- إنه "كان يحبها كثيرا، ودخلت الإسلام، وعاشت في القاهرة في سرية تامة خشية اغتيالها، بعد الإفصاح عن عمله ضد الموساد".

الاحتكاك الأول

بعد حرب 1967، تعرض الهوان لضائقة مالية، فاتجه إلى القاهرة وفقد الأمل في العودة إلى السويس، ومنها إلى العاصمة اليونانية أثينا، وعمل ضابطا إداريا على مركب بحري، بمساعدة صديق يوناني قديم كان مدينا له بالمال، وكانا على علاقة طيبة.

ومن اليونان إلى عواصم أوروبية مختلفة، حيث التقى الشوان رجال الموساد، الذين لم يكن يعرف طبيعة عملهم، وكانوا يتخفون خلف شركة للحديد والصلب، فأقنعوه بإدارة فرع شركتهم الجديد في القاهرة، ومنْحه نظير تأسيس الفرع الجديد مبلغا كبيرا قدره 185 ألف دولار، ولاحقا طلب منه عميل بالموساد الحصول على معلومات عن المراكب الراسية في منطقة البحيرات المرة بقناة السويس، بدعوى شرائها خردة.

لقاء الرئيس

دخل الشك قلب الهوان نتيجة الأسماء اليهودية التي يحملها كل من يقترب منه، واهتمامهم المبالغ فيه بالمعلومات السرية والأموال الكثيرة التي يحصل عليها، وبدأ يفكر في لقاء الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لإطلاعه على الأمر.

وبعد مناوشات مع المخابرات المصرية، تمكن من لقاء عبد الناصر، وبعد ذلك التقى المسؤول عنه بالمخابرات آنذاك اللواء عبد السلام المحجوب (تقلد مناصب وزارية وكان محافظا سابقا) للمرة الثانية، حيث سبق أن التقاه مصادفة على مركب باليونان تحت اسم "الريس زكريا"، وكان باع له ساعته لحاجته للمال.

وتعلم الهوان من الموساد جمع المعلومات والكتابة بالحبر السري والإرسال والاستقبال بالراديو، واستخرج له جواز سفر إسرائيلي باسم يعقوب منصور، ويحمل صفة سكرتير أول السفارة الإسرائيلية في روما.

"البطة السمينة"

قبل حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، تمكن من إحضار جهاز إرسال نادر الوجود وقتها ومعقد وصغير الحجم، كانت تحلم بالحصول عليه المخابرات المصرية، وكانت تطلق عليه "البطة السمينة"، خلافا للمعلومات المضللة التي أمد بها المخابرات الإسرائيلية.

وبعد الحرب، عاد إلى مصر بجهاز آخر، طلب منه الموساد السفر به إلى القاهرة لمدهم بالمعلومات عبره، فأهداه الرجل للمخابرات المصرية.

كما روى في مذكراته أنه "في آخر مرة سافر فيها إلى إسرائيل لإحضار جهاز الإرسال، وضعوه داخل فرشاة أحذية، إلا أن رئيس إسرائيل السابق شيمون بيريز (حين كان مسؤولا بالمخابرات) خاف أن ينفضح الأمر، لأن الفرشاة جديدة فوضع عليها ورنيشا، وانحنى بنفسه تحت قدم الهوان ثم مسح على حذائه".

وعام 1976، أصيب الهوان في قدمه، فطلب من بلاده اعتزال العمل المخابراتي، غير أن الرئيس الراحل أنور السادات رفض نظرا للاحتياج إليه، فأكمل المسيرة مصابا، إلا أن إصابة في عينه دفعته لمعاودة الطلب في العام التالي، فما كان أمام المخابرات إلا قبول الأمر.

كان لنهاية عمل الهوان بالمخابرات المصرية دوي كبير في إسرائيل، حيث أول رسالة تبثها مصر من جهاز الإرسال النادر وُجهت إلى تل أبيب، وجاء فيها "شكرا لحسن تعاونكم معنا طوال 11 عاما عبر رجلنا جمعة الشوان (الهوان).. المخابرات العامة المصرية"، حسب ما جاء في العمل الدرامي الذي جسد حياته.

الثورة وتأييد الإسلاميين

رغم الأموال الطائلة التي تحصل عليها الهوان نظير خدماته للموساد الإسرائيلي، التي كان يقوم بها تحت إشراف المخابرات المصرية، فإنه كان في السنوات الأخيرة من عمره "تحت خط الفقراء"، حسب ما وصف في لقاء صحفي سابق.

كما لم تفلح مناشداته كبار المسؤولين -بدءا من الرئيس الراحل حسني مبارك- من أجل توفير معيشة كريمة، رغم "تسليمه كافة الأموال التي حصل عليها من الموساد لمخابرات بلاده طوال عمله، والتي كانت من الممكن أن تجعله مليونيرا"، وفق قوله.

يبدو أن ما لقيه الرجل من مبارك دفعه للتوقيع على بيان الجمعية الوطنية للتغيير، التي قادها محمد البرادعي (نائب رئيس الجمهورية صيف 2013)، التي طالبت بتغيير نظام الحكم قبل الثورة، فشارك في 25 يناير/كانون الثاني 2011 منذ البداية.

وبعد الإطاحة بمبارك، أبدى الهوان -قبل وفاته في نوفمبر/تشرين الثاني 2011- تأييده للتيار الإسلامي والمرشح الرئاسي السلفي آنذاك حازم صلاح أبو إسماعيل، مؤكدا أن "الأحرص على أمن مصر هم الإسلاميون، وهو ما نراه في كلام أبو إسماعيل".

وخلافا لدوره الاستخباراتي، كان الهوان على علاقة عاطفية مع "السندريلا"، إذ قال في أكثر من مناسبة إنه "تزوج الفنانة سعاد حسني عرفيا عام 1969، واستمر زواجهما 8 أشهر".

وفي حين نفت شقيقة "السندريلا" هذا الزواج، أكد الهوان أنه تزوج بالفعل من سعاد حسني، "أما شقيقتها فلم تكن تعلم شيئا عن الموضوع ولم أصرح عن هذا الزواج في وقته بناء على طلب سعاد".

المصدر : الجزيرة